كتاب عربي 21

امسحي دموعك يا منال!

1300x600
لم يكن يدر بخلد الناشطة السياسية "منال الطيبي"، وباب منزلها يتم قرعه بعنف، أن القارع من "زوار الفجر"!.

فمنال سبق لها الاستقالة من اللجنة التأسيسية لوضع الدستور في عهد الرئيس محمد مرسي، وبعد استقالتها انطلقت تهاجمه في كل المحافل، وتعلن خيانته في استوديوهات الثورة المضادة، التي كانت تمهد الأجواء للانقلاب العسكري، وقد تم تتويج نضالها، بأن اختارها حكم العسكر ممثلة عن النوبة في لجنة الخمسين لإعداد دستورهم، وتم اختيارها بالتعيين "الحر المباشر" في المجلس القومي لحقوق الإنسان، وبقرار من موفد قائد الانقلاب في القصر الجمهوري، المستشار عدلي منصور.

ولعلها، والقارع يقرع باب منزلها بعنف، كانت تعتبر نفسها جزءاً من السلطة التي تحكم مصر الآن، فمن المستبعد بالتالي أن يكون القارع ينتمي للنظام الحاكم، وقد ولى هذا الزمان الذي كانت تصنف فيه على أنها معارضة، ويتم الدفع ببعض النوبة، ليتهموها بأنها لا تعبر عنهم، إبان حكم المخلوع، فترد هي التحية بأن هؤلاء يتبعون نظام مبارك. فهي في حالة انسجام مع السلطة القائمة في مصر، ولعلها وهي تُفتح أمامها "طاقة القدر" فتعين في لجنة الخمسين، وتختار عضواً في مجلس حقوق الإنسان الحكومي، انتابتها لحظة سعادة غامرة، كتلك التي انتابت "ريا وسكينة"، عندما خطب "الشاويش عبد العال" إحداهن، فغنين:"نسبنا الحكومة وبقينا حبايب".

لقد فتحت "منال الطيبي" الباب فزعة، لتستيقظ على الحقيقة المرة، وهي أن صاحب اليد العنيفة ومن معه، هم "زوار الفجر"، الذين لم يزورها وهي تعارض السلطة في عهد مبارك، وفي حكم مرسي، لكن زيارتهم كانت وهي جزءا من النظام الحاكم، وربما تمني نفسها بالترقي في سلكه، فمن يدري فقد تصبح وزيرة!.

أسقط في يد "منال" ومنزلها يتم تفتيشه، ويتم العصف بمحتوياته، ولعلها فركت عينيها وهي تسأل: "أنا في حلم أم في علم"؟!، ولم تتأكد أنها في علم إلا وقائد المجموعة المقتحمة ينصحها نصيحة مخلصة: "ربي ابنك يا مدام". وكان نجلها البالغ من العمر ستة عشر عاماً حاضراً ومنزعجاً، فكيف يحدث هذا ووالدته صارت من أهل الحكم، الذين اختاروها عضواً في لجنة إعداد الدستور، وعضواً في المجلس القومي لحقوق الإنسان؟!.

سألت "منال الطيبي" عن سبب المداهمة، فقيل لها إن بلاغاً قدم ضدها من مجهول يتهمها بالاتصال بجهات أجنبية، وعليه صدر قرار من النيابة بتفتيش منزلها. ربما للعثور على "السلك السري" الذي يربطها بالجهات الأجنبية، والذي رآه المبلغ "المجهول" فهتف في البرية: خيانة للوطن!.

"منال" تقول أنها اطلعت على قرار النيابة، الذي صدر بناء على بلاغ "المجهول ابن أبيه". ولا نعرف ما إذا كانت قد تمكنت من رؤية "ختم النسر" مزيناً للقرار، أم أنها لهول الصدمة، لم تتمكن من هذا، ولم تنشغل به، وبالتالي يمكن أن يكون القرار مزوراً ومضروباً.

لقد ذكرت منال أن "زوار الفجر" قاموا بالسطو على أموالها وحليها، وهي هنا لم تقل جديداً، فعمليات المداهمة في عهد الانقلاب تأتي مصحوبة بهجامين، يسطون على كل ما يصادفهم في منزل الضحية، من أول الأجهزة الالكترونية، إلى الأموال، ويشيعون في وسائل الإعلام أنهم عثروا على مبالغ كبيرة، بهدف التشهير ولإجباره على نفي التهمة، ليفوز باللذات "زوار الفجر"، الذين لا يضعون المضبوطات في الأحراز.

عندما تم إلقاء القبض على الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، أذيع عبر وسائل الإعلام أنهم عثروا في منزله علي مليون جنيه، وأمام النيابة طالب الشيخ بالمبلغ، المعلن عنه، ولماذا لم يوضع في الأحراز؟، فلا يوجد قانون يجرم حيازة مواطن للنقد. ولا نعرف إلى أي مدى وصلوا معه، كما لم نعرف هل عثروا على المبلغ المعلن فعلاً أما لا؟ّ.

ما علينا، فبعد النصيحة الغالية لـ "منال الطيبي" جلست تجتر الذكريات، فقد تم تمكينها من تمثيل أهل النوبة في لجنة المائة لوضع الدستور في عهد الرئيس محمد مرسي، ولعلها كانت آخر من استقال من التيارات المدنية، التي كانت تستهدف إفشال عمل اللجنة بعد أن تمت الاستجابة لمقترحاتهم، وكانت الأمور تسير بداخلها على ما يرام. يحدث شد وجذب، لكن في النهاية فإن معظم ما طالبت به القوى المدنية تمت الاستجابة له.

ولأني كنت معارضاً للرئيس محمد مرسي وحكمه، فقد انتظرت أن اسمع مبرراً معقولاً لهذا الانسحاب، فأرهقت أذني، وعيني، ولم أجد على النار هدي، وبدا كما لو كان هناك عفريت من الجن يحرك القوم بالريموت كنترول، قال لهم انسحبوا فانسحبوا!.

وانسحبت "منال الطيبي"، ورحب وحيد عبد المجيد بانسحابها، وكان وحيد صاحب مصلحة، فقد رشحها الإخوان على رأس قائمة لهم ليفوز بعضوية مجلس الشعب، لكنه كان يطمع أن يزيد، وطمع في منصب رئيس مجلس إدارة "الأهرام"، لكن القوم منحوه لممدوح الولي، فقيل: "يا داهية دقي"، واستقال عبد المجيد من التأسيسية، وانضم لجبهة الإنقاذ!.

قرأت بيان استقالة "الطيبي" من اللجنة التأسيسية، لكنها لم تقدم مبرراً منطقيا، فلم تقل لنا مطالبها التي تم تجاهلها، وإنما اكتفت بالقول "إنهم يقبلون على وضع دستور أسوأ من كل الدساتير المصرية السابقة من خلال جمعية تأسيسية قامت في تشكيلها على المغالبة بقوة السلطة".. ولم يكن هذا رأيها عندما قبلت اختيارها عضواً في هذه الجمعية، وهي التي تشكلت على النحو الذي رأته عندما قررت الانسحاب منها.

لقد انطلقت "منال الطيبي" لتكون جزءاً من حملة الإبادة الإعلامية التي قادها إعلام الثورة المضادة ضد الحكم المنتخب، ولم تكن مشغولة بأن من يستضيفها أو يجلس بجوارها في الأستوديو، ينتمي لنظام مبارك، وعمل على تشويه ثورة يناير التي تنتمي لها "منال".

بل لم تجد أزمة في أن تستدعي اتهامات رجال مبارك، والأجهزة الأمنية في عهده، ضد الرئيس محمد مرسي، وتتبناها وتعيد إنتاجها!.

في برنامج تلفزيوني، قالت إن مرسي عندما اعتقل في 27 يناير 2011 كان كما قال "الأستاذ" رجائي عطية، و "الباحث السياسي" عبد الرحيم على، معتقلاً باتهام الخيانة. فاتها أن كلاً من "الأستاذ" و"الباحث" ينتميان لعهد المخلوع.. الأول هو محامي ابنيه، والثاني هي أعلم به منا، وبالتالي لا تقبل شهادتهما ولو في حزمة من بقل!.

لم تقل الأجهزة الأمنية ما رددته "الطيبي"، فالمنشور حينئذ، أن القبض علي الدكتور محمد مرسي ضمن ستة من أعضاء مكتب الإرشاد، وخمسمائة من أعضاء الجماعة، لأنهم قادوا الاتجاه داخل الجماعة بالمشاركة رسمياً في ثورة يناير.

"الطيبي" اعتبرت أن الصمت على الرد على هذا الكلام معناه أنه صحيح، وهي قاعدة لو طبقناها على حالتها لظلمناها كثيراً.

فقد أذاع إعلام مبارك، ولم تنف هي، أنها مسؤولة عن ما يسمي بالمجلس القومي للمرأة الزنجية، وهي منظمة يهودية أمريكية تعمل في الأوساط العرقية خاصة السوداء. كما تم اتهامها، ولم تنف، بأنها تزعمت تدويل القضية النوبية!.

لقد طوت "منال الطيبي" ملف المعارضة للحكم، وصارت منتمية لسلطة الانقلاب، وآخر أعمالها المجيدة، التي تؤكد ولائها الجديد هو وصفها لما يجري في رفح بأنه ليس تهجيراً قسرياً. وعندما شعرت بالأمان إذا بزوار الفجر يروعونها وصغيرها.. فماذا فعلت لهذا كله، ولعل ما أرقها فعلا أنها لم تجد مبرراً لكل هذا، فحتى لو أرادت الانصياع لنصيحة "كبيرهم"، وهو من طلب منها أن تكون في حالها، وأن تربي ابنها، فلن تعرف ماذا عليها أن تفعل، وهي مع السلطة!.

ذكرتني "منال" بحالة الراحل محمود السعدني الذي رواها بسخريته المعهودة، عندما تم القبض عليه في عهد الرئيس السادات، لعلاقته بوزير الداخلية المقبوض عليه ضمن جماعة مراكز القوى التي كانت تستهدف الانقلاب على الرئيس. قال السعدني: في عهد عبد الناصر اعتقلت وسألت من اعتقلني؟ قالوا وزير الداخلية، فقررت أن يكون وزير الداخلية صديقي، فإذا به يعتقل، وتصبح صداقتي به اتهاما موجها لي.

إن "منال الطيبي" من فرقة من "المعارضين المتقاعدين" قررت أن "تناسب الحكومة"، لترتاح في جوارها بعد معاناة الخوف من السلطة ومن المباحث ومن الاعتقال، فإذا بها لم تسلم بما سلمت به وهي تتهم رئيس الدولة بالخيانة!.

عندما تصل "الطيبي" إلى هذه النقطة بعد اجترار شريط الذكريات، أظن أن دموعها قد خرجت، تعبيراً عن الحيرة التي تنتابها!.

لا بأس، امسحي دموعك يا منال، وسأنبيك بتأويل مالم تحيطي به علماً. فهذا هو الحكم الكارثي الذي قمتم بجلبه للبلاد، ومن المعروف بحكم العسكر بالضرورة، هو تنازع الأجهزة الأمنية، وقد يكون كلام وزير الداخلية صحيحاً بأنه لا يعلم بما حدث معك، لكن من قال لك أنه في ظل حكم العسكر يصبح الأمر يسير عبر المؤسسات الطبيعية، ومن قال لك في ظل حكمهم ان القرار بيد الوزير وحده؟!

ربما لا تعرفي يا "منال" شهدي عطية؟!، لقد كان الفتي مخلصاً لثورة العسكر في 23 يوليو سنة 1952 ولعبد الناصر، أكثر من إخلاصك لثورتهم في 3 يوليو 2013 ولعبد عبد الفتاح السيسي. لكن شهدي اعتقل وحكم عليه بالإعدام، ولم يكفر بالثورة وبعبد الناصر، وكان يتصور أن عبد الناصر سيأتي للسجن ويخرجه بيده ويعتذر له. وظل مؤمناً بذلك حتى وهو ينفذ فيه حكم الإعدام!.

السيسي، ليس مخلصاً لثورة يناير، إنه من أعدى أعدائها، وإخلاصه لحسني مبارك ليس محل شك، واحتياجه لثوار يناير كان "لمسافة السكة" وحتى يؤمن انقلابه، فقد كان يحتاج غطاء ثورياً لثورته المضادة، وكنتم أنتم هذا الغطاء يا "منال"!.

وربما لا يمثل هذا الفصيل الثوري أزمة ملحة الآن لبعض الأجهزة لكن بعض هذه الأجهزة بينها وبينه ثأر قديم، لم يمحه أن شارك هذا الفصيل في إنهاء الثورة، وفي قطع الطريق الديمقراطي، وفي إسقاط الرئيس مرسي، وفي دخوله ميدان التحرير يوم 30 يونيه مع المتهمين بقتل الثوار وعلى رأسهم وزير الداخلية الأسبق أحمد جمال الدين.

وهذه الأجهزة كانت في عجلة من أمرها بعد الانقلاب مباشرة، وتريد أن تحاكم الحلفاء الجدد بتهمة تقاضي تمويلات خارجية، لكن أجهزة أخرى تدخلت وأجلت الأمر.

ففي ظل حكم العسكر، يصبح الحكم للأجهزة الأمنية المتنافسة والمتصارعة، وهذا هو تفسير ما جرى معك يا "منال"، وقد يكون وزير الداخلية صادقاً بأنه لا يعلم، وقد يكون السيسي نفسه لا يعلم، فانظري إلى المنحدر الذي هوت البلاد إليه وشاركتم فيها بحسن نية، فاتكم أن الطريق إلى جهنم الحمراء مفروش بالنوايا الحسنة.

لستم في منآى عن بطش حكم العسكر يا "منال" فسوف تدفعون الثمن، وإن استقمتم على الطريقة.
فاشربوا.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع