كتاب عربي 21

النسر الأمريكي في السماء السورية

1300x600
خلال يوم واحد فقط ! ينتهى اجتماع جدة على ما كان مأمولا منه من قبل الإدارة الأمريكية، حيث وافقت دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن و لبنان على انضمامهم إلى حلف الولايات المتحدة لشن حملة عسكرية منسقة على تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق، فيما اكتفت تركيا بدعمها الإنساني واللوجستي.
 
جاءت هذه النتائج تكليلا لتصريح أوباما الذي سبق زيارة كيري لجدة بيوم واحد فقط! بهدف تشكيل تكتل إقليمي، ودولي وحشد الجهود من أجل محاربة الإرهاب في دول المنطقة والعالم.
 
وعلى الرغم من التجاهل المتعمد لأوباما في خطابه توجيه إدانة إلى الإرهاب الممنهج الذي يمارسه النظام السوري بحق ملايين المدنيين العزل، إلا أنه اكتفى بوصف نظام الأسد بأنه نظام استبدادي وفاقد للشرعية، وعلى هذا لا يوجد رغبة أميركية في التعاون معه لأجل مكافحة الإرهاب؛ وفارق كبير بكل تأكيد في تعاطي الإدارة الأمريكية مع الأنظمة الاستبدادية والتنظيمات الإرهابية. 

لقد جاءت استراتيجية القضاء على الدولة الإسلامية في العراق والشام والتي صرح عنها أوباما في خطابه الأخير ضمن أربع نقاط، لم تشمل أي منها مواقف صريحة بشأن الوضع في سوريا التي أعلن تنظيم الدولة عاصمة خلافته في أراضيها، و إنما اكتفى الرئيس الأميركي بالإشارة إلى توسيع الضربات الجوية لتشمل سوريا إضافة إلى العراق.

إن تزامن خطاب أوباما مع ذكرى 11 من سبتمبر بعد يوم واحد فقط ! من اغتيال كبار قيادي المعارضة السورية في جبهة أحرار الشام التي يمكن وصفها بالاعتدال في عملية تعتبر إلى اليوم من أكبر عمليات الاغتيال والتصفيات التي حدثت في سوريا بعد عملية اغتيال خلية الأزمات إثر تفجير مبنى الأمن القومي في الثامن عشر من يوليو 2012، والتي كانت السبب الرئيسي في تسارع انشقاقات هامة بين صفوف الأسد وكسر شوكته. يعد رسالة واضحة إلى كلا الطرفين بالاختراق الأمني داخل الحلقات الضيقة لأنظمتهم والذي على أساسه تقوم الولايات المتحدة بتعديل موازين القوى بين المعارضة والنظام، وإدارة دفة الصراع بما تشتهيه سفنها.

قد يبدو أن المعارضة السورية المسلحة حصرت بين خيارين لا ثالث لهما:    

فإما أن تنضم للتحالف الدولي في معركته لمحاربة تنظيم داعش وتنتظر الحل السياسي الذي ستفضي إليه مفاوضات كيري في المنطقة، أو أن تعود لمسارها الشعبي وترص صفوفها وتبدأ ثورة جديدة مواجهة صراعات أكثر دموية، ضد نظام الأسد وحلفائه من جهة، وتنظيم الدولة كجهة ثانية، والتحالف الدولي الذي تقوده الإدارة الأمريكية من جهة ثالثة.

لكن الخيارات على أرض الواقع بالنسبة للمعارضة العسكرية معدومة، فلا بديل عن الانطواء تحت جناح التحالف الدولي أو ستوقف عنها الدول الصديقة أغلب أشكال الدعم الذي يشكل المورد الرئيسي لصمودها، فنحن اليوم أمام تحالفات إقليمية ودولية والقرارات التي ستصدر من الإدراة الأمريكية ستكون ملزمة لكافة الأطراف.

أما إذا ما عقدت العزم على رفض التدخل الدولي وخصوصا الأجنبي، فإنها ستواجه أمرين أحلاهما مرٌّ: إما العودة إلى صفوف الأسد وإيران وروسيا وهذا ضرب من الانتحار وخصوصا بعد أنهار الدم التي تفصل بينهما أو أن ترفع الرايات السوداء وتنزلق في معارك ضد القوات الأميركية وقوات نظام الأسد والجبهات العسكرية السورية التي توصف بالمعتدلة والتي ستُعتمد كقوات برية في مواجهة التنظيم؛ وبالتالي سيكون عليها قتال كتائب سورية كانت تحارب بين صفوفها إلى فترة قريبة، وبذلك تختار أن تكون سكينا جديداً يحز في رقاب السوريين وهذا قد يكون أحلى المرين. 

من ناحية ثانية: لم يكن مستبعدا رفض أوباما التنسيق والتعاون مع الأسد للقضاء على تنظيم الدولة في العراق والشام، وإن كان قد صرح الأسد للمبعوث الأممي، استيفان دي ميتسورا، باستعداد الحكومة السورية للتعاون والتنسيق والدعم من أجل مكافحة الإرهاب، وأن هذا من شأنه أن يسهم في دعم المصالحات الوطنية، لأن ما قام به الأسد حتى الآن يجعل المصالحة الوطنية على يده أمرا مستحيلا، و قد كانت خطوة ذكية من أوباما الاقتراب من المسلمين، ونفي تهمة الإرهاب عنهم عندما نزع صفة الإسلام عن داعش وإجرامها في خطوة يهدف منها إلى التمهيد للتحالف مع الدول الإسلامية التي اجتمعت في جدة في اليوم التالي لخطابه.
 
فهل من رد ينتظره أوباما من النظام السوري؟

على الرغم من أن حكومة الأسد عودت المجتمع الدولي على الاحتفاظ بحق الرد تجاه الاختراقات الإسرائيلية المتكررة للأراضي السورية وقصفها مواقع عسكرية للنظام، إلا أننا اليوم قد نشهد ردات فعل مختلفة للأسد؛ إذا ما تمت الضربات الجوية الأميركية لتنظيم الدولة داخل الأراضي السورية دون اتفاق مسبق معه.  

وبأقصى الأحوال، سينحصر رد الحكومة السورية ضمن نطاقين: الأول دعم داعش بطريقة مبطنة، كي يفهم أوباما بأنه دون الأسد لن يحقق ما يتطلع إليه من تحجيم الإرهاب في المنطقة، و إن حدث وطال ما أراد فسيكون بثمن مضاعف. 

أوضرب الطيران الأميركي عند اختراقه للأجواء السورية وهذا يبدو مستبعدا لأنه بالتالي سيقود إلى حرب شعواء في المنطقة وأميركا اليوم بصدد حملة عسكرية في المنطقة وليست بصدد خوض حرب متعددة الأطراف، وإذا لم يكن أي من هذين فنحن أمام محاولات للالتفاف على السوريين وعلينا بكل تأكيد أن نبحث حول ما دار من اتفاقيات تحت الطاولة بهذا الشأن.

إن ضرب القوات الأمريكية للأراضي السورية التي هي اليوم تحت سيطرة تنظيم الدولة وجبهة النصرة المصنفة مؤخرا ضمن التنظيمات الإرهابية، قبل التوصل إلى حل سياسي، أو طرح مبادرات بشكل رسمي لحل أزمة الصراع على السلطة بين المعارضة والأسد ما هو إلا ضرب بعرض الحائط لحقوق الإنسان السوري الذي يعاني من كافة أشكال الإرهاب، ويذوق كل أنواع الموت من مختلف الجهات، وإذا ما كانت المبادرة العربية بقيادة السيسي جاهزة على الطاولة، فالسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تقدم هذه المبادرة قبل اتساع كرة النار في المنطقة، وخصوصا بأن ما خرجت به اتفاقيات جدة وما أدلت به إدارة أوباما تأكيد ودليل واضح على نضجها.