صحافة دولية

قواعد عسكرية ومنطقة عازلة.. لهذا السبب ينسف الاحتلال البنايات في غزة

الاحتلال ينفذ عمليات نسف وتجريف مناطق كاملة في القطاع- الأناضول
ذكر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن "القوات الإسرائيلية تبني قواعد عسكرية في وسط غزة، كإشارة عن أنها هنا لتبقى".

وقالت الصحيفة في التقرير الذي أعده أرون بوكسرمان وأريك تولر ورايلي ميلين وباتريك كينغزلي، إن "الجنود الإسرائيليين قاموا في الأشهر الأخيرة بهدم وجرف أكثر من 600 بناية؛ من أجل بناء منطقة عازلة، وتوسيع شبكة القواعد العسكرية الإسرائيلية في غزة".

واستندت الصحيفة في معلوماتها على تصريحات مسؤولين إسرائيليين وتحليل للصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية، وهو تحرك يشي بأن إسرائيل تخطط لبقاء دائم في المنطقة.

وأضاف التقرير، أن القوات الإسرائيلية ومنذ الأشهر الأولى للحرب قامت باحتلال طريق طوله أربعة أميال عرف باسم ممر نتساريم، والذي قسم القطاع، بهدف منع مئات الآلاف من النازحين من غزة من العودة إلى الشمال".

وقد تطور هذا ببطء إلى كتلة مساحتها 18 ميلا مربعا من الأراضي التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية، وفقا للجيش الإسرائيلي وتحليل " نيويورك تايمز" لصور الأقمار الاصطناعية ومقاطع الفيديو.


وعلى مدار الأشهر الثلاثة الماضية، هدم الجنود أكثر من 600 مبنى حول الطريق، في محاولة واضحة لإنشاء منطقة عازلة، كما قاموا بسرعة بتوسيع شبكة من البؤر الاستيطانية المجهزة بأبراج الاتصالات والتحصينات الدفاعية، بحسب الصحيفة.

وتشير عمليات التوسع إلى تحول في الموقف الإسرائيلي الذي تجنب عمليات احتلال مناطق في غزة. وهو ما أدى لفراغ سمح لحماس بإعادة تأكيد سيطرتها على بعض أجزاء من غزة.

وقال الجيش إن التوسع كان لأسباب عملياتية، كما أثار التوسع تكهنات حول خطط إسرائيل لمستقبل غزة. وتعهد مسؤولون إسرائيليون بالحفاظ على السيطرة الأمنية في غزة حتى بعد الحرب، دون أن يقولوا بوضوح ما قد يتبع ذلك.

وبحسب التقرير، فإن المحليين العسكريين الإسرائيليين يقولون، إن زيادة البنية الأساسية على طول ممر نتساريم قد تخدم هذا الغرض.

وقالت الصحيفة إن السيطرة على الممر الذي يقطع غزة من الحدود الإسرائيلية إلى البحر المتوسط يعطي إسرائيل القدرة على التحكم بالحركة في القطاع، ويمنع مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين في الجنوب من العودة إلى الشمال. وفي الأشهر الأخيرة، وسع الجيش الإسرائيلي سلطته على الأراضي على جانبي الممر، والتي يبلغ عرضها حوالي 4.3 ميلا وطولها 4.3 ميلا، لتسهيل سيطرة القوات الإسرائيلية على المنطقة، كما قال المقدم نداف شوشاني، المتحدث العسكري الإسرائيلي.

وأوضح بعض وزراء حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، أن السيطرة على غزة يجب أن تكون الطريق لتجديد الاستيطان هناك. وفي الوقت الحالي استبعد نتنياهو هذا السيناريو.

وتقع مستوطنة نتساريم السابقة -التي سمي الممر العسكري باسمها- ضمن المنطقة الخاضعة الآن للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. وقالت الصحيفة إن تحليلها لصور الأقمار الاصطناعية وعلى مدى الأشهر الماضية، كشف أن إسرائيل أقامت 19 قاعدة عسكرية كبيرة على طول المنطقة وعشرات من القواعد الصغيرة.

وفي حين تم بناء بعض القواعد في وقت سابق من الحرب، فإن الصور تظهر أيضا أن وتيرة البناء متسارعة، فقد تم بناء أو توسيع 12 قاعدة منذ بداية أيلول/سبتمبر، وتم رصف العديد منها وتحيط بها جدران، مع ثكنات وطرق تقود إليها ومواقف للمركبات المدرعة. وغالبا ما تكون محاطة بخنادق دفاعية وتلال وكتل رملية ومتاريس تعيق المركبات.

ونقلت الصحيفة عن العقيد شوشاني قوله إن التوسع البري والاحتلال تم لأسباب عسكرية، وأضاف: "أي شيء تم بناؤه هناك يمكن هدمه في غضون يوم واحد".

ومع ذلك، فحجم التحصينات يشير إلى أن إسرائيل تستعد على الأقل لمعركة طويلة في غزة، بحسب التقرير.

وقال آفي ديختر، وهو وزير الأمن الغذائي في الحكومة الإسرائيلية، إن إسرائيل "ستبقى في غزة لفترة طويلة".

وأضاف ديختر بمؤتمر صحافي في القدس: "نحن بالتأكيد لسنا في بداية النهاية، لأن لدينا الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به".


بدوره، قال أمير أفيفي، وهو عميد متقاعد يتلقى إحاطات منتظمة من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، إن العديد من القادة العسكريين في البلاد يعتقدون الآن أن "الانسحاب والانفصال لم يعد خيارا".

وأضاف أفيفي الذي يترأس منتدى لمسؤولي الأمن السابقين المتشددين: "لهذا السبب يقومون ببناء كل هذا"، و"في نهاية المطاف، الحقائق تتحدث عن نفسها".

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، قام نتنياهو بجولة نادرة في ممر نتساريم. وقال في بيان إن القوات الإسرائيلية في المنطقة " تقوم بعمل مذهل"، وأضاف: "لقد حققوا نتائج ممتازة نحو هدفنا المهم - لن تحكم حماس في غزة".

 وقد عارضت إدارة بايدن احتلالا إسرائيليا طويل الأمد لغزة التي ستكون جزءا من الدولة الفلسطينية، فيما دعا الرئيس المنتخب دونالد ترامب إسرائيل إلى "إنهاء" الحرب، دون تحديد الشروط التي قد يراها مقبولة لغزة بعد الحرب.

وفي شهر آذار/ مارس، بدأ الجيش الإسرائيلي في بناء واحدة من أكبر قواعده داخل ممر نتساريم، وتوسيعها على مدار العام لتشمل المزيد من الميزات الدفاعية ونقطة تفتيش على الطريق، حسب صور الأقمار الاصطناعية.

وبناء على التحليل الذي قامت به "نيويورك تايمز"، قامت القوات الإسرائيلية بتسوية ما لا يقل عن 620 مبنى سكنيا ودفيئات زراعية ومنشآت أخرى بالأرض في الفترة ما بين 3 أيلول/ سبتمبر إلى 21 تشرين الثاني/ نوفمبر.

ونشر جنود إسرائيليون من كتيبة الهندسة القتالية 749 التابعة للجيش مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لعمليات الهدم التي نفذوها، وقد تحققت صحيفة "نيويورك تايمز" من 11 فيديو وصورتها مسيرات، وتوفر نظرة شاملة لجهود إسرائيل لإعادة تشكيل الجغرافيا جنوب مدينة غزة.

وقد تم نشرها لأول مرة من قبل يونس طيراوي، وهو صحفي فلسطيني قام بتحميلها من حسابات الجنود على وسائل التواصل الاجتماعي. وعندما سئل عن سبب هدم الجيش للمباني، قال العقيد شوشاني إن بعضها على الأقل استخدمه مسلحون فلسطينيون كنقاط مراقبة وأماكن للاختباء، بحسب التقرير.

وقال محللون عسكريون إسرائيليون إنه مع تسوية جزء كبير من المنطقة بالأرض، فإن مقاتلي حماس لن يستطيعوا أقل التسلل إلى القوات الإسرائيلية التي تقوم بدوريات على ممر نتساريم أو على البؤر الاستيطانية.


وبدأ الجنود الإسرائيليون في رصف وتحصين ممر نتساريم في أواخر العام الماضي، بعد وقت قصير من بدء الغزو البري للجيش لغزة. وفي الفترة ما بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر وحتى حزيران/ يونيو، اختفت معظم المباني الواقعة على بعد نصف ميل شمال وجنوب الطريق، ما أدى إلى إنشاء ما اعتبره الجيش الإسرائيلي منطقة عازلة.

وكانت قرية المغراقة في غزة، على بعد أربعة أميال تقريبا جنوب مدينة غزة، الأكثر تضررا. وكان يعيش في المغراقة أكثر من 10,000 شخص قبل الحرب، وتحيط بها بساتين الليمون الفواحة وحقول الطماطم والخيار، وبحلول آب/ أغسطس، دمرت القرية مع بساتينها. ولم يتبق سوى عدد قليل من البنايات في القرية واقفة، وذلك حسب صور الأقمار الاصطناعية وشهادات سكانها السابقين.

وزعم الجيش الإسرائيلي أن حماس ترسخت في المنطقة، ما استلزم بناء "بنية تحتية دفاعية لتعزيز السيطرة".

وقال بشير أبو كميل، 50 عاما، الذي فر مع زوجته وأطفاله إلى جنوب غزة في وقت سابق من الحرب، إن سكان القرية الفلسطينيين لا يمكنهم إلا أن يحلموا بالعودة إلى أرضهم.

وأضاف أبو كميل إن سكان القرية تمكنوا في البداية من العودة لتفقد منازلهم وأراضيهم. ولكن مع تزايد الوجود الإسرائيلي في المنطقة، خافوا من مجرد الاقتراب من الأنقاض، وأنه سيكون بمثابة حكم بالإعدام. وقال: "الآن لم يتبق إلا الدمار".