شدد تقرير نشرته صحيفة "
واشنطن بوست" على أن التصعيد الإسرائيلي في قطاع
غزة ولبنان أصبح يشكل نقطة ضعف في حملة المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأمريكية كامالا
هاريس، وذلك في ظل اقتراب موعد إجراء الانتخابات في الخامس من تشرين الثاني /نوفمبر المقبل.
وقال التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الرئيس الأمريكي جو
بايدن ونائبته كامالا هاريس، كانا يأملان في أن يظل العنف المستمر في الشرق الأوسط يغلي تحت السطح في الأسابيع الأخيرة من السباق الرئاسي، إلا أن الهجمات العسكرية الإسرائيلية الجديدة تجعل ذلك مستحيلا، كما يقول المسؤولون الأمريكيون ومساعدون في الحملة الديمقراطية.
وأضافت الصحيفة أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين
نتنياهو قام بإشعال النار في قطاع غزة بحملة قصف متجددة وشن غزوا بريا على لبنان إلى جانب الغارات الجوية في بيروت بهدف القضاء على حزب الله. ومن المتوقع أن يأمر بشن هجوم على المنشآت العسكرية الإيرانية ردا على هجومها الصاروخي على إسرائيل هذا الشهر.
وأشارت إلى أن التصعيد أدى إلى تعطيل جهود إدارة بايدن التي دعت في البداية إلى وقف للنار في لبنان، ولكنها تخلت عنه بعد تسعة أيام وأيدت علنا الغزو البري الإسرائيلي.
ولفتت إلى أن كسر الرقبة الذي تعرضت له الإدارة أدى إلى حالة من الفزع والارتباك بين حلفاء واشنطن الأوروبيين والعرب الذين يضغطون على
الولايات المتحدة لكبح جماح أقرب حلفائها في الشرق الأوسط. لكن مسؤولي الإدارة عبروا عن تردد دائم من الدخول في معركة علنية في مثل هذه اللحظة السياسية الهشة.
ونقلت الصحيفة عن فرانك لوينشتين، حليف بايدن والمفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط أثناء إدارة أوباما، قوله إنه "من الواضح أنهم يريدون تجنب أي مواجهة علنية مع نتنياهو بشأن لبنان أو غزة يمكن أن تؤدي إلى رد فعل سلبي من أنصار إسرائيل قبل الانتخابات".
وأضاف: "في نفس الوقت، فهم واعون لخسارة الصوت العربي الأمريكي المهم في الولايات الرئيسية المتأرجحة لو استمروا في خطابهم الميال وبشكل كبير نحو إسرائيل".
وردت الإدارة في عدد من البيانات على سلسلة من الحوادث الأخيرة التي أثارت ردود فعل دولية عنيفة، بما في ذلك الهجمات الإسرائيلية على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان وقصفها المميت لمستشفى الأقصى في غزة والذي أشعل النيران في خيام النازحين القريبة منه، فيما يشير تقرير للأمم المتحدة إلى عدم دخول أي طعام إلى شمال غزة منذ ما يقرب من أسبوعين.
ومع ذلك، فقد كانت بيانات الإدارة حذرة لمنع أي مواجهة أو ردة فعل حادة من نتنياهو، وفقا للتقرير.
وحسب الصحيفة، فقد جاءت الفرصة الأخيرة للقيام بذلك يوم الثلاثاء، عندما نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية محتويات رسالة سرية من وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن يحثان فيها إسرائيل على السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة أو مواجهة قيود محتملة على المساعدات العسكرية الأمريكية.
وفي غضون ساعات من الكشف عن الرسالة، أوضح المتحدثون باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية أنه "لم يكن المقصود أن تظهر بمظهر تهديد"، وأنه لن يتم اتخاذ أي إجراء خلال الثلاثين يوما القادمة، وهو ما يشي أن أي عقوبات لن تتم إلا بعد الانتخابات، كما ورفض المتحدثون باسم الإدارة القول فيما إن كانت القيود على الأسلحة لا تزال مطروحة على الطاولة.
واعتمدت الصحيفة، في روايتها عن ارتباك وتلبك الإدارة وتوسع العنف في الشرق الأوسط وخلال الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية الرئاسية على مقابلات مع أكثر من عشرين مسؤولا أمريكيا وأوروبيا ومن الشرق الأوسط بالإضافة إلى مسؤولين في حملة هاريس.
ووصف المسؤولون سياسة أمريكية مرتجلة من إسرائيل في حرب إقليمية آخذة في الاتساع، في وقت لم تترك هذه السياسة إلا أثرا هامشيا على سلوك نتنياهو.
وقالت الصحيفة، إن توسع الحرب وتصاعدها بالمنطقة أثار قلق المسؤولين في حملة هاريس، التي ترى أن صور المدنيين القتلى تعقد طريقها نحو النصر في الولايات المتأرجحة الرئيسية التي تضم عددا كبيرا من العرب والمسلمين الأمريكيين.
ونقلت الصحيفة عن مستشار للحملة قوله: "إنه مصدر قلق كبير، هو ما يتعلق بالناس الذين يقولون: لا أستطيع دعم أي شخص يساعد على الإبادة الجماعية".
وتؤكد إدارة بايدن أن نقادها يقللون من الدور الذي لعبته بالحد من حجم الغزو الإسرائيلي للبنان ودورها بزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة ومنعها حربا واسعة مع إيران.
فيما يقول المسؤولون الأمريكيون، حسب التقرير، إنهم حثوا وبشكل دائم نتنياهو لتجنب قصف بيروت وتقليص هجومه المضاد المخطط له على إيران والذي يخشى البعض أنه قد يشمل استهدافا للمنشآت النووية أو النفطية، وهو احتمال قد يقلب الاقتصاد العالمي رأسا على عقب.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميللر يوم الثلاثاء: "انظروا إلى سجلنا في التدخل لإدخال المساعدات الإنسانية" و"عندما رأينا النتائج لا ترقى إلى مستوى المعايير التي توقعناها، تدخلنا فيها".
وبعيدا عن هذه التصريحات، فإن تقييمات الإدارة الأمريكية الخاصة تظهر أن الدعم الإنساني الذي وصل إلى غزة تراجع بنسبة 50% منذ الربيع.
وفي لبنان، استأنفت إسرائيل غاراتها على الضاحية الجنوبية لبيروت وقصفت النبطية وقتلت رئيس بلديتها، في وقت يقول فيه المسؤولون الإسرائيليون إنهم لن يبلغوا المسؤولين الأمريكيين بشأن الأهداف التي يضربونها في لبنان حيث نزح أكثر من مليون نسمة وقتل أكثر من 2,000 شخص.
وفي الوقت نفسه تعهد نتنياهو بضرب حزب الله و"بلا رحمة" في كل مكان وبيروت أيضا. وتشير الصحيفة إلى أنه لم يُتخذ قرار نهائي بشأن الأهداف للغارة المتوقعة خلال الأيام المقبلة ضد إيران. وفي غزة، أقر معظم المسؤولين الأمريكيين بأن الجانبين لن يتوصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بشأن الأسرى مع نهاية العام.
وقد دفعت هذه المعضلة المسؤولين الحاليين والسابقين إلى التفكير في الكيفية التي ستخرج منها واشنطن من هذا المستنقع، حسب التقرير.
ويرى أندرو ميلر الذي استقال من منصبه كأهم مسؤول في الخارجية موكل بالموضوعات الإسرائيلية- الفلسطينية، أن الولايات المتحدة تسرعت عندما قبلت توسيع إسرائيل للعمليات العسكرية دون فهم نطاقها.
وفي مقابلة معه، قال: "ما فعلناه من تأييد الحملة العسكرية الإسرائيلية قبل فهم ما إذا كان لدى إسرائيل استراتيجية خروج قابلة للتطبيق، ترك أثره"، مضيفا: "لا أعتقد أن هناك أي شخص في الإدارة يمكنه أن يقول بصراحة أن إسرائيل لديها مسار نهائي واضح".
وفي داخل حملة هاريس، حسب التقرير، فإن هناك مخاوف شديدة بشكل خاص في ميشيغان، موطن واحدة من أكبر التجمعات السكانية العربية الأمريكية والمسلمة في البلاد، مع حوالي 300,000 شخص يقولون إنهم من أصول من شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط.
وتظهر استطلاعات الرأي، أن هاريس ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب متعادلان في ولايات أخرى مهمة ستحسم نتائج الانتخابات، لكن أسهل طريق نحو النصر هو فوز هاريس بولايات "الجدار الأزرق"، وهي ميشيغان وبنسلفانيا وويسكنس. وتظل حظوظها قليلة إن لم تفز بولاية ولفرين التي ستعقد فيها خمس مناسبات انتخابية خلال الأيام الثلاثة القادمة هذا الأسبوع.
وعندما دخلت هاريس السباق لأول مرة، عبر المستشارون لها عن أملهم في أن يساعد حديثها المختلف نوعا ما عن بايدن وإشارتها القوية لمعاناة الفلسطينيين، على كسب قطاع كبير من الناخبين العرب الأمريكيين والمسلمين الغاضبين من دعم الإدارة لإسرائيل. إلا أن الحصول على دعمهم أصبح صعبا مع تصعيد إسرائيل الحملات العسكرية وبدعم أمريكي.
وأشارت الصحيفة إلى محاولة البيت الأبيض الفاشلة لتحقيق وقف إطلاق النار في لبنان وبدعم فرنسي. وكانت الإدارة متفائلة بناء على إشارات "إيجابية" من نتنياهو ولبنان، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب من قواته الضرب وبأقصى قوة.
وقال مسؤولون إسرائيليون إن نتنياهو لم يكن مهتما أبدا بوقف إطلاق النار وأن سوء فهم حدث بين البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء. وبدورهم يقول المسؤولون الأمريكيون إن نتنياهو غير رأيه، إما نتيجة لضغوط من حكومته اليمينية أو بعد تلقيه معلومات استخباراتية قابلة للتنفيذ حول مكان وجود زعيم حزب الله، حسن نصر الله.
ووجد نتنياهو أن هناك فرصة للبناء على قتل قيادة حزب الله، وأمر بغزو بري في 1 تشرين الأول/أكتوبر والهدف هذه المرة تدمير البنى التحتية للحزب ووقف الغارات الصاروخية على إسرائيل.
وبحسب التقرير، فإن مسؤولي الإدارة الأمريكية، أعربوا عن غصبهم في أحاديثهم الخاصة من تهديدات نتنياهو للشعب اللبناني وأنها قد توحده بدلا من تثويره ضد حزب الله. وقال مسؤول إن نتنياهو هو "بشكل لا يصدق رسول فاشل".
ومع ذلك فقد وافق بايدن ومستشاروه البارزون واتفقوا مع فرضية نتنياهو القائلة بأن إضعاف حزب الله يمكن أن يكون فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي اللبناني بدون حزب الله وتعيين رئيس جديد.
وقال مسؤولون مطلعون على الأمر، وفقا للصحيفة، إن التوغل المحدود كان مدعوما من بلينكن وعاموس هوكشتاين، مبعوث بايدن للبنان ووزير الدفاع، أوستن ومنسق شؤون الشرق الأوسط بالبيت الأبيض، بريت ماكغيرك ومستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان.
وكما هو الحال مع الوعود الإسرائيلية الأخرى، توسعت المهمة، بما في ذلك القصف الكبير للبلدات والقرى الذي أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين، وهو الأمر الذي يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يعارضونه بشدة.
وفي النهاية يشكك المحللون من قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على تحقيق الأهداف العليا في لبنان وقبل رحيل بايدن عن البيت الأبيض. وبحسب أندرو ميلر، المسؤول السابق بوزارة الخارجية: "لا أعتقد أن هناك ما يكفي من الوقت لإنجاز ذلك" و"على أكبر تقدير، من المحتمل أن يتم تعيين رئيس جديد، ولكن حتى ذلك سيكون صعبا جدا".