كشف تحقيق حديث أن جيش
الاحتلال الإسرائيلي عمل على تدمير كتل سكنية بأكملها بقنابل خارقة للتحصينات لسحق الممرات تحت الأرض وإغراقها بالأبخرة القاتلة، وذلك بسبب عجزه عن تحديد هوية قادة حركة حماس في أنفاق قطاع
غزة.
وقد كشف
تحقيق أجرته "مجلة +972" وموقع "لوكال كول - Local Call" أن
جيش الاحتلال كان يقصف المناطق السكنية في غزة بشكل مكثف عندما كان "يفتقر إلى معلومات استخباراتية حول الموقع الدقيق لقادة حركة حماس تحت الأرض"، ومن أجل ذلك استخدم عمدا نواتج ثانوية سامة للقنابل لخنق الأهداف تحت الأرض.
ويكشف التحقيق، الذي استند إلى محادثات مع 15 ضابطا من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "شين بيت" شاركوا في عمليات استهداف الأنفاق منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر كيف كانت هذه الاستراتيجية تهدف إلى التعويض عن عجز الجيش عن تحديد الأهداف في شبكة أنفاق حماس تحت الأرض.
وأوضح أنه "عند استهداف كبار القادة في المجموعة، سمح الجيش الإسرائيلي بقتل أعداد ثلاثية الأرقام من المدنيين الفلسطينيين كأضرار جانبية، وحافظ على التنسيق الوثيق في الوقت الفعلي مع المسؤولين الأمريكيين فيما يتعلق بأرقام الضحايا المتوقعة".
وأكد أنه "من المعروف أن بعض هذه الضربات، التي كانت الأكثر دموية في الحرب واستخدمت فيها قنابل أمريكية في كثير من الأحيان، قتلت أسرى إسرائيليين على الرغم من المخاوف التي أثارها ضباط الجيش مسبقا".
وأوضح أنه "علاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى المعلومات الاستخباراتية الدقيقة يعني أنه في ثلاث ضربات رئيسية على الأقل، أسقط الجيش عدة قنابل خارقة للتحصينات يبلغ وزنها 2000 رطل" (907 كيلوغرامات)، مما أسفر عن استشهاد العشرات من المدنيين، كجزء من استراتيجية تُعرف باسم "التبليط"، وذلك دون أن ينجح في القضاء على الهدف المقصود.
ونقل التقرير عن مصدر في الاستخبارات العسكرية قوله إن "تحديد هدف داخل نفق أمر صعب، لذا فإنك تهاجم دائرة نصف قطرها واس. ونظرًا لأن الجيش لن يكون لديه سوى تقدير تقريبي غامض لموقع الهدف، وهذا النطاق سيكون كبيرًا مثل عشرات وأحيانًا مئات الأمتار، مما يعني أن عمليات القصف هذه دمرت عدة مبانٍ على ساكنيها دون سابق إنذار".
وأضاف المصدر: "فجأة ترى كيف يتصرف شخص ما في جيش الدفاع الإسرائيلي حقًا عندما تُتاح له الفرصة لتدمير كتلة سكنية بأكملها - ويفعل ذلك".
يكشف التحقيق أيضًا كيف عرفت "إسرائيل" منذ سنوات أن استخدام القنابل الخارقة للتحصينات يطلق غاز أول أكسيد الكربون القاتل كمنتج ثانوي، والذي يمكن أن يقتل الناس داخل نفق من خلال الاختناق حتى على مسافة مئات الأمتار من موقع الضربة.
وبعد اكتشاف ذلك بالصدفة في عام 2017، اختبره الجيش لأول مرة كاستراتيجية في غزة في عام 2021، واستخدمه في جهوده لتصفية قادة حماس بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وبهذه الطريقة، يمكن للجيش مهاجمة الأهداف دون معرفة موقعها الدقيق، ودون الحاجة إلى الاعتماد على الضربات المباشرة.
وقال العميد الاحتياط في جيش الاحتلال جاي هازوت، وهو المصدر الوحيد الذي سمح بذكر اسمه ضمن التحقيق: "يبقى الغاز تحت الأرض، ويختنق الناس. [أدركنا] أنه يمكننا استهداف أي شخص تحت الأرض بفعالية باستخدام قنابل اختراق المخابئ التابعة لسلاح الجو، والتي حتى لو لم تدمر النفق، فإنها تطلق غازات تقتل أي شخص في الداخل، ثم يصبح النفق فخا للموت".
ويذكر أن التحقيق الجديد نقل تصريحات أدلى بها متحدث باسم جيش الاحتلال ضمن تحقيق سابق مشترك، وأكد فيها أنه "لم يستخدم أبدا ولا يستخدم حاليًا المنتجات الثانوية للقنابل لإلحاق الضرر بأهدافه، ولا توجد مثل هذه التقنية في الجيش الإسرائيلي".
وكشف التحقيق الجديد أن القوات الجوية الإسرائيلية أجرت بحثا فيزيائيا وكيميائيا حول تأثير الغاز في الأماكن المغلقة، وقد ناقش الجيش الآثار الأخلاقية لهذه الطريقة.
وبشكل مؤكد قُتل ثلاثة رهائن إسرائيليين وهم نيك بيزر، ورون شيرمان، وإيليا توليدانو اختناقا نتيجة قصف إسرائيلي في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، ضمن استهداف القيادي البارز في كتائب القسام أحمد الغندور، الذي شغل منصب قائد اللواء في شمال غزة، بحسب ما نقل التحقيق.
وأخبر الجيش عائلات هؤلاء الأسرى أنه في وقت القصف، لم يكن على علم باحتجازهم بالقرب من المنطقة المستهدفة، إلا أن ثلاثة مصادر مطلعة على الغارة التي قادها جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "شين بيت" كشفت للتحقيق أن هناك معلومات استخباراتية "غامضة" تشير إلى أن الرهائن ربما يكونون في المنطقة المجاورة، ومع ذلك فقد تم التصريح بالهجوم.
ووفقا لستة مصادر، لم تكن هذه حالة معزولة بل واحدة من عشرات الغارات الجوية الإسرائيلية التي من المحتمل أن تعرض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر أو تقتلهم، بل أن القيادة العسكرية أعطت الضوء الأخضر للهجمات على منازل عناصر المقاومة المشتبه بهم والأنفاق التي كان كبار قادة حماس يديرون القتال منها.
وفي حين تم إلغاء الهجمات عندما كانت هناك معلومات استخباراتية محددة ونهائية تشير إلى وجود أسير إسرائيلي، كان الجيش يأذن بشكل روتيني بالضربات عندما كانت الصورة الاستخباراتية غامضة وكان هناك احتمال عام لوجود الأسرى في محيط الهدف.
وقال أحد مصادر الاستخبارات: "لقد حدثت أخطاء بالتأكيد، وقمنا بقصف الرهائن".
وكشف التحقيق أن جهود "إسرائيل" لتعظيم فرص القضاء على كبار عناصر المقاومة تحت الأرض شملت محاولات سحق أجزاء من شبكة الأنفاق واحتجاز الأهداف في الداخل، ووصفت مصادر حوادث قصف فيها مركبات هربت من موقع هجوم دون معلومات استخباراتية محددة حول من كان بداخلها، بناءً على افتراض أن شخصية بارزة من حماس ربما تحاول الفرار.
قال عبد الهادي عوكل، الصحفي الفلسطيني من جباليا الذي شهد العديد من عمليات القصف الإسرائيلية الكبرى - والتي يطلق عليها الفلسطينيون غالبًا "أحزمة نارية" - خلال الأسابيع الأولى من الحرب: "لقد شعرت المنطقة بأكملها بالانفجارات وسمعت، تم استهداف كتل سكنية بأكملها بصواريخ ثقيلة، مما تسبب في انهيار المباني وسقوطها فوق بعضها البعض، ولم تتمكن سيارات الإسعاف ومركبات الدفاع المدني من التعامل مع حجم القصف، لذلك كان على الناس استخدام أيديهم وبعض المعدات الخفيفة لانتشال الجثث من تحت أنقاض المنازل، لم تكن هناك إمكانية لأي شخص للبقاء على قيد الحياة".
وتم اكتشاف تأثير الغاز عن غير قصد في أكتوبر 2017، في ذلك الوقت، كان عميد احتياط جاي هازوت يقود فرقة في القيادة الجنوبية، وقد روى للتحقيق تسلسل الأحداث، وهو ما أكدته ثلاثة مصادر عسكرية أخرى.
وفقًا لـ هازوت، كان رئيس أركان الجيش آنذاك غادي إيزنكوت في الخارج وكلف نائبه، أفيف كوخافي، بمعالجة قضية ملحة: "حفرت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية نفقًا تحت السياج الذي يحيط بقطاع غزة، ويمتد على بعد حوالي كيلومترين من كيبوتس كيسوفيم، وأمر كوخافي سلاح الجو بقصف النفق بقنبلة خارقة للتحصينات لكنه أمرهم بتجنب قتل أكثر من خمسة من نشطاء الجهاد الإسلامي لمنع التصعيد غير الضروري في غزة".
وأوضح هازوت: "بسبب ذلك حدث شيء غير متوقع: على الرغم من أننا أطلقنا القنابل على الجانب الإسرائيلي من الحدود، إلا أن الجميع في النفق داخل غزة ماتوا، ودخل 12 من أفراد الإنقاذ التابعين للجهاد الإسلامي بعد الانفجار وقتلوا أيضًا بسبب الاختناق، حتى أولئك الذين كانوا يرتدون أقنعة ماتوا".
وقال هازوت إن هذه كانت "لحظة الاختراق"، عندما اتضح أن القنابل الخارقة للتحصينات التي تنفجر في الأنفاق تنشر غاز أول أكسيد الكربون كمنتج ثانوي، والذي بقي في النفق لأيام.
وأول أكسيد الكربون، المعروف باسم "القاتل الصامت"، عديم اللون والرائحة والطعم، وهو قاتل بشكل خاص للبشر، يموت حوالي 30 ألف شخص سنويًا بسبب استنشاقه بسبب السخانات والمحركات والأفران المعيبة في الأماكن المغلقة ذات مستويات الأكسجين المنخفضة.
وأجرى سلاح الجو بعد ذلك دراسة فيزيائية كيميائية حول تأثير الغاز في الأماكن المغلقة، والتي وجدت أنه من الصعب التنبؤ بنصف قطر انتشاره القاتل بدقة، وأوضح مصدر في سلاح الجو للتحقيق: "هناك احتمالات أنها ليست ثنائية، حيث يموت كل من في هذا النطاق ولا يموت أحد خارجه، هناك دائرة ذات احتمالية عالية، واحتمالية متوسطة، واحتمالية منخفضة للموت من الغاز".
وأشارت مصادر أمنية إلى أن استخدام قنابل خارقة للتحصينات تطلق الغاز تحت الأرض كمنتج ثانوي تغلب على تحدي الاضطرار إلى تحديد موقع الهدف بدقة داخل نفق/ لكنها طرحت أيضًا معضلة.
وقال مصدر في سلاح الجو: "لقد أوضح لنا مدى حساسية هذه القضية، وحقيقة وجود هذا التأثير"، بينما أوضح مصدر شارك في مناقشة حول استخدام هذه التقنية في عام 2021، بقيادة رئيس القيادة الجنوبية للجيش آنذاك، إليعازر توليدانو: "لقد أخذ الجميع الأمر على محمل الجد في المناقشة، حقيقة أن الغاز هو ما يقتل، لقد خشوا أن يتسبب ذلك في أضرار جسيمة لصورة إسرائيل".