ملفات وتقارير

لماذا يصمت السيسي عن تدخل الإمارات وحفتر في السودان وتهديد أمن مصر القومي

موقع "ميدل إيست آي" يقول إن مصر وتركيا عززتا دعمهما للجيش السوداني بعد سقوط الفاشر - الرئاسة المصرية
مع تتابع تقارير صحفية أجنبية وتوالي اتهامات منظمات حقوقية غربية، للإمارات ومعها اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، بدعم مليشيات "الدعم السريع" التي ترتكب مجازر دموية بالسودان، انتقد مراقبون صمت رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، على جرائم حليفيه الإماراتي والليبي وتهديد أمن مصر الجنوبي.

الإمارات، الحليف الأهم في إقليم الشرق الأوسط، لرئيس النظام المصري، تواجه اتهامات متزايدة من الجيش السوداني، بتزويد "الدعم السريع"، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالمقاتلين من المرتزقة من كولومبيا، والأسلحة والطائرات المُسيّرة، عبر دول مجاورة، منذ اندلاع الحرب في نيسان/ أبريل 2023.

والجمعة الماضية، أقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إجراء تحقيق بعمليات قتل جماعي ارتكبتها قوات الدعم السريع بمدينة الفاشر السودانية، فيما أعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك، عن خيبة أمله لأن "القرار لم يذكر أي دول ترعى الصراع"، في إشارة إلى الإمارات.

وبحسب تقرير مسرب أعده خبراء الأمم المتحدة، فإن طريق تهريب الأسلحة لقوات الدعم السريع يتم في أغلب الأحيان عبر الإمارات، ثم إلى تشاد، ثم إلى دارفور، وسط مخاوف من تقسيم جديد للسودان التي انقسمت إلى دولتين في تموز/ يوليو 2011، بعد أن كانت الدولة العربية الأفريقية الأكبر مساحة بنحو 2.56 مليون كيلو متر مربع، لتتقلص إلى 1.886 مليون كيلومتر مربع.

وقود ليبي مهرب
والخميس الماضي، كشف  تقرير منظمة "ذا سنتري" الأمريكية للرقابة، أن قوات خليفة حفتر، تُزود مليشيات "الدعم السريع" بالوقود المُهرب نيابة عن الإمارات، موضحا أن حفتر، "كان موردا رئيسيا للوقود لقوات الدعم السريع" طوال فترة الحرب، نظرا "لولائه العميق للحكومة الإماراتية".

وفي تقرير  للمنظمة عن "تفاقم تهريب الوقود في ليبيا"، رصدت استفادة قوات "الدعم السريع" السودانية من تلك الأزمة، قائلة: "يُسهّل التدفق غير المشروع للوقود من جنوب ليبيا إلى قوات الدعم السريع السودانية حرب الإبادة الجماعية الدائرة في دارفور بالسودان".

وعبر صفحتها بـ"فيسبوك"، قالت الكاتبة الصحفية المصري مي عزام، إن "هذا التقرير يُظهر أن حليفنا الليبي خليفة حفتر يساند الدعم السريع، وأن الإمارات حليفنا الخليجي تمول الدعم السريع وتطلب من حفتر مساندته"، وأكدت أن "ما يجري في السودان ضد الأمن القومي المصري، ومصر واضحة بشأن رفضها لتقسيم السودان وتعلن مساندتها للجيش في مواجهة ميلشيات الدعم السريع"، متسائلة: "من العدو ومن الحليف الموثوق فيه؟".



تورط إماراتي
وفي تقرير ثاني بعنوان: "مرتزقة سودانيون مرتبطون بشريك تجاري لأحد كبار المسؤولين الإماراتيين"، قالت "ذا سنتري": "وردت تقارير عن انضمام مرتزقة كولومبيين -ذئاب الصحراء- إلى القتال وتدريب أطفال جنود لهذه المجموعة شبه العسكرية الوحشية"، في إشارة إلى "الدعم السريع".

وكشفت منظمة التحقيق "ذا سنتري" عن "سجلات شركات تُظهر أن رجل الأعمال الإماراتي محمد حمدان الزعابي، يُورّد المرتزقة للدعم السريع"، مبينة أنه "شريك تجاري لمسؤول حكومي رفيع المستوى بالإمارات -يشغل منصبا يعادل منصب رئيس موظفي البيت الأبيض".

وأكد التقرير أن "هذه الصلة بمسؤول حكومي إماراتي رفيع المستوى دليل إضافي على الروابط رفيعة المستوى بين الإمارات والدعم السريع، المتهمة بارتكاب إبادة جماعية في السودان"، وطالب "ذا سنتري"، السلطات الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بالتحقيق مع الشركات الكولومبية والبنمية والإماراتية المتورطة في توريد المرتزقة، وفرض عقوبات عليها بتهم تقديم الدعم المادي للدعم السريع.

وذكرت أسماء: محمد حمدان الزعابي، ومجموعة الخدمات الأمنية العالمية، وألفارو كيخانو، وكلوديا أوليفيروس، ووكالة الخدمات الدولية (A4SI)، وشركة غلوبال ستافينج إس إيه، ومقدمي خدمات الأمن الخاصة بالإمارات، وأصحابها ومورديهم.

وفي السياق، قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن "أي جهد لإنهاء سفك الدماء بالسودان يجب أن يبدأ من الإمارات"، ناقلة عن منظمات حقوقية، ووكالات أنباء، ومشرعون أمريكيون، أن أبوظبي "مورد رئيسي للأسلحة للدعم السريع"؛ مشيرة إلى "شحنات أسلحة متكررة، وطائرات بدون طيار"، وفي 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أكدت الصحيفة الأمريكية أن "الإمارات أنشأت شبكات لوجستية عبر تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وأوغندا لتزويد الميليشيات بالأسلحة والوقود، وربما أيضا بالمقاتلين".

تجنب أمريكي لإدانة الإمارات
قرار مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وتقرير منظمة "ذا سنتري"، يجيء عقب مطالبة الخارجية الأمريكية، الأربعاء، لوقف إمدادات الأسلحة عن مليشيات الدعم السريع، لكن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، لم يذكر اسم الإمارات، واكتفى بالقول: "إنها تمر عبر دولة ما، ونحن نعرف من هم، وسنتحدث معهم... ".

والجمعة، وفي اتصال هاتفي لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، مع وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد دعا إلى وقف لإطلاق النار في السودان، فيما لم تمارس واشنطن بشكل علني أية ضغوط على حليفتها أبوظبي، رغم ما يوجه لها من اتهامات بتمويل الدعم السريع.

توغل للدعم
وفي تطورات الوضع على الأرض السودانية التي يمكنها أن تصبح وحدها "سلة غذاء" للعالم العربي، أكد موقع "سودان تمورو"، أن مليشيات الدعم السريع "تقدمت بتعزيزات ضخمة تضم مقاتلين أجانب -نحو 200 عربة قتالية، إلى جانب طائرات مسيّرة- عبر الحدود الليبية–السودانية باتجاه منطقة المثلث الحدودي".

وفي حزيران/ يونيو 2025، تمكنت مليشيات الحشد السريع من فرض سيطرتها على منطقة المثلث الحدودي بين مصر وليبيا، ما يجعل من التحرك الجديد للدعم السريع شمالا تهديدا للمنطقة الحدودية مع مصر، وعلى الجانب الآخر، أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، التعبئة العامة في القوات المسلحة، داعيا جميع السودانيين القادرين على حمل السلاح للتقدّم والمشاركة في القتال الدائر ضد مليشيات الدعم السريع.

تأزم على النيل الأبيض
الوضع المتأزمة في السودان، يقابله وضع مضطرب في دولة جنوب السودان، التي انفصلت عن الخرطوم عام 2011، ما يمثل خطرا على جديدا على مصر وعلى حصتها من مياه النيل الدائمة، في الوقت الذي تواجه فيه ولأكثر من 14 عاما أزمة مع تدفق مياه نهر النيل الموسمية القادمة إثيوبيا التي بنت سدا على النيل الأزرق، دون توافق مع مصر.

وفي جنوب السودان، أعلنت قبيلة "النوير" في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تأسيس "جمهورية النيل" شرق جمهورية جنوب السودان معقل قبيلتي النوير والشلك، ليتم بذلك تفتيت الجمهورية الجنوبية لدولتين أحدهما للنوير وأخري للدينيكا.

وقبيلة النوير ثاني أكبر مجموعة نيلية بعد الدينكا، وتنتشر في وادي النيل بين نهري السوباط والنيل الأبيض، فيما يعني ظهور أية دولة جديدة على نهر النيل مطالبتها بحصص ومشروعات على النهر المار بأراضيها، ما قد يمثل انتقاصا من حصص القاهرة في المورد الدائم من مياه النيل.

وفي جانب آخر، نشرت وكالة "رويترز"، إقالة رئيس جنوب السودان سلفا كير الأربعاء الماضي، نائبه بنيامين بول ميل من منصبه، هو ومحافظ البنك المركزي ورئيس هيئة الإيرادات، فيما أشارت مواقع سودانية جنوبية لوضع ميل، قيد الإقامة الجبرية.

وهو القرار الذي اعتبره مراقبون من جنوب السودان، أنه تطور مفاجئ ويأتي في إطار مواجهة التوغل الإماراتي في دولة جنوب السودان، و"يمثل نهاية الحلم الإماراتي بالسيطرة على جنوب السودان"، وفق قولهم.





الصمت مقابل الاستثمارات
وفي حديثه لـ"عربي21"، أرجع المؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي، غض الحكومة المصرية الطرف عن أمن مصر الجنوبي والصمت على الإمارات وحفتر في السودان، رغم أنهما حليفين للقاهرة، إلى أن "الإمارات تستثمر أموالها في مصر"، مشبها "حفتر في ليبيا بحميدتي في السوداني"، مبينا أنه "يعمل على عدم استقرار مصر بدرجة أو بأخرى".

ويرى الأكاديمي المصري أن "حجم مخاطر وجود دولة جديدة على حدود مصر يتوقف على علاقات هذه الدولة بالغرب الأوروبي الصهيوني الأمريكي"، مبينا أنه "لكي تحقق مصر معادلة الأمن القومي في ظل كل تلك الاخطار، عليها ألا تتخذ موقفا عدائيا تجاه سياسات الدول التي يأتي منها الخطر حتى لا يكون هناك رد فعل"، وخلص للقول إن "هذه المواقف أحد تداعيات اتفاقية (كامب ديفيد)، في مواقف مصر من القضايا العربية؛ إذ على القاهرة منذ عهد أنور السادات عدم التدخل بأي شكل من الأشكال، فيما يجرى من أحداث أي بلد عربي".

القاهرة بموقف صعب
من جانبه يعتقد الكاتب والمحلل السياسي السوداني وائل نصر الدين، أن "مصر وضعت نفسها في موقف صعب فلا تستطيع أن تعادي الإمارات، بينما الوضع المضطرب في السودان يؤثر عليها اقتصاديا وأمنيا وسياسيا، وأي هزة تضر بها، بجانب مخاوف تهريب السلاح لأراضيها".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "واقتصاديًا التدفق الكبير للاجئين خاصة مع جرائم الدعم في مدينة الفاشر ومن قبلها الخرطوم من سلب ونهب واغتصاب دفعت وتدفع لموجات هجرة كبيرة إلى مصر، ما يؤثر اقتصاديا عليها، وعلى ليبيا وإثيوبيا وتشاد لكن العبء الأكبر على مصر لأن السودانيين يفضلونها، بجانب تورط بعض دول الجوار في الأزمة".

ولفت إلى أنه "بسبب مكاسبها من الاستثمارات الإماراتية، تقوم تشاد بمنع دخول اللاجئين السودانيين وفي نفس الوقت تدعم مليشيات الحشد السريع والفوضى والعنف والارهاب بالسودان بالسلاح وتهريب أسلحة وفتح معسكرات، إلى جانب ما تقدمه إثيوبيا من دعم سياسي للحشد السريع".

ورى الباحث السوداني، أن "مصر يجب أن تتخذ مواقف أقوى من الإمارات خاصة وأنها ليست وحدها التي تشكو من مخاوف الفوضى في السودان؛ فهناك السعودية أيضا أصبح لديها موقف واضح وترفض الفوضى والعنف في السودان والسلوك الإماراتي"، ويبدو في الأفق وجود توافق مصري سعودي في الملف السوداني، حيث طالب وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره السعودي فيصل بن فرحان، الجمعة، بضرورة وقف إطلاق النار هناك.

مصر والضغط على حفتر
وأكد نصر الدين، أنه "لذلك فعلى مصر أن تتخذ موقفًا واضحًا تحديدًا تجاه خليفة حفتر، فالإمارات ما كان لها الاستمرار في تمويل مليشيات الدعم السريع بدون دعم تشاد وحفتر، وقد لا تستطيع مصر التأثير على موقف الإمارات، لكن يمكنها الحديث إلى تشاد وحفتر".

ويعتقد أن "السيسي لا يغض الطرف عن جرائم الإمارات وحفتر في السودان"، قائلا: "مصر دولة مديونة، ولو اتخذت القاهرة أي موقف ضد الإمارات في السودان قد تسحب أبوظبي مليارات الاستثمارات منها، ما يضعها في ظل أزمة سيولة".

واستدرك: "لكن؛ مصر المضغوطة اقتصاديا يمكنها اتخاذ موقف مع حفتر في ليبيا لوقف التسليح والمرتزقة الكولومبيين والأفارقة من حدود ليبيا وتشاد، وعندها أعتقد أن المعركة ستكون أسهل للجيش السوداني، وهذا لن يحدث دون وقف العدوان الثلاثي على الشعب السوداني من الإمارات وليبيا وتشاد، وما قد يلحق بمصر".

ما يجب على مصر
وفي مقال للكاتب المصري عبدالحليم قنديل، ب"القدس العربي"، أكد أنه على مصر والدول العربية الحريصة على وحدة السودان تقديم "دعم مؤثر"، مؤكدا أن "مصالح مصر الوجودية مهددة إن جرى التقسيم الجديد"، مبينا أن "إجراءات التحوط داخل مصر وعلى حدودها الجنوبية قد لا تكفي"، موضحا أنه "لابد من جهد مباشر في الميدان السوداني".