ملفات وتقارير

تحذيرات من انفلات هجمات المستوطنين بالضفة.. "الانفجار بات قريبا"

المكتب الوطني لمقاومة الاستيطان أكد أن حكومة الاحتلال توظف عنف وإرهاب المستوطنين في خدمة مخططات التهجير والتطهير العرقي - الأناضول
في ضوء تزايد الهجمات التي تعرضت لها الضفة الغربية مؤخراً، والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأعلى والأكثر عنفاً منذ عشرين عاماً، يبدو أن ما وُصِف بتراجع نتنياهو عن المضي قدماً في خطة ضمّ الضفة الغربية قبل أكثر من شهر، لم يكن سوى تكتيك ومناورة اتبعها رئيس حكومة الاحتلال تحت وطأة الضغوط الأمريكية، فقد صرح الرئيس ترامب آنذاك قائلاً: "لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، لن يحدث هذا، كفى حان وقت التوقف الآن".


وفي نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، ذكر موقع "واينت" العبري أن اجتماعًا مطولًا ضم نتنياهو وممثلي المستوطنات، أكد لهم وجود ضغوط تدفعه لتقديم تنازلات كبيرة ومؤلمة، ورفض نتنياهو الالتزام بجدول زمني لتطبيق السيادة على الضفة الغربية ردًا على اعتراف دول مثل فرنسا وألمانيا والنرويج والبرازيل بدولة فلسطين، وأشار تقرير  الموقع إلى أن هذا القرار كان سيُلحق ضررًا بمساعي توسيع ما يُعرف بـ"اتفاقيات إبراهام"، خاصة وأن الإمارات حذرت والسعودية نددت بأي محاولة في هذا الصدد.



ترامب ما زال يغض الطرف
ولعل ما يثير الشكوك بشأن وجود صفقة مسبقة بين ترامب ونتنياهو لكسب مزيد من الوقت وتهدئة الانتقادات الدولية خلال إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قبل شهر، هو أن الرئيس الأمريكي ما زال يغض الطرف ويرفض التعليق رغم وصول عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين إلى مستويات غير مسبوقة في الضفة الغربية، وبدلًا من ذلك، فهو يسعى للحصول على عفو عن نتنياهو، وفق تحليل نشرته صحيفة هآرتس العبرية حديثًا.

انفجار الضفة يبدو أقرب من أي وقت
صحيفة هآرتس العبرية، نشرت مقالًا حمل عنوان: "الإرهاب اليهودي ينفلت دون رادع… والانفجار يبدو أقرب من أي وقت"، تناول اتساع دائرة اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية وتحولها إلى ظاهرة خطيرة تجري في ظل غياب أي إرادة سياسية إسرائيلية لوقفها.


الخبير في الشؤون العسكرية عاموس هرئيل، أكد أن السماح للمستوطنين المتطرفين بالتحرك بلا قيود خلق ساحة قابلة للاشتعال في أي لحظة، وأشار هرئيل إلى أن الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون لم تعد أحداثًا متفرقة، بل أصبحت نمطًا يوميًا يتكرر أمام أعين المسؤولين دون تدخل فعلي لوقفه، وأضاف أن التساهل الحكومي وغياب ردع الشرطة والجيش الإسرائيلي يسمح لهذه المجموعات بالتحرك بحرية شبه كاملة.


وأوضح محلل هآرتس أن الفكرة القائلة إن مجموعات صغيرة فقط تقود العنف لم تعد مقنعة، مشيرًا إلى أن الاعتداءات تشمل حرق ممتلكات الفلسطينيين، وطرد العائلات من أراضيها، والاعتداء على المزارعين، وأكد أن استمرار غض الطرف عن هذه الهجمات يدفع الميدان نحو تصعيد خطير، وأن الضفة الغربية تقترب من نقطة انفجار قد تمتد آثارها إلى مناطق أخرى.

قدرة الردع تتآكل
كما نقلت الصحيفة أن المؤسسة العسكرية التابعة لدولة الاحتلال الإسرائيلية تعترف في اجتماعات مغلقة بأن قدرة الردع تتآكل، وأن الإفلات من العقاب المستمر يخلق مجموعات أكثر جرأة وتنظيمًا، وأضاف أن المنظومة الأمنية تدرك أن التعامل الناعم مع هذه الجماعات يشجعها على توسيع نشاطها، لكنها تمتنع عن خطوات حقيقية بسبب اعتبارات سياسية داخل حكومة نتنياهو.


وأضاف هرئيل: "السماح للمستوطنين المتطرفين بالتحرك بلا قيود يخلق ساحة قابلة للاشتعال في أي لحظة. وإذا لم يحدث تغيير جوهري في طريقة تعامل الحكومة مع هذه الظاهرة، فسنجد أنفسنا أمام موجة عنف أكبر بكثير مما نشهده اليوم"، ويرى هرئيل أن اعتداءات المستوطنين بلغت مستوى غير مسبوق من الجرأة والانفلات.

ليسوا هامشيين أو حفنة من الأشخاص
وفي السياق، أقرت صحيفة "هآرتس" العبرية بأن العنف الاستيطاني في المنطقة ليس سلسلة أحداث عشوائية، بل مسارًا منظمًا ومدروسًا بدأ منذ التسعينيات وتصاعد مع الحكومة الحالية، وأكدت الصحيفة أن عشرات المستوطنين، مدعومين من مؤسسات حكومية واستيطانية وجيش وشرطة، "يخرّبون الأراضي، ويهاجمون الفلسطينيين ويهجّرونهم من منازلهم"، بينما تستمر البؤر الاستيطانية في التوسع وضم أراضٍ واسعة، وأضافت الصحيفة أن هذه العمليات العنيفة تخدم السياسة الرسمية، ولن يتوقف العنف إلا إذا نبذ المجتمع الإسرائيلي هذه الممارسات ورفضها بشكل حقيقي.


وتشير هيئة تحرير "هآرتس" إلى أن الاعتداءات تشمل كل أشكال التضييق على الفلسطينيين، وليست مقتصرة على الأضرار المادية: "بخلاف معطيات الأمم المتحدة، فإن القائمة الفلسطينية لا تقتصر على الاعتداءات التي أسفرت عن قتلى أو جرحى، أو سرقة الزيتون أو تقطيع الأغصان. فحتى دخول مجموعة من الإسرائيليين الملثمين، مسلحين ورافقين بقطعان الأبقار أو دراجة رباعية الدفع، إلى خيمة بدوية فلسطينية، أو بالقرب من نبع أو بستان، أو حول بيوت في أطراف قرية أو مدينة، يُعتبر اعتداءً مرعبًا للفلسطينيين، يوازي في خطورته الاعتداءات الدموية، ويهدف إلى طرد الناس من أرضهم لصالح البؤر الاستيطانية القادمة".

هجمات بحماية المنظمات
تشير الصحيفة إلى أن وصف هذه الأحداث بأنها هامشية هو تبرير مضلل، بالقول: "الادعاء بأن هذه الأحداث حالات شاذة وهامشية هو كذب صارخ. فعدد قليل من المعتدين لا يمكن أن يكون قادرًا على طرد نحو 60 تجمعًا فلسطينيًا منذ عام 2022، بحسب منظمة "كرم نابوت" العبرية، التي تعنى برصد المشروع الاستيطاني ونهب الأراضي في الضفة الغربية، كما أن مجموعة صغيرة من مثيري الشغب لا يمكن أن تسيطر وحدها على نحو 800 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية حتى نهاية عام 2024، بحسب تحقيقات حركة "السلام الآن’".


كما تحذر هيئة التحرير من الدعم المؤسسي المستمر للعنف، قائلةً "هناك منظمات توفر قطعان الأبقار والخراف للشباب الذين يذهبون إلى التلال للاستيطان، وهناك مؤسسات استيطانية توفر المباني والحماية، وحكومة تمنح مركبات رباعية الدفع وطائرات مسيّرة، وجيش يسلّح المستوطنين ويحميهم أثناء غاراتهم على القرى الفلسطينية المجاورة. وحتى إذا عرضت بعض القنوات التلفزيونية مشاهد للعنف الاستيطاني، فإن هذه المشاهد لا تعكس سوى جزء ضئيل من واقع العنف المنظم الذي يحدث يوميًا".


واختتمت صحيفة هآرتس بالقول: "البؤر مستمرة في التوسع، وأصبح بعضها أحياء ضمن مستوطنات قائمة، تدعو السكان الإسرائيليين إلى شراء "فلل فاخرة" فيها. وهذه العملية مستمرة بلا توقف، في ظل منحنى تصاعدي بلغ ذروته مع الحكومة الحالية، فيما يمنع الجيش المزارعين الفلسطينيين وأصحاب الأراضي الشرعيين من الوصول إلى أراضيهم لتجنب 'الاحتكاك'".

التهجير.. جريمة حرب
وفي أحدث بيان لها، قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إن مشاهد حشود المستوطنين الإسرائيليين الملثمين الذين نفذوا هجمات في الضفة الغربية المحتلة، "هي صور مروعة وتعكس نمطا أوسع من العنف المتزايد ضد الفلسطينيين".


وقال المتحدث باسم المفوضية ثمين الخيطان، خلال مؤتمر صحفي في جنيف، إن: "تصاعد العنف يأتي بينما كثفت السلطات الإسرائيلية عمليات هدم المنازل ومصادرة الممتلكات والاعتقالات وفرض قيود على التنقل، إلى جانب استمرار بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية "وتشريد ونقل آلاف الفلسطينيين قسرا على يد المستوطنين الإسرائيليين والجيش".


وأضاف: "إن التهجير الدائم للسكان الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة يرقى إلى مستوى النقل غير القانوني، وهو جريمة حرب. كما أن نقل إسرائيل لأعداد من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها يشكل جريمة حرب"، وشدد الخيطان على أن ادعاء الحكومة الإسرائيلية بالسيادة على الضفة الغربية المحتلة وضمَّها يشكلان انتهاكا للقانون الدولي، وينتهكان حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.


وأوضح أن عدد هجمات المستوطنين التي تم تسجيلها خلال الشهر الماضي كان أكبر من أي شهر آخر منذ عام 2006، إذ سُجلت أكثر من 260 هجمة، كما أفاد بمقتل ما لا يقل عن 1017 فلسطينيا في الضفة الغربية، من بينهم 221 طفلا، على يد قوات الأمن الإسرائيلية والمستوطنين خلال الفترة بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2025.

توظف إرهاب المستوطنين في خدمة التهجير
قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، إن حكومة الاحتلال الإسرائيلي توظف عنف وإرهاب المستعمرين في خدمة مخططات التهجير والتطهير العرقي، وأضاف المكتب في تقريره الأسبوعي، أن عنف المستعمرين لا حدود له، فقد خرج عن السيطرة وأصبح حتى لزعماء المعارضة الإسرائيلية بدءا بيائير لبيد مرورا بأفيغدور ليبرمان وانتهاء بيائير غولان عارا على دولة الاحتلال.


وتابع التقرير: وفقا لبيانات جيش الاحتلال وما يسمى جهاز الأمن العام (الشاباك)، وهي بيانات لا تعكس الحقيقة على كل حال، وقع منذ بداية الحرب على قطاع غزة 1575 هجوم في الضفة الغربية، منها نحو 704 في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام، استخدمت فيها أسلحة نارية وأسلحة بيضاء ومواد مشتعلة، وصنفت 368 منها على أنها "إرهاب شعبي" أي متعمدة، أصيب فيها منذ بداية العام 174 فلسطينيًا بزيادة قدرها 12 في المئة مقارنة بالعام الماضي.


وأشار التقرير إلى أن عشرات التجمّعات السكّانية، خاصة في المناطق التي جرى تصنيفها كمناطق (ج)، باتت هدفا لأخطار التهجير تارة على أيدي جيش الاحتلال وتارة أخرى على أيدي المستعمرين، موضحا أن الفلسطينيين في هذه التجمعات يعتاشون على الزراعة ورعي الأغنام، وحياتهم تحولت إلى جحيم بعد أن بدأت سلطات الاحتلال تمارس بشكل منهجي سياسة هدفها تهجير هذه التجمّعات عبر خلق واقع معيشي يصعب تحمله، بما في ذلك فرض منع صارم على البناء في هذه التجمّعات ورفض وصلها بالمرافق الأساسية كالكهرباء والماء والامتناع عن شقّ طرق تسهّل الوصول إليها.

لم يسلم حتى الصحفيون
وثقت لجنة حماية الصحفيين خلال العام الجاري 11 حادثة اعتداء على 23 صحفيا فلسطينيا ودوليا من قبل مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية، مقارنة باعتداء واحد في عام 2024، وأشارت إلى أن الصحفيين يواجهون مستويات غير مسبوقة من الإرهاب، مع تصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.



وقالت المديرة الإقليمية للّجنة سارة القضاة، إن المستوطنين المتطرفين في الضفة يشنون واحدة من أكثر حملات الترهيب والاستيلاء على الأراضي عدوانية، مؤكدة أن الهجمات لا تستهدف الفلسطينيين فحسب، بل جميع الصحفيين الذين يُغطون عنف المستوطنين المتصاعد، ووفقا لبحث أجرته لجنة حماية الصحفيين، فإن ما لا يقل عن 17 صحفيا كانوا يرتدون سترات مكتوبا عليها "صحافة".

إصابة 12 صحفيا في شهر
وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني، هاجم مستوطنون بعضهم ملثمون ومسلحون بالعصي والأدوات الحادة، مجموعة من الصحفيين الذين كانوا يغطون أخبار المزارعين الفلسطينيين والمتطوعين الدوليين الذين كانوا يحصدون الزيتون في قرية بيتا شمالي الضفة، مما أدى إلى إصابة 5 صحفيين على الأقل.


وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول، تعرض الصحفي الأميركي جاسبر ناثانيال للرشق بالحجارة، كما حطم المستوطنون نافذة سيارته أثناء تغطيته لهجوم على مزارعين فلسطينيين في بلدة ترمسعيا، شمالي رام الله، وقال للجنة حماية الصحفيين إن المهاجمين تجاهلوا صراخه "صحافة، أميركي، صحافة".


وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر، أصيب 4 صحفيين فلسطينيين، جعفر اشتية من وكالة فرانس برس، ووهاج بني مفلح من شبكة قدس الإخبارية في رام الله، وسجى العلمي من قناة الغد في القاهرة، ويزن حمايل من قناة الفجر الفلسطينية بجروح أثناء تغطيتهم لهجوم مستوطنين على مزارعين في قرية بيتا جنوبي محافظة نابلس، وتعرض اشتية للضرب ونُقل إلى المستشفى وأحرق المستوطنون سيارته، في حين أصيب الآخرون بجروح جراء استنشاق الغازات والقنابل الصوتية.