اشتد الجدال بالمغرب مؤخراً حول مقترح قانون يجرم
التطبيع مع "إسرائيل" تقدم به المرصد
المغربي لمناهضة التطبيع في شهر ايار/ مايو الماضي وتبنته أربعة أحزاب مختلفة التوجهات.
وفي الوقت الذي حظي فيه المقترح بدعم كبير ونقاش واسع باتجاه اعتماده تماشيا مع موقف الشعب المغربي المناهض للتطبيع مع "إسرائيل" والداعم للقضية الفلسطينية ككل، طفت إلى السطح بعض المكونات الحزبية والمدنية واليهودية التي ترى المقترح غير عقلاني وأنه سيمس بمصالح استراتيجية للوطن.
المقترح الذي يحظى بدعم واسع تبناه كل من أحزاب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية وهما ضمن الأغلبية الحكومية، وحزب الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال من المعارضة، حيث قامت هذه الأحزاب بشكل مشترك شهر آب/ أغسطس 2013 بوضع مقترح القانون وتسجيله لدى مكتب مجلس النواب في انتظار برمجته وعرضه للمناقشة والتصويت، وذلك قبل أن يلتحق بهم حزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه صديق ومستشار الملك، فؤاد علي الهمة، الذي تراجع عن تبنيه للمقترح بداية هذا الأسبوع بدعوى عدم دراسته بالشكل الكافي وقت إعلان دعمه.
المقترح الذي اطلع عليه موقع "عربي21" تنص إحدى أبرز مواده، وهي الثالثة والمتعلقة بالعقوبات الأصلية، على "معاقبة كل من يشارك أو يحاول أويساهم في التطبيع مع الكيان الصهيوني بعقوبة حبسية تتراواح ما بين سنة وخمس سنوات وبغرامة مالية تتراوح بين 100 ألف ومليون درهم"، وأنه يجوز للمحكمة أن تحكم على المدانين بعقوبات إضافية كما تحددها المادة 36 من القانون الجنائي. وتشمل العقوبات مختلف أنواع التطبيع، فردية أم جماعية، رسمية أو مدنية، فنية كانت أو رياضية أو اقتصادية أو سياسية.
ومع وضع المقترح في طريقه نحو التشريع، انطلقت ردود الفعل للعديد من المؤيدين للتطبيع واليهود وبعض النشطاء السياسيين. وفي هذا الصدد، صرح "جاكي كوديش" رئيس مجلس الطوائف اليهودية في مدينتي مراكش والصويرة لجريدة "هآرتس" الإسرائيلية بأن "هذا القانون ليس أمامه أي حظ حتى يمر في
البرلمان، كما أن الملك لن يسمح بذلك". ووصف كوديش بنود مشروع القانون بأنها "غير عقلانية وغير منطقية، ولا يمكن أن تمر في بلد منفتح كالمغرب".
وعلق أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، بالقول "إن المقترح يحظى بأغلبية مريحة في البرلمان، فضلا على أن القوى السياسية خارج البرلمان تدعمه. لذلك سنرى ما إذا كان هذا الرجل هو من يتحكم في القوانين أو أن للمغرب سيادته ومؤسساته".
وعن خطوة ما يعرف في المغرب بحزب الدولة (الأصالة والمعاصرة) والمتمثلة في تراجعه عن تبني مقترح تجريم التطبيع، قال ويحمان في حديث لـ"عربي21" إن هذا التراجع ليس حدثا ولن يؤثر في القانون الذي يحظى بدعم كامل من الشعب المغربي وقواه الحية، من إسلاميين ويساريين ومركزيات نقابية وحكومة، ومختلف المغاربة الذين يعتبرون القضية الفلسطينية قضية وطنية منذ بدايتها، حسب تقديره.
وأضاف الناشط الحقوقي والمدني أن هذا الحزب معروف التوجهات، وأنه بانسحابه أساء لنفسه وأكد أنه حزب يسير بالتحكم عن بعد. وأضاف أن "المغاربة يعتبرون التطبيع مع الصهاينة خيانة لدماء الشهداء وللمقاومة الوطنية".
أما الدعوات الأخرى المتصدية للمقترح والتي منها أصوات أمازيغية معزولة، فقال عنها ويحمان "إن تلك التشويشات والنفخ في أتباع الموساد لن تنال من المقترح، وإن تلك الحملات يائسة لأن مناهضة التطبيع قضية شعب وما يقام به حركات بهلوانية". وذكر أن أخطار الصهاينة أصبحت تتجاوز استهداف الفلسطينيين إلى استهداف استقرار المغرب وتماسكه الاجتماعي عبر السعي لتفجير تناقضاته.
المتحدث أكد أن التطبيع تزكية "لمجازر الصهاينة ولتاريخ من الدماء وللبقاع المحتلة بفلسطين وبالحدود السورية وغيرهما، كما أن التطبيع تزكية لتشريد ملايين الفلسطينين وللعنصرية الصهيونية" حسب تعبيره.
وبالعودة لنص المقترح فقد ركزت فصول المادة الأولى عن تحديد الأنشطة التطبيعية ومختلف المعاملات التي يمكن أن تأخذ هذه الصبغة، من بينها أن جميع أنواع الأنشطة التي تقام في أراضي الـ48، ويحضر فيها أو يشارك فيها أشخاص معنويون أو ذاتيون يقيمون في المغرب، وسواء كانت تلك الأنشطة ذات طبيعة اقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو فنية أو رياضية أو غير ذلك من الأنشطة، وسواء كانت منظمة من طرف جهات رسمية أو غير رسمية.
كما ضمّنت المادة الأولى ضمن الأعمال التطبيعية إنجاز أي عملية من العمليات التجارية المنصوص عليها بالمدونة المغربية للتجارة مع "اسرائيل"، سواء قام بها شخص ذاتي أو معنوي داخل المغرب أو خارجه، وسواء تمت العملية بصفة عارضة أو متكررة، وسواء كانت بشكل مباشرة أو بواسطة.
المقترح اعتبر كذلك أن كل الأنشطة المقامة في المغرب والتي يساهم فيها أو يحضروها أشخاص مقيمون في أراضي الـ48 أو يحملون الجنسية الإسرائيلية؛ تعد أعمالا تطبيعية يعاقب عليها القانون، إلى جانب أي عملية مالية مع "إسرائيل" بما في ذلك العمليات البنكية أو التأمينية، وكل خدمة من الخدمات المهنية أو الحرفية تتم بمقابل أو دون مقابل (مجانية)، وجميع أنواع التعاون الدائم أو العرضي، وفي مختلف المجالات.
يذكر أن المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أسس مطلع سنة 2013، ويضم في عضويته مختلف الاتجاهات السياسية المغربية، بإسلامييها ويسارييها وأمازيغييها. كما أن إعداد مقترح مناهضة التطبيع سبقه عقد العديد من اللقاءات التشاورية والنقاشية حول مفهوم التطبيع، وكذا عدد من الندوات الصحفية لرصد وكشف مختلف الخطوات التطبيعية. ويحظى المقترح بدعم حقوقي ومدني واسع.