سياسة دولية

تصعيد بين الجزائر وفرنسا.. هل تشهد العلاقات مراجعة للاتفاقيات ورفضًا لسياسة المهل والإنذارات؟

استقلت الجزائر عن فرنسا في 05 تموز/ يوليو 1962 بعد ثورة تحريرية- جيتي
تفاقم التوتر بين الجزائر وفرنسا خلال الأيام الأخيرة، بعدما هدّدت فرنسا بالنظر مجددا في اتفاقيات عام 1968، التي تتيح للجزائريين تسهيلات في الإقامة والتنقل والعمل داخل الأراضي الفرنسية.

وتشهد علاقات البلدين تصعيدا منذ أسابيع، بسبب موقف فرنسا من قضية الصحراء، ومصير الكاتب الجزائري الفرنسي، بوعلام صنصال، الموقوف في الجزائر منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فيما زاد من حدّة هذه الأزمة اعتقال السلطات الفرنسية لمؤثرين جزائريين، بتهم: "الدعوة لأعمال عنف على الأراضي الفرنسية".

تهديد فرنسي للجزائر
في الأربعاء الماضي، هدّدت فرنسا على لسان رئيس وزرائها، بإعادة النظر في الاتفاقيات التي تسهّل ظروف الإقامة والتنقل والعمل للجزائريين، وذلك خلال اجتماع للجنة الوزارية المشتركة الفرنسية حول الهجرة.

وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي، فرنسوا بايرو، أنّ بلاده "ستطلب من الحكومة الجزائرية مراجعة جميع الاتفاقيات الموقعة وطريقة تنفيذها" قائلا إنّه: "سيمهل الجزائر شهرا إلى ستة أسابيع لذلك".

وأشار إلى أنه ستُقدَّم للحكومة الجزائرية، قائمة عاجلة، للأشخاص الذين يجب أن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم، معلنا عن تدقيق وزاري بشأن سياسة إصدار التأشيرات من قبل فرنسا.

وقبل ذلك بيوم واحد، أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نُيل بارو، عن "قيود على التنقل والدخول إلى الأراضي الفرنسية لبعض الشخصيات الجزائرية منذ عدة أسابيع".

رفض لخطابات المهل والإنذارات
 وردا على ذلك أعلنت الجزائر عن رفضها القاطع للغة "الإنذارات والتهديدات" الصادرة عن رئيس الوزراء الفرنسي، ووزير خارجيته.

وقالت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان، أمس الخميس، إنّ: "الجزائر ترفض رفضا قاطعا مخاطبتها بالمهل والإنذارات والتهديدات".

وأكدت الخارجية الجزائرية، أنها: "ستسهر على تطبيق المعاملة بالمثل بشكل صارم وفوري على جميع القيود التي تفرض على التنقل بين الجزائر وفرنسا، وذلك دون استبعاد أي تدابير أخرى قد تقتضي المصالح الوطنية إقرارها".

وأضافت الخارجية الجزائرية، في بيانها، أنه: "في خضم التصعيد والتوترات التي أضفاها الطرف الفرنسي على علاقات البلدين لم تبادر الجزائر بأي شكل من أشكال القطيعة بل تركت الطرف الفرنسي وحده يتحمل المسؤولية بصفة كاملة".

رفض شعبي ورسمي 
ويرى الصحفي الجزائري، عبد الله نادور، أن: "السلطات الجزائرية لا تمانع في مراجعة اتفاقيات سنة 1968، ولكن المشكل في الطرف الفرنسي الذي يحاول التعامل مع الجزائر باستعلاء وبشيء من الوصاية، متناسيا أن الجزائر دولة مستقلة ذات سيادة".

وأشار نادور، في تصريح لـ"عربي21" إلى أنّ: "التعامل مع الجزائر من باب "المهل والتهديدات" مرفوض على المستوى الرسمي والشعبي".

وأوضح أن "الأزمة الحالية تكمن في محاولة التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر" مضيفا أنه "من غير المعقول أن تتدخل فرنسا الرسمية في العدالة الجزائرية وتطالب بالإفراج عن مواطن جزائري (بوعلام صنصال مزدوج الجنسية جزائرية فرنسية) وهو يقع تحت طائلة القانون الجزائري".

ولفت نادور، أيضا إلى: "خرق الطرف الفرنسي لاتفاقيات 1968"، معتبرا أنه "ليس أدل على ذلك رفض القضاء الفرنسي قرار وزير الداخلية برونو ريتاو ترحيل الجزائري- الفرنسي بوعلام نعمان، حيث أنه بعد لجوئه للقضاء والطعن في قرار وزير الداخلية تم رفض ترحيله، ما يعني أن الجزائر كدولة تفهم في الاتفاقية والقوانين الفرنسية أكثر من الدولة الفرنسية".

وأوضح نادور، في حديثه لـ"عربي21" أنه: "بخصوص مراجعة اتفاقية 1986، فهذه الأخيرة، تمّت مراجعتها سنوات 1985 و1994 و2001، وكل هذه التعديلات لم تصب في مصلحة الجزائر، بل قلّصت من عدد المزايا التي كان يتمتع بها الجزائريون، وكانت برضى الطرفين".

واعتبر أن ذلك "يعني أن الدولة الجزائرية لا تمانع في مراجعتها، ولكن على أن لا يتم الأمر من طرف واحد بطريقة توحي أن فرنسا تريد فرض منطقها الاستعلائي على الجزائر".

وأضاف: "أعتقد أنه لو تم الأمر في إطار حوار ثنائي هادئ لا أعتقد أن هناك مانعا، رغم أن الاتفاقية قد أفرغت من محتواها"، فيما يرى أنّ: "رفض دخول جزائريين يحملون جوازات سفر دبلوماسية يعد خرقا فرنسيا للاتفاقيات التي تحكم البلدين دون إعلام الحكومة الجزائرية بذلك".

الصحراء في قلب الصراع
 منذ إعلان فرنسا دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، تصاعدت حدّة الأزمة الجزائرية الفرنسية، إذ اعتبرت الجزائر ذلك تجاوزا غير مسبوق من قبل أي حكومة فرنسية سابقة، ما دفع الجزائر لتخفيض تمثيلها الدبلوماسي مع باريس في تموز/ يوليو الماضي.

والأسبوع الماضي، وصفت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان، الزيارة التي قام بها عضو من أعضاء الحكومة الفرنسية إلى الصحراء بـ"الأمر الخطير للغاية"، والتي تستدعي "الشجب والإدانة على أكثر من صعيد".

وأكدت الوزارة في بيانها، أنّ: "هذه الزيارة تدفع نحو ترسيخ الأمر الواقع المغربي في الصحراء"، مشدّدة على أن الحكومة الفرنسية بهذه الخطوة "تستبعد نفسها وتنأى بها بصورة واضحة وفاضحة عن جهود الأمم المتحدة الرامية إلى التعجيل بتسوية نزاع الصحراء على أساس الاحترام الصارم والصادق للشرعية الدولية".

وكانت وزيرة الثقافة الفرنسية، ذات الأصول المغربية، رشيدة داتي، قد قامت، الأسبوع الماضي، بزيارة إلى الصحراء، واصفة إياها بـ"الزيارة التاريخية".

"حقبة الاستعمار الفرنسي"
في إطار السجال المستمر بين الجزائر وفرنسا، هاجم الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قبل أسبوعين، فرنسا، قائلا: إن "الاستعمار الفرنسي كان وحشيا وتدميريا وعطّل مسيرة الشعب لأكثر من 130 سنة".

جاء ذلك في رسالة وجهها الرئيس تبون، بمناسبة ذكرى يوم الشهيد في الجزائر الذي يوافق 18 شباط/ فبراير من كل عام، ويسلط الضوء على تضحيات الشعب ضد المستعمر الفرنسي (1830-1962).

واعتبر تبون أنّ: "الاستعمار الذي سطا بأساليبه الوحشية التدميرية على أرضنا الطاهرة وعطل مسيرة شعبها الأبي لأكثر من 130 سنة، وبئس ما اقترف أدعياء الحضارة والتمدن، هو استعمار مستوطن مدمر يساوره وهم البقاء، ليس في حسبانه التفريط في الخيرات والثروات، أحبطت أوهامه ثورة عارمة".

وأشار إلى أن الشعب الجزائري "عقد العزم على تحرير الأرض التي ظلت تلفظ وترفض الوجود الاستيطاني الاستعماري بمقاومات لم تهدأ منذ أن تداعت إليها جحافل الغزاة المعتدين، مقاومة تلو المقاومة".

واحتلت فرنسا الجزائر في 05 تموز/ يوليو 1830، واستغرقت السيطرة على عموم البلاد نحو 70 سنة. فيما استقلت الجزائر عن فرنسا في 05 تموز/ يوليو 1962، بعد ثورة تحريرية انطلقت في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، وخلّفت 1.5 مليون شهيد وفق أرقام رسمية.

وشهدت مرحلة السيطرة على عموم الجزائر عمليات تهجير للسكان، ومصادرة أراضيهم الزراعية الخصبة، وحرمانهم من أبسط الحقوق، بحسب مؤرخين.