تعمق الانقسام داخل
الحزب الحاكم بالجزائر (جبهة التحرير الوطني) على أثر اجتماع لـ "اللجنة المركزية" بالعاصمة الثلاثاء، رفعت جلسته دون تسوية نزاع بشأن القيادة الشرعية للحزب بدأ قبل أكثر من أربع سنوات.
وتحولت قاعة الفندق الذي احتضن اجتماع اللجنة المركزية للحزب، بالعاصمة
الجزائر، الثلاثاء 24 حيزران/ يونيو، إلى ساحة للعراك والملاسنات والاحتكاك الجسدي بين متخاصمين، وأتباعهم يتنازعون قيادة الحزب الحاكم.
واتهم معارضون، الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني"، عمار سعداني بـ "الاستعانة ببلطجية لمنع دخول أعضاء اللجنة المركزية المعارضين له، خشية الاتفاق على الانقلاب عليه وسحب الثقة منه بعد أن طعنوا بوثيقة موقعة، بشرعية اعتلائه سدة القيادة، يوم 29 آب/ أغسطس 2013.
ومنذ هذا التاريخ، تشكلت قيادة موازية داخل الحزب الحاكم بالجزائر، تعتبر أمينه العام، غير شرعي، وعملت على إزاحته، لكن عمار سعداني، تمكن من إحكام قبضته على مجريات الاجتماع الذي شارك به قرابة 270 عضوا، ومنع دخول خصومه على الرغم من عضويتهم في اللجنة المركزية.
لكن الأزمة داخل الحزب المعروف اختصارا بتسمية "
الآفلان" لا تعود تحديدا إلى التاريخ المذكور وإنما إلى آذار/ مارس 2010، عندما انتخب الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم (مستشار الرئيس الجزائري حاليا) على راس الحزب دون رضا قطاع واسع من أعضاء اللجنة المركزية صاحبة القرار.
وتمكن سعداني بعد ذلك من إزاحة عبد العزيز بلخادم، من على رأس الحزب ونصب أمينا عاما خلفا له، لتعود الأزمة من جديد داخل الحزب الحاكم الذي يرأسه بصفة شرفية، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وكان المعارضون يراهنون على اجتماع الثلاثاء، من أجل الإطاحة بعمار سعداني. واستعانوا بالأمين العام السابق لـ "الآفلان" عبد العزيز بلخادم، باعتباره يمثل وزنا ثقيلا في دواليبه، غير أن خصمه اللدود، عمار سعداني أمر حراسه بمنعه من دخول القاعة.
وفي كلمته، لدى انطلاق أشغال الاجتماع الذي خصص للتحضير لعقد مؤتمر الحزب العاشر المرتقب خلال الثلاثي الأول من العام المقبل 2015، انتقد الأمين العام للحزب، سابقه عبد العزيز بلخادم، متهما إياه بمحاولة الاستحواذ على الحزب للترشح باسمه بالانتخابات الرئاسية بعد خمس سنوات.
وسألت "عربي21"، عبد العزيز بلخادم خارج قاعة الاجتماع عن سبب منعه وأتباعه من دخول القاعة، فقال "إن عمار سعداني يعمل على منع قطاع واسع من أعضاء اللجنة المركزية من أجل أن يستحوذ على الحزب، وللبقاء في منصبه"، وطالب بلخادم بإجراء انتخابات داخلية لانتخاب أمين عام جديد، محذرا من تعميق الأزمة داخل الحزب الحاكم.
وتطرح تساؤلات حيال "عدم تدخل" الرئيس بوتفليقة لوضع حد للشرخ الحاصل بين فرقاء الحزب، باعتباره رئيسا شرفيا، وقال بلخادم، وهو أحد المقربين من الرئيس ومستشاره الشخصي، للصحافة على هامش اجتماع الثلاثاء: "إن الرئيس، رئيس كل الجزائريين ولا يمكنه التدخل لحساب طرف ضد طرف آخر". وأضاف: "هناك من يقول إني مدعوم من طرف رئيس المخابرات الجنرال محمد مدين، وهذه مجرد تهمة لا سند لها".
واتهم بلخادم، غريمه سعداني بـ "الاستعانة بمأجورين والاعتداء على قياديي الحزب بطريقة مهينة"، كما اتهمه بتقديم شارات الدخول لأشخاص غرباء "حتى تظهر القاعة مملوءة".
وبينما أكد الأمين العام للحزب، أن عدد الحضور من أعضاء اللجنة المركزية الموالين له بلغ 270 عضوا من جملة 320، وهو عدد جل الأعضاء، أكد بلخادم أن "عدد المشاركين في الدورة لا يتجاوز الـ 120 عضوا، أما الباقون فهم موالون له". وقال بلخادم: "لن نعترف بنتائج الاجتماع ولا بما يصدر عنه من قرارات".
وسبق لهيئة الانضباط بحزب جبهة التحرير الوطني، قبل اسبوعين، ان اقصت بعض القياديين بالحزب، من بينهم عبد الرحمن بلعياط، احد الوجوه البارزة داخل الحزب الحاكم، وهو موال لعبد العزيز بلخادم.
لكن بلخادم طعن بقرارات هيئة الانضباط، وقال الثلاثاء إن "الجهة التي لها صلاحية الإقصاء هي اللجنة المركزية، وليس ثمة هيئة أخرى تحل محلها بمثل هذه الأمور".
وفي خطوة "محتشمة"، تجمعت قيادات الحزب التي منعت من حضور اجتماع اللجنة المركزية ببهو فندق "الأوراسي"، وانتخبت عبد العزيز بلخادم أمينا عاما للحزب، بينما كان من في داخل القاعة يهتف لصالح بقاء سعداني أمينا عاما.
يشار إلى أن الأزمة التي تخندق بها الحزب منذ أكثر من أربع سنوات، دفعت بعديد الشخصيات في الساحة السياسية إلى المطالبة بحل "الآفلان" و"إيداعه المتحف"، في إحالة إلى أن "جبهة التحرير الوطني" يكفيها أنها حكمت البلاد منذ استقلالها عام 1962، وهي من حررت الجزائر من نير الاستعمار الفرنسي. والآن، حان الوقت ليحكم البلاد فصيل سياسي آخر يتكون من الشباب.
وقال فاتح القرت، وهو برلماني سابق تابع أطوار المشاحنات الثلاثاء، لـ "عربي21" تعليقا على هتافات خصوم القيادة الحالية: "هذا الهتاف لم يطلقه أعداء حزب جبهة التحرير، أو خصوم الحزب ومنافسوه السياسيون، وإنما نادى به وهتف به أعضاء في اللجنة المركزية لذات الحزب في حق أمينهم العام.. هذه حجة أخرى للمطالبة بجعل شعار "جبهة التحرير" تراثا وطنيا مشتركا للجزائريين، ?ن حزب جبهة التحرير بشكله الحالي وممارسات مسؤوليه، وأزماته المزمنة صار يشكل خطرا على الاستقرار وا?من الوطنيين".
وقالت حكيمة ذهبي، الكاتبة الصحفية المتابعة لشؤون الحزب الحاكم بالجزائر لـ "عربي21" الثلاثاء، إنه "لطالما شكل الصراع في الحزب العتيد واحدة من صور الصراع الدائر في أعلى هرم السلطة.. فأحداث اليوم ليست جديدة على الحزب الذي كان ولا يزال جهازا سياسيا بيد النظام".
وأضافت ذهبي: "كان متوقعا أن يفرض سعداني هيمنته على (الحزب الجهاز) بما أنه يتلقى دعما واضحا من شقيق الرئيس الذي فرضه خلال دورة 29 و30 آب/ أغسطس الماضي". وشرحت تقول: "قد بدا أن الأمور محسومة لصالح جماعة الرئاسة التي يكون سعداني واحدا منها لأنه مدعوم من قبل شقيق الرئيس، بينما يشاع بمحيط بلخادم أنه مدعوم من قبل الجنرال توفيق قائد المخابرات".
وانتقد عضو المكتب السياسي للحزب، سعيد بوحجة، المتصارعين على القيادة، وقال لـ "عربي21" الثلاثاء، إنه" من الضروري جمع الشمل ورص صفوف مناضليه". وقال أيضا: "مستقبل الحزب لا بد أن يرسم من أجل أن يحافظ على مكانته الريادية في الساحة الوطنية".