صحافة دولية

من يمول الانتخابات الأمريكية.. وما تأثيرهم على رؤساء الولايات المتحدة؟

تبرع إيلون ماسك لحملة لترامب دون الكشف عن المبلغ- جيتي
سلط تقرير نشره موقع "نيوز ري" الروسي، الضوء على طرق جمع الأموال والتبرعات لدعم ممثلي الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومدى تأثير المانحين والممولين على الحملات الانتخابية ورؤساء الولايات المتحدة أثناء حكمهم.

وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن ذلك التأثير ظهر بوضوح عندما قرر المانحون في معسكر الحزب الديمقراطي تجميد أموال الحملة إلى حين تسمية مرشح آخر مكان جو بايدن في السباق الرئاسي.

كيف جمد المانحون أموال حملة بايدن؟
ينقل الموقع عن صحيفة "نيويورك تايمز" أن أبرز المانحين في الحزب الديمقراطي جمدوا في 12 تموز/ يوليو 2024 مبلغا قيمته 90 مليون دولار كان مخصص كجزء من الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي لإجبار بايدن على الانسحاب من السباق الرئاسي.

أصدر المانحون الإنذار النهائي إبان المناظرة التي جمعته مع المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب. ونتيجة لذلك، فإنه في 20 تموز/ يوليو الماضي، أعرب 32 عضوًا ديمقراطيًا في الكونغرس علنًا عن معارضتهم بقاء الرئيس الحالي في الانتخابات الرئاسية، بحسب التقرير.

وفي الجانب الآخر، تبرع الملياردير إيلون ماسك لـ لجنة العمل السياسي المؤيدة لترامب، دون الكشف عن المبلغ، وقد وصفت بلومبيرغ المساهمة بأنها أكبر مما تبرع به ماسك في حملة بايدن خلال انتخابات 2020.

من يدفع تكاليف الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
وذكر الموقع أن مجموعة مختلفة من المصادر تتولى تغطية تكاليف الحملات الرئاسية في الولايات المتحدة، حيث يمكن للمرشحين الاستعانة بأموالهم الخاصة وتلقي التبرعات من الأفراد والشركات واستخدام أموال الحزب وأموال لجان العمل السياسي. وتستطيع المنظمات غير الربحية واللوبيات المشاركة في حملات التمويل.

قانونيا، لا يجب أن يتجاوز حجم التبرعات الفردية لجميع أنواع المنظمات التي تدعم أحد المرشحين الـ165 ألف دولار، غير أن الشركات الكبرى ورجال الأعمال يخصصون عشرات الملايين من الدولارات لدعم الحملات الانتخابية. وخلال الحملة الرئاسية سنة 2020، سجل الملياردير شيلدون أديلسون رقماً قياسياً بتخصيصه 172.7 مليون دولار لدعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

يتيح القانون الأمريكي لبعض اللجان والمنظمات غير الحكومية واللوبيات تلقي وإنفاق أموال غير محدودة، وفي الوقت ذاته يُمنع دعم مرشح ما أو معارضة مرشح آخر بشكل مباشر، لكن يمنحهم القانون حق الترويج لأفكار معينة وحشد المؤيدين، وفقا للتقرير.

وذكر الموقع أن الانتخابات الأمريكية تشهد استخدام "أموال مشبوهة" من "منظمات واجهة" أو أفراد يرفضون الكشف عن هوياتهم. وقد تجاوزت قيمة التمويلات الممنوحة من هذه المصادر في انتخابات 2020 المليار دولار، وذلك يعادل 10 بالمئة من إجمالي الأموال التي تم جمعها آنذاك للحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، والتي بلغت 10.8 مليار دولار.

وفي الحملة الانتخابية الحالية، جمعت كامالا هاريس أكثر من مليار دولار، منها 685 مليون دولار من اللجان السياسية، و333 مليون دولار من مصادر أخرى. بينما تلقى ترامب حتى الآن 642 مليون دولار، منها 306 ملايين دولار من اللجنة السياسية، و335 مليون دولار من مصادر أخرى.

وبالإضافة إلى إيلون ماسك، فإن قائمة ممولي حملة ترامب تشمل المؤسس المشارك لشركة "بالانتير للتكنولوجيا" جو لونسديل، ومؤسسي بورصة "جيميني" للعملات المشفرة، التوأم كاميرون وتايلر وينكلفوس.

ووفقا لمجلة فوربس، فإن بعض أكبر أثرياء الولايات المتحدة يدعمون مساعي ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، من بينهم رجل الأعمال تيموثي ميلون، الذي تقدر حجم ثروته بـ14 مليار دولار، والذي ضخ حوالي 126 مليون دولار في تمويل الحملة.

في المقابل، تحظى كامالا هاريس بدعم أكثر من 75 مليارديرًا أمريكيًا، من بينهم عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبرغ، والمخرج السينمائي ستيفن سبيلبرغ.

ما مدى أهمية تبرعات المرشحين للرئاسة؟
ينقل الموقع عن مدير معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، الخبير فاليري غاربوزوف، قوله إن رعاية المرشحين هي أحد أهم مكونات الحملات الانتخابية، ولكنها ليست حاسمة.

وأوضح غاربوزوف: "في ظل غياب المال لن تجرى انتخابات، ولن تتمكن الأحزاب من إجراء حملاتها الانتخابية. رعاية الانتخابات الأمريكية مسألة مهمة للغاية. ولكن إذا استثنينا الولايات المتأرجحة، فبغض النظر عن حجم الأموال التي ستكلفها الحملة، فإن الناخبين في ولاية موالية للديمقراطيين، لن يصوتوا لمرشح جمهوري، والعكس صحيح".

ويلفت غاربوزوف إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار تمثيل رئيس الولايات المتحدة لحزب ما، وانتماء الأغلبية في الكونغرس غالبا إلى حزب آخر، لذلك تقوم الشركات الكبرى بتمويل الحزبين بدرجات متفاوتة.

من جانبه، يقول الخبير السياسي بوريس ميزويف إن "سلوك المانحين هدفه الضغط من أجل تحقيق مصالح معينة. هناك جماعات ضغط يهودية وأخرى تنشط في مجال النفط، والأسلحة، والمال، وغيرها. في بعض الأحيان ترتبط تصرفات اللوبي بتنفيذ أفكاره وتطلعاته، وفي حالات أخرى بالقدرة على تحديد سياسة مرشح معين".

فضائح المانحين
أضاف الموقع، أن فضيحة ووترغيت تعتبر أشهر قضية تتعلق بانتهاك الانتخابات في الولايات المتحدة. ففي سنة 1972، اعتقلت الشرطة خمسة أشخاص كانوا على صلة بلجنة إعادة انتخاب الرئيس، التي دعمت الرئيس الجمهوري آنذاك ريتشارد نيكسون. تتمثل الفضيحة في التنصت على مكتب منافس نيكسون، وبعد تسريب تفاصيل الفضيحة إلى الرأي العام فإن نيكسون اضطر إلى الاستقالة في آب/ أغسطس 1974.

لم يقتصر الأمر فقط على التجسس على منافس سياسي، وفقا للتقرير، فقد تم تمويل هذه العملية وعدد من العمليات المماثلة الأخرى من صندوق سري قدمت له الشركات ورجال الأعمال التبرعات. وبعد استقالة نيكسون، شُددت السيطرة على الأموال الممنوحة للمرشحين.

في سنة 1974، أدخل الكونغرس تعديلات على قانون الحملة الانتخابية الرئاسية، ووضع قيودًا على المساهمات الفردية للمرشحين، والمساهمات المقدمة للمرشحين من قبل لجان العمل السياسي، والإنفاق المستقل من قبل الأفراد والمنظمات.

في سنة 2006، كشفت التقارير أن السياسي الجمهوري السابق توم نوي، موّل بشكل غير قانوني الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش سنة 2004.

من يموّل الحزبين؟
ذكر الموقع أن الجمهوريين يرتبطون عادة بالشركات الكبرى وصناعة النفط وإدارة البريد، بينما يحظى الحزب الديمقراطي بدعم الأقليات العرقية وشركات التكنولوجيا الكبرى ونجوم هوليوود.

في هذا الصدد يقول ميزويف: "يحظى الحزب الديمقراطي برعاية شركات التكنولوجيا الكبرى بشكل رئيسي، بينما يدعم لوبي النفط الحزب الجمهوري. لكن، مؤخرا حدثت بعض التغييرات، حيث أصبحت بعض شركات التكنولوجيا الكبرى تدعم ترامب".

وبحسب غاربوزوف، فإن الحزب الجمهوري يرتبط منذ فترة طويلة بالشركات الكبرى والشركات متوسطة الحجم، التي تسعى لفوز الحزب الجمهوري كونه يتبنى سياسات تركز على دعم رجال الأعمال وتخفيض الضرائب وتطوير آليات السوق، وتشهد أسواق الأسهم عادة فترة انتعاش مع وصول الجمهوريين إلى السلطة.

وأضاف غاربوزوف: "الحزب الديمقراطي هو حزب غالبية السكان الأمريكيين. وهو يهتم في نواحٍ عديدة بمصالح الأقليات. يتلقى هذا الحزب الدعم من الأكاديميين ونجوم هوليوود".

هل يساعد مانحو ترامب في رفع العقوبات عن روسيا؟
يرى ميزويف أن رفع العقوبات عن روسيا سيناريو مستبعد نوعا ما لأنه يخدم مصالح لوبي النفط والغاز الأمريكي، بحسب ما أورده التقرير.

ويضيف: "مع ذلك، فإن تطبيع العلاقات مع روسيا أمر وارد باعتبار مناهضة غالبية الجمهوريين للصين، وهو ما سيدفعهم للعمل بجد على فصل روسيا عن الصين. في ما يتعلق بالقضية الأوكرانية، من المنتظر اتخاذ خطوات نحو التطبيع مع روسيا، حتى في حال انتخاب هاريس، لكن التطبيع سيكون أسرع في حال انتخاب ترامب".

في المقابل، يتبنى غاربوزوف وجهة نظر مغايرة لافتا إلى عدم ممارسة اللوبيات ضغطا على ترامب من أجل إقامة معاملات تجارية مع روسيا طيلة فترة رئاسته السابقة، مشيرا إلى أنه في العلاقات الروسية الأمريكية، تأتي المشاكل الجيوسياسية على رأس الأولويات.

ويقول غاربوزوف في هذا السياق: "الشركات الأمريكية نفسها تغادر روسيا ولا تخطط للاستثمار هناك. وعليه فإنه من غير المرجح توقع استعادة العلاقات الاقتصادية، حتى في حال فوز ترامب في الانتخابات القادمة".