قالت صحيفة "
الغارديان" البريطانية إن مجموعة الأدلة التي هربت من سوريا، والتي تظهر "
القتل الممنهج" لـ11000 سجين في
السجون السورية قد لا تشكل إلا غيضا من فيض، بحسب مؤسسات إغاثية دولية.
وقد اشتكت لجنة الصليب الأحمر الدولية ومؤسسات تابعة للأمم المتحدة و"هيومان رايتس ووتش"، عدم تمكنهم من زيارة سجون سورية السيئة السمعة مثل سجن صدنايا في دمشق.
وقالت هذه المنظمات إن التقرير الذي صدر الاثنين عن ثلاثة محامين دوليين بارزين، والذي يقول إن 11000 ضحية على الأقل قُتلوا أثناء فترة الاعتقال، لا يمثل إلا منطقة واحدة من البلاد.
وقال أحد المسؤولين في منظمة دولية لم يرغب في ذكر اسمه: "كل ما أعرفه أنه وبعد سنوات من محاولة الوصول للسجون، هذا سيصدم العالم، وما رأيناه في التقرير يعكس بشكل عام ما جمعناه من معلومات خلال السنوات القليلة الماضية".
ويقول الناشطون السوريون إن نحو 50000 معتقل لا يعلم عنهم شيء، وإن عشرات الآلاف دخلوا سجون النظام السيئة السمعة، وأطلق سراحهم بعد سنوات من الحرمان والتعذيب.
واعتبر المحامون -وكلهم من ذوي الخبرة في محاكمة مجرمي الحرب- الأدلة الواردة في التقرير أدلة دامغة في أي محكمة. وقالت منظمة العفو الدولية "أمنستي إنترناشونال" إن على المعارضة استخدام الأدلة في أي محادثات، وجها لوجه مع مسؤولي النظام الذي افتتح الأربعاء في مونترو السويسرية.
وقال فيليب لوثر من أمنستي: "إذا تأكد التقرير؛ فإن هذه جرائم ضد الإنسانية ارتكبت على مدى واسع، وتدفع للسؤال مرة أخرى: لماذا فشل مجلس الأمن في تحويل هذه القضية للمدعي العام لدى محكمة الجنايات الدولية؟".
ورأى أن على مؤتمر
جنيف- 2 "أن يطالب بمعرفة مصير كل الأشخاص الذين تم اختفاؤهم قسرا، أو سجنهم سرا، أو اختطافهم بما في ذلك المدنيين والجنود والمقاتلين، والمشتبه بكونهم مخبرين".
والتقطت معظم الصور البالغ عددها 55000 صورة عن طريق موظف واحد، وهناك مصورون مرتبطون بوحدات الأمن في مناطق أخرى من البلاد، وغالبا ما يكون طلب منهم تقديم أدلة على الوفاة.
كما أن كل مدينة رئيسية في سوريا فيها سجون كبيرة، لا يستطيع الوصول إليها إلا المسؤولون الأمنيون والعسكريون الكبار، ومن المعروف أنها تحوي أعدادا كبيرة من السجناء.
وتحتوي سوريا على أكبر منظومة أمنية في الشرق الأوسط، حيث كان السوريون قبل الثورة يخشون سطوة أكثر من 15 مؤسسة أمنية تدعمها عيون أعضاء حزب البعث التي ترصد أي معارضة للرئيس بشار الأسد ومسؤوليه الكبار.
ومنذ بداية سلسلة المظاهرات ضد النظام في آذار/ مارس 2011 انشغلت أذرع الأمن المختلفة، وخاصة المخابرات العسكرية ومخابرات الطيران والمباحث السياسية، واعتقلت أعدادا كبيرة من المواطنين، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، بالإضافة إلى اعتقال الجهاديين الأجانب.
وقالت مؤسسات دولية في تركيا والأردن ولبنان إنها تلقت أعدادا هائلة من الشكاوى من عائلات سُجِن أبناؤها. وتقول هذه المؤسسات إن حجم الوحشية الحقيقي في السجون السورية قد يبقى مجهولا.
وعادة ما يتحدث المهاجرون السوريون عن أقارب مفقودين، وازدادت معاناتهم حيث لا سبيل لهم لمعرفة أخبار من تركوا وراءهم.
ويتحدث صبحي أحمد، وهو لاجئ من حلب يعيش الآن في بيروت، عن ابنه محمد علي فيقول: "جاؤوا لاعتقاله في حزيران/ يونيو، وكانوا من مخابرات سلاح الطيران، ولا نعرف أين هو الآن! لم نسمع كلمة واحدة. ذهبنا إلى السجن قبل أن نغادر سوريا وحاولنا الاتصال مرات عديدة، ولكن لا شيء".
أؤلئك الذين أطلق سراحهم من تلك السجون أخبروا "الغارديان" والمحققين الدوليين عن الاستخدام المفرط للقتل، وروتينية التعذيب. وفي عام 2012 أصدرت "أمنستي" تقريرا تحدثت فيه عن 31 أسلوبا من أساليب التعذيب المستخدمة بانتظام في معتقلات النظام.
وبحسب إحصائيات لمؤسسات إغاثية، فإن عدد المعتقلين قد يصل إلى أكثر من أربعة أضعاف الرقم المتعارف عليه.
وكان أكثر عمليات جمع المعلومات دقة للحصول على أرقام صحيحة، ذلك الجهد الذي كانت تقوم به الناشطة ومحامية حقوق الإنسان السورية رزان زيتونة التي عملت مع مركز "توثيق انتهاكات حقوق الإنسان"، ووثقت 47000 حالة اختفاء قبل أن تختفي هي في منطقة تحت سيطرة المعارضة، ويُظَنُّ أن أحد المجموعات الجهادية كانت وراء اختفائها.
وفي تحقيق لـ"الغارديان" العام الماضي، ظهرت أدلة على قتل معتقلين في قاعدتين للمخابرات غربي مدينة حلب، وكل الضحايا كانوا ممن انتقلوا من شرق حلب الواقع تحت سيطرة الثوار، وحكى عدد ممن أطلق سراحهم ما حصل معهم.
ويروي عبد الرزاق البالغ من العمر 19 عاما قصة اعتقاله فيقول: "كنت أعيش في منطقة البستان، وأعمل نجارا، فذهبت الى وسط البلد لأشتري ساندويشة فلافل، فأمسك بي جيش النظام، واتهمني بأني من الجيش الحر، وضربني لثمانية أيام ولياليها طالبا من الاعتراف. اعتقلت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر وبقيت في السجن نحو ثلاثة أشهر، وقبل أن أغادر السجن أخذوا 30 شخصا من الزنازين الانفرادية وأعدموهم".
ويقول عبد الرزاق إن مكان احتجازه كان قريبا من الزنازين الانفرادية ومكان
الإعدام: "كانوا يقيدونهم ويغطون اعينهم، ثم يعذبونهم حتى الموت، يصبون الحامض على اجسادهم. كانت الروائح قوية، وبعدها نسمع صوت إطلاق النار. في اليوم التالي وضعوني وعدد من السجناء أمام رجال يحملون البنادق، ولكنهم لم يطلقوا النار، وأطلقوا سراحي في وقت لاحق من ذلك اليوم".