سياسة عربية

هل قرر السيسي طرد الفلاحين من أراضي الأوقاف‎ ‎بعد رفع أجرتها لأرقام "فلكية"؟

قيمة مجمل الأوقاف في مصر تبلغ مليارات الجنيهات- عربي21
أثارت قرارات هيئة الأوقاف المصرية برفع القيمة الإيجارية للأراضي الزراعية، والمباني ‏السكنية، والتجارية، التابعة لها صدمة لمئات الآلاف من المزارعين الفقراء الذين يغلب ‏على أكثرهم ملكيات أقل من الفدان، وللأهالي الذين بنوا مساكنهم ويقيمون متاجرهم ‏ومشروعاتهم الصغيرة على أراضي الوقف.‏

وأصدرت وزارة الأوقاف بيانا الخميس، أكدت فيه أن لجنة من خبراء الزراعة بالهيئة، ‏كشفت عن عوار كبير ببعض العلاقات التعاقدية والقيم الإيجارية؛ بما أفضى إلى ‏إهدار مال الوقف، فلزم التدخل لإعادة التوازن الشرعي القانوني المطلوب، مؤكدة أن ‏عمل اللجنة ترتب عليه اتخاذ قرارات تصحيحية، وأن القيم الإيجارية الصادرة مبنية ‏على زيارات ومعاينات مستفيضة من لجنة مركزية وإقليمية بالهيئة.‏


والوقف الخيري، والأهلي، نظام يقوم على تجميد الأصل (كالأرض والعقار) ويُخصص ‏ريعه لغرض خيري واجتماعي محدد، واستُخدم في العصرين المملوكي والعثماني، ‏لتشييد المدن والمساجد والمدارس والمستشفيات، وبعد تموز/ يوليو 1952، تم إلغاء ‏الوقف الأهلي، وضم جميع الأصول لإدارة الدولة عبر "هيئة الأوقاف"، أحد أضخم ‏الأذرع الاقتصادية في مصر.‏

ارتفاع تاريخي وصدمة كبيرة

‏واشتكى أهالي قرى وعزب وكفور مصرية كاملة، من قرار أبلغه لهم موظفو إدارات ‏الأوقاف يقول برفع الهيئة للقيمة الإيجارية للأراضي، التي بحوزتهم وحوزة أسرهم منذ ‏عقود، والتابعة للأوقاف؛ 3 أضعاف مرة واحدة من نحو 15 ألف جنيه إلى 45 ألفا، ‏دفعة واحدة. ‏

كما رفعت الأوقاف القيمة الإيجارية لأراضي البساتين لأكثر من ذلك بكثير، وذلك إلى ‏جانب رفع قيم إيجارات المنازل السكنية التي بناها الأهالي طيلة السنوات والعقود ‏الماضية عن الرقم السابق، في قيم مختلفة من منطقة إلى أخرى ومن وقف إلى آخر.‏

وبينما يتراوح إيجار الفدان العادي غير المملوك للأوقاف بين 15 و17 ألف جنيه، ‏تتخوف مئات الأسر المقيمة على أراضي الأوقاف منذ عشرات السنين، والتي تقوم ‏بزراعة منطقة وقف "فايقة عزت"، بمحافظة الشرقية، أن" تكون تلك القرارات التي ‏تعجزهم عن دفع تلك القيم الإيجارية بداية لخطة طردهم من أراضيهم ومنازلهم".‏

قرار طرد واستبدال للعقود
وقال المهندس "سيد. ف"، أعتقد أنها "فرصة للدولة لطرد الأهالي من أراضي الوقف"، ‏مؤكدا لـ"عربي21"، أنه "لا يستطيع أحد من الفلاحين دفع هذه القيم"، متسائلا: "ما هي ‏الزراعة التي تجلب محصولا يباع بهذا المبلغ بعد حساب تكلفة الحرث والحبوب ‏والسماد والري بمياه جوفية لعدم وصول مياه الترع لأغلب الأراضي بالصيف".‏

ويوضح أن "سعر إيجار أراضي الأوقاف شهد خلال عهد السيسي، طفرة أسعار ‏تاريخية، ومنذ العام 2012، كانت قيمة الإيجار نحو 600 جنيه للفدان، ثم زادت ‏دفعة واحدة في 2014 للضعف مسجلة 1200 جنيه في حوض فايقة عزت، ثم توالت ‏الزيادات إلى 4 آلاف جنيه وحتى وصلت العام الماضي نحو 14 ألف جنيه، لترفعها ‏الأوقاف مجددا إلى نحو 40 ألفا، فهذا يعني أنه قرار طرد لاستبدال الأهالي بغيرهم ‏بعقود جديدة بقيم إيجارية جديدة".‏

ويلفت إلى أن "الأوقاف تقوم بتلك اللعبة منذ سنوات، حيث أنه حال وفاة المستفيد أو ‏المؤجر لأراضيها، توقف التعاقد وتقوم بعمل عقد جديد للورثة بقيمة جديدة أعلى ‏بكثير".‏

نعمل بلا أجر
الحاج "حمدي. ر"، يقول لـ"عربي21": "أزرع قطعتين من أراضي الأوقاف بمساحة 12 ‏و13 قيراطا، (فدان إيجاري)، أدفع بعد موسم القمح 7 آلاف جنيه إيجارا عن النصف ‏الأول من العام و7 أخرى بعد موسم الأرز، وفي النهاية أعمل أنا وأبنائي وزوجتي بلا أجر ‏طوال العام".‏

ويضيف: "كنا نعطي التجار المحصول ونحصل منه على التقاوي والأسمدة ولكن هذا ‏العام رفض التجار شراء محصول الأرز لأن مخازنهم مملوءة به، وطالبونا بدفع ثمن ‏تقاوي القمح، التي لا نملك مالا لشرائها"، متسائلا: "فكيف لنا أن ندفع قيمة إيجارية 3 ‏أضعاف؟، وهل الحكومة سترفع سعر المحاصيل؟"، مؤكدا أنها "فقط سترفع الإيجار ‏وثمن البذور والسماد والجاز"، مشيرا إلى أن "صفيحة الجاز أصبح ثمنها 400 جنيه لا ‏تكفي ريتين للأرض الزراعية".‏

أحد مسؤولي وزارة الأوقاف "ع. أ"، تحدث إلى "عربي21"، عن الأزمة، كاشفا عن تغيير ‏جذري في سياسة وتوجهات هيئة الأوقاف وتوجيهات الوزارة بهذا الشأن، قائلا: "التعامل ‏منذ سنوات مع مشروعات وأراضي واستثمارات وأملاك الأوقاف يقوم على الاستثمار ‏وتحقيق أكبر فائدة من الوقف، وكل مدير وإدارة ومديرية مطالبون بكشف حساب ‏أرباح أكثر بكثير من عام لآخر، مع وجود الحوافز للموظفين".‏

ويبين أن "الجديد في الأمر، أنه مال وقف بالفعل ولكنه للاستثمار وليس لله كما كان ‏الاعتقاد والسياسات القديمة"، موضحا أن "هناك مصروفات كبيرة على الأوقاف منها ‏الصرف على المساجد (بناء وإصلاح وفرش وفواتير خدمات كهرباء ومياه ورواتب)، ‏ورواتب الموظفين بالوزارة والهيئة، إلى جانب خطة الاستثمار التي تحتاج أموالا ضخمة، ‏وبينها مشروعات سكنية وزراعية واستصلاح أراض وتشجير أراضي صحراوية، ‏وغيرها".‏

ويؤكد أن "من يحدد قيمة الإيجار هي لجان فنية تابعة للهيئة والأساس لديها هو ‏التسعير وفقا للقيم الإيجارية السائدة في ذات منطقة الوقف"، مشيرا إلى أن "الفدان ‏المقترح رفع إيجاره إلى 40 و45 ألف جنيه هذه هي قيمته الإيجارية في ذات المنطقة، ما ‏ينطبق على قيمة إيجار المحلات والورش والمصانع الصغيرة وحتى البيوت السكنية التي ‏يبنيها الأهالي"، مؤكدا على صحة معلومة "تنازل الأهالي عن بيوتهم التي بنوها حديثا ‏للهيئة ودفع قيم إيجارية تزيد سنويا وفقا للمنطقة".‏

الوقف من منظور السيسي
ومنذ وصول رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، للحكم عام 2014، أصدر توجيهات ‏واتخذ قرارات وغير قوانين الوقف، بما يخدم رؤيته لتحويل الوقف إلى مشروعات ‏استثمارية تخدم الدولة المصرية أولا، وتساهم في خفض عجز الموازنة، وفق تصريح ‏لرئيس الوزراء الأسبق شريف إسماعيل، ما تسبب في تفريغ مفهوم الوقف الأصلي، ‏بكونه عملا خيريا.‏

وقبل استيلاء السيسي، على الحكم في مصر منتصف 2013، كانت غالبية الأراضي ‏والمباني المؤجرة بنظام الإيجار القديم تخضع لقيم إيجارية رمزية، ففي العام 2012 وما ‏سبقه، كان الإيجار السنوي للفدان الزراعي يتراوح بين 500 إلى 1500 جنيه، فيما ‏كانت إيجارات المحلات والمساكن تُقدر بعشرات أو بضع مئات من الجنيهات شهريا.‏

لكن شهدت الفترة ما بعد عام 2014 صدور قرارات المراجعة المستمرة للقيمة ‏الإيجارية، حيث طبقت الهيئة زيادات وصلت في بعض الحالات إلى 500 بالمئة وحتى ‏‏2000 بالمئة على القيمة الإيجارية القديمة.‏

وعلى سبيل المثال، ارتفعت قيمة إيجار الفدان الواحد في مناطق الدلتا أو الصعيد ‏لتصل إلى ما يراوح بين 6000 إلى 15000 جنيه سنويا أو ما يعادل القيمة السوقية لمثل ‏تلك الأراضي.‏

ويوضح عبدالعال، أن "القيمة الإيجارية تختلف حسب الموقع (أراضي زراعية، مباني ‏سكنية، مبان تجارية) وطبيعة العلاقة التعاقدية بين إيجار قديم وعقد جديد"، ويلفت ‏إلى أن "الزيادة التي طبقتها الأوقاف بالسنوات الأخيرة تكشف عن تحول سياسة الهيئة ‏المالية بتجاوز مرحلة القيمة الإيجارية الرمزية إلى تطبيق القيمة السوقية، ما أحدث ‏زيادة كبيرة بإيرادات الهيئة".‏

ويؤكد مراقبون أن ما تحققه الأوقاف من إيرادات يأتي لتوجيهات السيسي، برفع القيم ‏الإيجارية، مشيرين إلى أنه وجه في 23 آب/ أغسطس 2020، بـ"عدم إبرام وتجديد ‏عقود هيئة ووزارة الأوقاف إلا بالقيمة التجارية الفعلية الحالية العادلة (السوقية) ‏سواء كان العقد بيعا أو تأجيرا أو حق انتفاع".‏

تضاعف الإيرادات
ونتيجة لذلك قفزت إيرادات هيئة الأوقاف مسجلة نحو 3 مليارات جنيه في 2024، ‏وبالنصف الأخير من العام الماضي وحده سجلت إجمالي متحصلات إيرادات الهيئة ‏‏1.566 مليار جنيه، بزيادة 27 بالمئة عن المستهدف، وبزيادة 30.54 بالمئة مقارنة بالفترة ‏نفسها من العام الماضي.‏

وهي الأرقام التي تشير لزيادة كبيرة بإيرادات الهيئة التي بلغت على سبيل المثال  2.035 ‏مليار جنيه بالعام المالي 2021/ 2022، بزيادة قدرها 216 مليون جنيه عن العام المالي ‏‏2020/ 2021.‏

وتشير أرقام أعلنها مسؤولو الأوقاف عامي 2023 و 2024، إلى أن القيمة السوقية ‏لأصول الأوقاف المصرية تتعدى 3 تريليونات جنيه، بينما أعلن السيسي، بالعام 2018، ‏عن وجود 114 ألف قطعة وقف بأصول تقدر بـ180 مليار جنيه، إلى جانب حوالي ‏نصف مليون فدان زراعي وبساتين.‏

حصر الممتلكات ومخاوف البيع
ويأتي توجه هيئة الأوقاف برفع القيم الإيجارية بهذا القدر في الوقت الذي يتخوف فيه ‏مراقبون من أن تكون أراضي الأوقاف ضمن خطة حكومية لبيعها أو طرحها على ‏مستثمرين في ظل توجه حكومي لبيع الأصول العامة والشركات الحكومية وطرح أراضي ‏طرح نهر النيل بالقاهرة والمحافظات.‏

في تموز/ يوليو 2016، قرر السيسي، تشكيل لجنة لحصر أموال هيئة الأوقاف برئاسة ‏رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب، من أراض، ومبان، ومشروعات، ومساهمات ‏بشركات.‏

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، أصدر الوزير السابق مختار جمعة القرار (رقم 274) ‏بما يسمح لهيئة الأوقاف التصرف ببعض الأصول بالبيع عبر المزاد العلني أو استبدالها ‏بأراضي أخرى لبناء مشروعات تحتاج إليها الحكومة.‏


وفي كانون الأول/ ديسمبر 2017، وجّه السيسي، بضرورة تحقيق الاستفادة المثلى من ‏أصول وممتلكات الأوقاف، مع حصر وتقييم تلك الممتلكات بشكل شامل، وتبني هيئة ‏الأوقاف فكرا استثماريا متطورا.‏

في العام 2022، أقر البرلمان مشروع قانون الوقف الخيري، "صندوق الاستثمار الخيري ‏بوزارة الأوقاف"، برئاسة رئيس الوزراء، وبهدف دعم أجهزة الدولة في إقامة وتطوير ‏المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية، بحسب مادتيه الأولى والثانية.‏

وفي أيار/ مايو الماضي، وجه رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، بحصر أراضي وممتلكات ‏هيئة الأوقاف للدخول في شراكات مع القطاع الخاص لـ"تعظيم الاستفادة منها"، مؤكدا ‏أنها تخضع لقانون خاص ولا يمكن بيعها.‏