في دراسة مطولة لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية تحت عنوان "صعود
القاعدة في العراق والتهديد الذي يمثله
المالكي"
قال الباحث الإستراتيجي المعروف أنتوني
كوردسمان إن صعود الدولة الإسلامية في العراق وسورية هو عرَض للتهديد الذي يمثله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على مستقبل العراق والمنطقة بشكل عام. وقدم أدلة تثبت خطورة المالكي وما فعله من ممارسات أدت إلى صعود القاعدة وتدمير النظام السياسي في العراق.
جاء ذلك في دراسة مطولة نشرها مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية تحت عنوان "صعود القاعدة في العراق والتهديد الذي يمثله رئيس الوزراء المالكي".
عنفية القاعدة
وأكد كوردسمان في بداية دراسته على الطبيعة العنيفة للقاعدة، والخطر الذي تمثله أينما حلت وارتحلت. وقال إنها "لا تمثل تهديدا فيما يتعلق بالإرهاب العابر للحدود في الولايات المتحدة وأوروبا وحسب، بل تمثل كذلك خطرا مباشرا وأكبر على الناس الذين يعيشون في كل منطقة تعمل منها".
وأضاف أن "القاعدة وبشكل متساوق اضطهادية مرعبة، عنيفة ودائما قاتلة تحاول فرض سيطرتها السياسية ومطالبها من أجل تطبيق شكل من التصرفات الإجتماعية التي تعكس ملمحا بريريا سيئا، ولا تقدم شيئا فيما يتعلق بالقيم الإسلامية الحقيقية".
فالقاعدة، حسب كوردسمان، "مثلها مثل بقية الحركات السلفية الجديدة "نيوسلفي" لا تقدم حلا سياسيا أو اقتصاديا، ولا تقدم حلولا عملية كي تكون قادرة على العمل والتنافس في الإقتصاد العالمي، وهي أيضا عاجزة عن تقديم تعليم أو تفاعل اجتماعي ذي معنى، وتعتمد في تمويل نفسها وبشكل كبير على الإبتزاز بطريقة تفضي إلى شلّ الإقتصاد المحلي القائم. وأكثر من هذا فالقاعدة لا تتسامح مع التنافس حتى لو كان مع تنظيمات إسلامية. وفي سورية قامت باختراع حربها الأهلية مع بقية الحركات الإسلامية المتشددة، وهي حرب تخسرها لصالح جماعات سنيّة مسلحة".
ويعقب على ذلك بالقول: "وبالتأكيد فتصرف كهذا يتطلب من المسؤولين الأمريكيين والمحللين ورجال الإعلام تقديم حقيقة ما حدث فعلا في الأنبار وفي مدن مثل الرمادي والفلوجة".
نوري المالكي
هذا عن القاعدة في العراق وهي سيئة، لكن كوردسمان يرى أن هناك أدلة أسوأ تشير لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي يمثل خطرا بنفس القدر على العراق والمصالح الأمريكية.
ويوشح كوردسمان ذلك بالقول، لقد أصبح المالكي "منذ انتخابات عام 2010 وبشكل مستمر أكثر قمعا، وقام بالتلاعب بالقوى الأمنية حتى تخدم مصالحه، مما أدى إلى خلق مقاومة سنيّة لممارساته التي تقوم على استخدام الدعم الشيعي السياسي له لأجل تحقيق منافع (..) ورفض الوفاء باتفاقية أربيل التي تقضي بالتشارك في السلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية توثق التعاون بين العرب السنّة والشيعة، وزاد من حدة التوتر مع أكراد العراق.
وكما تظهر تقارير وزارة الخارجية بوضوح عن وضع حقوق الإنسان في العراق، وأمنستي إنترناشونال وبعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في العراق، فإن بحث المالكي عن السلطة أدى وبشكل متواصل إلى عزل وتهميش السنّة، وأدى إلى محاكم صورية وأحكام بالإعدام على واحد من قيادات السنّة السياسيين؛ نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الذي يعيش اليوم لاجئا في تركيا منذ أن أدانته محكمة عراقية وحكمت عليه بالإعدام غيابيا. وعمل المالكي على تغيير عمليات الترفيع في أجهزة الأمن العراقية بشكل جعلها أداة شخصية بيد رئيس الوزراء يمكنه استخدامها ضد السنّة".
هنا يستنتج كورسدمان بأنه "لا القاعدة في العراق، ولا تجسدها الأخير في الدولة الإسلامية في العراق، أو الدولة الإسلامية في العراق والشام (
داعش) ولدت من جديد كحركات معارضة مثل تلك التي واجهتها الولايات المتحدة في الفترة ما بين 2005- 2008. ورغم محاولات حكومة المالكي وسم أي معارضة سنيّة بالإرهاب، فإنها في الحقيقة تقوم بزيادة المعارضة التي ولدت بشكل رئيسي من الإحتجاجات السياسية السلمية المشروعة ضد محاولات المالكي تطهير العراق من قادة السنّة المنتخبين، ومحاولاته الدائمة استبعاد السنّة من الحكومة بمن فيهم أبناء الصحوات في مناطق مثل الأنبار.
بل صعدت القاعدة لأن المالكي استخدم قوات الأمن العراقية ضد قطاع من سكان البلاد تحت مسمى محاربة الإرهاب والتطرف، وصعدت القاعدة بسبب الفشل في استخدام الثروة النفطية بطريقة فاعلة ومنصفة، مما أدى إلى اقتصاد جعل "سي آي إيه" تصنف العراق بأنه الدولة رقم 140 من ناحية دخل الفرد القومي. كما أن المعارضة للمالكي نشأت بسبب الفساد الذي وصل حدا متطرفا جعل من منظمة الشفافية العالمية تصنف العراق في كانون الأول/ديسمبر 2013 بالدولة رقم سبعة بين الدول الأكثر فسادا في العالم، بعد كل من ليبيا والصومال والسودان وجنوب السودان وأفغانستان وكوريا الشمالية التي جاءت في مرتبة أعلى من ناحية الفساد".
والنتيجة، بحسب كوردسمان هي أن "أي تحليل أو تقرير يركز فقط على القاعدة وانتهاكاتها الحقيقية ليس مهما، لأنه يشجع نزعة شيطنة الإرهاب بدون التصدي لحقيقة أن نجاح الأرهاب لا يتحقق إلا عندما تتخلى الحكومة عن أبنائها، تماما عندما لا تنجح إستراتيجية حقيقية لمكافحة الإرهاب تتعامل فقط مع الجانب العسكري. فلا يمكن لإستراتيجية مكافحة الإرهاب النجاح إن لم تترافق مع جهود للتصدي والبحث في قدرات القيادة السياسية للبلد وطبيعة الحكم ومطالب السكان المشروعة".
ومن هنا فأي فشل في تحليل أفعال المالكي منذ انتخابات عام 2010 ينسى: (تجاهله لاتفاق إربيل، وتلاعبه بنظام المحاكم من أجل عقد محاكم عدة وإصدار أحكام بالإعدام ضد المعارضين السياسيين بمن فيهم نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، استخدامه التعيينات المؤقتة كي يسيطر على المواقع الرئيسية المهمة في قوى الأمن، ومحاولاته لرشوة القادة السياسين السنّة العرب بمناصب وزارية لدعمه، وقمعه المتزايد للمعارضة الشعبية السنيّة له)، "يظل تحليلا غير نزيه، كسول ونفاية فكرية".
ويضيف "لقد كان المالكي هو من أحيا القاعدة في العراق وسمح للجماعات المتطرفة بموطيء قدم بين المهمشين والمحرومين السنّة. وتوج تصديه القمعي المتواصل لمعسكرات الإعتصام والمعارضة السنيّة في الأنبار عام 2013 بمحاولات لتفكيكها بالقوة المفرطة. وعندما أدت عملياته لاحتجاجات واسعة بين القبائل قام بسحب قواته من المدن الرئيسية، وحاول الإعتماد على قوات الأمن التي ينظر إليها باعتبارها فاسدة وأداة بيد النظام. وعندها استفاد مقاتلو القاعدة من الفراغ في السلطة، وفعلوا هذا في وقت كانوا يواجهون ما تحوّل لمعارضة عسكرية كبيرة من مقاتلين إسلاميين في سورية.
ومنذ ذلك الوقت هدد المالكي قادة العشائر وأهل الفلوجة والرمادي بإرسال الجيش للتعامل مع القاعدة بطريقة تؤدي إلى سقوط وقتل أعداد كبيرة من المدنيين وتدمير ممتلكاتهم. وعلى خلاف التقارير الصحافية عن الوضع، أيقن المالكي أن سيطرة القاعدة في العراق (داعش) هامشية، وستواجه مقاومة محتملة من قادة العشائر. ولكن المواجهة كانت محدودة نظرا للغضب على المالكي وممارساته. مرة أخرى تعيد القاعدة تكرار أخطاءها وتجاوزتها التي ارتكبتها في الماضي والتي أدت إلى هزيمتها الأخيرة في سورية".
وعليه، يضيف كوردسمان "فالتغطية الصحافية المناسبة والتحليل يجب أن يركز على تقييم مناسب لهذه الحقائق ومقارنتها بأفعال حكومة المالكي من جهة، وبأفعال القاعدة وموقف الغالبية العظمى من السنّة من جهة أخرى، والذين لديهم أسبابهم الحقيقية للحنق على الطرفين (..) وهذا يعني الدفع باتجاه إصلاح القيادة العراقية والحكومة لهزيمة القاعدة بدون أن يؤدي هذا إلى غضب سنّي عارم، أو المصادقة على عمليات القمع الحكومي أو بذر بذور النزاع الأهلي.
كما يقتضي التقرير والتحليل المناسب للسياسة الخارجية الأمريكية الأخذ بعين الاعتبار المعضلة التي تواجهها إدارة أوباما والكونغرس، فلا توجد أمامهم خيارات جيدة، لأن المالكي يسيطر على قوات الأمن، وتسيطر حكومته على كل المال وعوائد النفط، وتستطيع التلاعب بالمحاكم والبرلمان وتستطيع اللعب على ورقة إيران حال مارست الولايات المتحدة ضغوطا على المالكي، وتحديدا لو انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية المالكي وأفعاله بشكل علني".
وتضيف الدراسة إنه "حتى نكون منصفين، فقد فعلت الولايات المتحدة على المستوى الرسمي أكثر مما اقترحه الإعلام والمحللون. فالمسؤولون البارزون مثل وزير الخارجية جون كيري وأنتوني بلينكين شددوا في تصريحاتهم العلنية على حاجة المالكي للقيام بإصلاحات جذرية ضمن ما تقتضيه الواقعية السياسية.
كما اشترط النواب البارزون وضع حدود للدعم الأمريكي للعراق ودعوا لتغيير في سلوك حكومة المالكي، وعندما زار مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدني، بريت ماكغيرك العراق في الأسبوع الماضي قابل مسؤولين حكوميين ومحليين يمثلون أطراف الطيف السياسي لمناقشة الوضع الأمني في غرب العراق". وبحسب صادر عن السفارة الأمريكية في بغداد، فقد أكد مساعد الوزير في تلك اللقاءات "على الإلتزام الأمريكي المتواصل تجاه حكومة العراق وشعب العراق، في محاولتهم لعزل وهزيمة الدولة الإسلامية في العراق والشام. ولاحظ توجها مشجعا لدى القادة المحليين في الرمادي الذين عملوا مع القبائل، والذين زودتهم بغداد بالمصادر، وكانوا قادرين على إخراج داعش إلى أطراف المدينة. ولاحظ أيضا الخطط لفصل داعش عن الجماعات المسلحة في مدينة الفلوجة باستخدام نفس الإستراتيجية ولكن مع الأخذ في الاعتبار طبيعة الظروف الخاصة هناك.
وأكد أن الولايات المتحدة ستقدم الدعم الضروري والمساعدة المناسبة لحكومة العراق ضمن "إستراتيجية اتفاق الإطار للتأكد من نجاح هذه الجهود (..) وبالإضافة لهذا فقد أكد ماكغيرك لهؤلاء القادة أن الاستقرار طويل المدى يقتضي الدمج بين المعايير الأمنية والسياسية وضمانات من حكومة العراق تقوم من خلالها بالإعتراف بشجاعة ووطنية من يتصدى ويقاتل داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة، ووعد بدمجه لاحقا في البنية الأمنية للدولة. وشدد لكل الأحزاب السياسية على أهمية تبني المبادرات السياسية والاستجابة للمظالم المشروعة لكل المجتمع العراقي في إطار الدستور العراقي".
وعليه، يوضح كوردسمان، فإنه يجب أن يكون الإعلام والمحللون واقعيين وموضوعيين عندما يقومون بتقييم حقيقة ما يمكن أن تفعله إدارة أوباما والكونغرس. "فإرسال قوات أمريكية يعني وقوف الولايات المتحدة مع طرف في الصراع مما يهدد باندلاع نزاع سنّي- شيعي. كما أن تقديم الدعم في مجال مكافحة الإرهاب بدون قيود مشددة على كيفية استخدامها قد يساعد المالكي على استخدامها ضد شعبه".
ويضيف "يبدو أن الادارة كانت واعية لهذا عندما ردت على الأزمة التي بدأت في كانون الاول/ديسمبر 2013، وأرسلت مجموعة من صواريخ (هيلفاير) ذات القدرة الفتاكة المحدودة التي يمكن استخدامها ضد أهداف معينة، بالإضافة لدعم محدود من طائرات استطلاع بدون طيار، والتي جعلت حكومة المالكي تعتمد على الدعم الإستخباراتي السري والواسع".
وأضاف أن فريق الإستشارة الأمريكي حاول "البحث عن طرق يمكن أن تدار من خلالها عملية نقل أنظمة مثل إي أتش– 64 التي ستسلم، ويتم استخدامها بعد أشهر من وصولها".
وفي النهاية "لا يمكن للحكومة الأمريكية الوقوف جانبا والسماح للقاعدة في العراق وداعش بتحقيق إنجازات، ولهذا قدمت بعض الدعم في مجال مكافحة الإرهاب. وفي الوقت نفسه تحتاج لاستخدام كل ما تملكه من نفوذ يمكنها من دفع المالكي وحكومته إلى إجراء إصلاحات وإثبات معاملة منصفة للأكراد والسنّة، بشكل يعبد الطريق أمام نتيجة نزيهة للإنتخابات القادمة، نتيجة قد تؤدي إلى وحدة وطنية وهو ما دعا إليه اتفاق أربيل".
هذه التحركات كانت تتطلب تغطية جيدة من الإعلام وتحليل جيد من المحللين والمنظمات غير الحكومية، وحتى هذا الوقت كان ما قدمه الجميع ضيق النظرة، وعادة ما يتحزب لهذا الطرف أو ذاك، ويركز على مكافحة الإرهاب وخطر القاعدة في العراق. رغم أن خطر المالكي أكبر.