أكدت صحيفة "معاريف" أن الهجوم
الإسرائيلي الفاشل على قادة حركة حماس في
الدوحة جاء بنتائج معاكسة لما خططت له تل أبيب، حيث صبّ في مصلحة
قطر، وعزز مكانتها كلاعب رئيسي على الساحة الجيوسياسية الدولية.
وأوضحت الكاتبة عنات هوشبيرج ماروم، في تقرير نشرته صحيفة "معاريف" أن هذا الاعتداء الذي استهدف تقويض دور الدوحة، أتاح للإمارة الصغيرة "بشكل متناقض" فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، وتوظيف موقعها الجيوسياسي في تكريس دورها كوسيط محوري في أزمات المنطقة.
وشهدت الدوحة الأسبوع انعقاد القمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي عقب الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف فريق التفاوض التابع لقيادة حركة حماس، بمشاركة 57 رئيس دولة وممثلا رفيع المستوى من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بينهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وأعلنت وزارة الخارجية القطرية أن القمة الطارئة "تعكس التضامن العربي والإسلامي في مواجهة إسرائيل"، مشيرة إلى أن الهجوم الإسرائيلي الأخير وُصف خلال أعمالها بأنه "عمل همجي" و"إرهاب دولة".
وتزامن ذلك مع رسالة صريحة من رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري عبد الرحمن آل ثاني، شدد فيها على أن بلاده "لن تقبل بأي عدوان إسرائيلي أو انتهاك لسيادتها أو تهديد لأمنها القومي".
ودعا البيان الختامي للقمة إلى إعادة النظر في العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا في الوقت ذاته التزام قطر بمواصلة جهود الوساطة الإقليمية.
وقالت صحيفة "معاريف" إن الهجوم الإسرائيلي، "وخاصة فشله العملياتي والاستخباراتي"، يحمل تداعيات جيوسياسية واسعة، إذ يزيد من التوترات الأمنية ويقوّض الوضع القائم في الخليج والشرق الأوسط عموما، ويضع قطر في قلب المشهد الإقليمي.
وأضافت الصحيفة أن العملية أضرت بصورة إسرائيل وهيبتها، ووصفت بأنها تدق إسفينا في العلاقات بين الدوحة وواشنطن، كما أنها تُفاقم من ضعف قطر ودول الخليج.
وأشارت الصحيفة إلى أن الهجوم يتيح، على نحوٍ متناقض، للإمارة الصغيرة استغلال موقعها الجيوسياسي ونفوذها الإقليمي والدولي، بينما تُعيد صياغة "الأجندة" وتقود الحوار حول التضامن العربي والإسلامي، وترتيبات الأمن الإقليمي، وملف التطبيع.
واعتبرت "معاريف" أن استضافة القمة في الدوحة تُرسخ سمعة قطر كلاعب رئيسي في السياسة الشرق أوسطية والعالمية، وسط إجماع معادٍ لـ"إسرائيل".
ووصفت الصحيفة هذه التطورات بأنها ترسل رسالة قوية تعزز دور قطر في تجسير الهوة والتوسط في المفاوضات خلال أوقات الأزمات، سواء بين الاحتلال وحركة حماس أو بين الدول العربية ذاتها.
وترى "معاريف" أن قطر من المتوقع أن تُعزز دعمها الإنساني والمالي للفلسطينيين وسكان قطاع
غزة، إلى جانب تقوية علاقاتها مع إيران وتوسيع تعاونها مع تركيا والصين والهند، بينما تعمل في الوقت ذاته على إبعاد نفسها تدريجيا عن الولايات المتحدة في ظل تآكل الثقة في إدارة ترامب والتراجع في التزام واشنطن الأمني طويل الأمد تجاه حلفائها الخليجيين.
ومن منظور استراتيجي أوسع، رأت "معاريف" أن الهجوم على الدوحة في هذه اللحظة بالذات بعد مرور خمس سنوات على إطلاق "اتفاقيات إبراهيم"، وفي خضمّ وساطة تقودها قطر بالتعاون مع الولايات المتحدة ومصر، وبالتوازي مع تجدّد القتال في قطاع غزة، يُمثل نقطة تحوّل حاسمة.
وأكدت صحيفة "معاريف" أن ما جرى ليس "مجرد" حدث عسكري، بل هجوم ينتهك الوضع القائم مع دولة محورية في مجلس التعاون الخليجي، تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وتشكل شريكًا رئيسيًا لواشنطن في المنطقة.
وذكرت أن حجم التبادل التجاري بين قطر والولايات المتحدة بلغ 11.5 مليار دولار في عام 2024، فيما شهدت زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الدوحة في أيار/مايو الماضي توقيع صفقات اقتصادية بقيمة إجمالية تقارب 240 مليار دولار.
علاوة على ذلك، ورغم عدم تصفية قادة حماس وعدم تضرر أي منشآت استراتيجية أو بنية تحتية للطاقة، إلا أن الهجوم قد يؤثر على البنية الأمنية، واستراتيجية الردع، وتوازن القوى الإقليمي.
ولفتت "معاريف" إلى أنه ليس من قبيل الصدفة أن حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من عواقب وخيمة على مستقبل السلام، قائلاً إن هذه الخطوة "قد تهدد أمن إسرائيل وأمن دول أخرى في المنطقة".
وذكرت أن "تعطيل المحادثات وزيادة احتمال انهيارها يعمق عزلة إسرائيل مما يعرض الأسرى الإسرائيليين لدى حماس للخطر، ويحذر مسؤولون حكوميون كبار من أن هذا الحدث، الذي يُفاقم الفوضى الإقليمية، قد يؤدي إلى تشكيل تحرك عربي-إسلامي منسق ضدها".
وأشارت إلى أن هذا التحرك من المتوقع أن يُعطل مسار التطبيع الحالي والمستقبلي، بما في ذلك مع السعودية، كما قد يفرض قيودًا دبلوماسية ومالية وتجارية على إسرائيل، ويعزز إجماعًا إسلاميًا حول قضايا إقليمية، وفي مقدمتها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خصوصًا قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل لمناقشة الاعتراف بدولة فلسطينية.
كما ترى الصحيفة أن الهجوم الإسرائيلي يترك أثرا مباشرا على شبكة التحالفات والاتفاقيات الإقليمية، بما فيها "اتفاقيات إبراهيم"، إذ قد يُفكك التحالف الأمني المناهض لإيران ويفتح الباب أمام تعاون أوثق مع طهران وقوى بديلة مثل الصين وروسيا، الأمر الذي يلقي بظلال ثقيلة على العلاقات مع الولايات المتحدة.
ويُضاف إلى ذلك تزايد المخاطر على موقع إسرائيل الدبلوماسي والأمني والاقتصادي، خاصة مع شركائها في الاتفاقيات، وعلى رأسهم الإمارات والبحرين، الذين يُدفعون لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاهها وسط تصاعد الانتقادات العلنية في العالم العربي.
وفي السياق ذاته، تمر قطر بمرحلة حساسة تُحفّزها على تعزيز حزمها السياسي والدبلوماسي، فالدولة، التي تُعد من أكثر قوى الطاقة استقرارًا وتأثيرًا عالميًا، تحتل موقعًا متقدماً كسادس أكبر منتج ومُصدّر للغاز الطبيعي بإنتاج سنوي بلغ 179.5 مليار متر مكعب في عام 2024.
كما تبوأت المرتبة التاسعة عالميًا في الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات صندوق النقد الدولي بأن يصل إلى 222.78 مليار دولار أمريكي خلال عام 2025، ما يعزز مكانتها كقوة اقتصادية وجيوسياسية فاعلة في الشرق الأوسط والعالم.
علاوة على ذلك، تمتلك قطر أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، وتسيطر على ثالث أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال في العالم، وهي بيانات تُبرز مكانتها الاستراتيجية والمهيمنة في سوق الطاقة العالمي.
ويُظهر رصد جيوسياسي واسع النطاق أن الجمع بين القوة الاقتصادية والطاقة، والاستقرار السياسي، والتقدم التكنولوجي والريادة (في مجالي الرقائق والذكاء الاصطناعي)، والتأثير الإعلامي العالمي، يُبرز مكانتها الفريدة.
في هذه الأثناء، يُمثل الهجوم على الدوحة، الذي أضرّ بسمعة قطر وهيبتها، وبمكانتها الدبلوماسية التي بُنيت بثبات على مدى عقدين، نقلة نوعية في نهجها الاستراتيجي: تحوّل من موقف سلبي واعتماد على الغرب، مع تبني سياسة وساطة محايدة وحذرة، إلى موقف حازم وقيادي يتضمن إدانةً قاطعة لإسرائيل على الساحة الدولية.
كل هذا، مع الموازنة بين الالتزام بالولايات المتحدة والتضامن مع الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه المناورة المعقدة بين الضغوط الإسرائيلية والغربية، وإملاءات العالم العربي والإسلامي والمنظمات الإسلامية (مثل مجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية).
وتشير أيضا إلى أنه قد تسرع قمة الدوحة تحوّل دول الخليج من مجرد قوى طاقة تقليدية إلى شركاء استراتيجيين فاعلين في صياغة الأمن الإقليمي.، ويُتوقع أن يُغيّر تعزيز التنسيق الأمني وتوسيع التعاون في مجالات التكنولوجيا والابتكار والذكاء الاصطناعي موازين النفوذ، بما ينعكس على خريطة العلاقات والمصالح في العالم العربي والشرق الأوسط عمومًا.
ونوهت أن تعميق الشراكات مع القوى الآسيوية الكبرى، مثل الصين وروسيا والهند، في مجالات حيوية كالاستخبارات وإدارة الأزمات والبنية التحتية والأمن والطاقة، قد يُعزز استقلالية الخليج الاستراتيجية ويُرسّخ مكانته كلاعب موحد قادر على موازنة النفوذ الإيراني ومواجهة تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر.
وأكدت أن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، خصوصا في ظل تصاعد الحرب في غزة والهجمات على اليمن، يزيد من حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار في أسواق الطاقة والمال والنقل وسلاسل التوريد العالمية. فالتقلب في أسعار النفط والغاز يُضعف ثقة المستثمرين ويُعقّد تقييمات المخاطر، وقد يقوّض استقرار الاقتصادات الإقليمية والأنظمة المالية الدولية.
وختمت صحيفة "معاريف بالقول" إنه رغم عدم وجود مؤشرات على هروب رؤوس الأموال من قطر أو صدور عقوبات اقتصادية ملموسة ضد إسرائيل عقب قمة الدوحة، فإن ما حدث يُمثل تحولًا مهمًا في "قواعد اللعبة" السياسية والاقتصادية، ويكشف أن المنطقة تقف على أعتاب فصل جديد شديد الانفجار في المشهد الجيوسياسي العالمي.