شنت
إيران هجوما صاروخيا واسعا على دولة
الاحتلال، حيث أعلن الحرس الثوري الإيراني، في بيان، عن ضرب "أهداف" في
إسرائيل بـ"عشرات" الصواريخ، انتقاما لكل من
حسن نصر الله وإسماعيل
هنية.
ونشرت صحيفة "
الغارديان" مقالا لمؤسس
"مؤسسة البورصة والبازار"، وهي مؤسسة بحثية تركز على صنع السياسات
الاقتصادية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إسفنديار باتمانغيليج، قال فيه إن قادة
إيران وجدوا أنفسهم، الأسبوع الماضي، في موقف مألوف.
كانت
الغارة الجوية الإسرائيلية التي قتلت
زعيم حزب الله حسن نصر الله هي الأحدث في سلسلة من الاغتيالات لشخصيات بارزة
مرتبطة بالنظام.
وفي بيان قصير رثى فيه نصر الله، أعلن المرشد
الأعلى الإيراني علي خامنئي أن "إسرائيل لم تنتصر" بتنفيذ الضربة على
نصر الله، والتي وصفها بأنها "فظاعة" وأصر على أن إسرائيل ستواجه ضربات
"أكثر سحقا" انتقاما. لكن هذه الضربات ستأتي من مجموعات "جبهة
المقاومة" وليس من إيران نفسها.
لقد أدى غياب أي تعهد مباشر بالانتقام في بيان
خامنئي إلى مخاوف بين العديد من الناس في طهران من أن إسرائيل تكشف عن الضعف
الإيراني.
ولتخفيف هذه المخاوف، ورد أن قائدا في الحرس
الثوري الإسلامي أطلع البرلمانيين الإيرانيين على أن الضربة الناجحة على نصر الله
لم تقلل من قدرات حزب الله.
ومع ذلك، فإنه ليس كل السياسيين والمحللين في إيران
مقتنعين. فقد اقترح علي مطهري، عضو البرلمان الإيراني، أن إسرائيل تجرأت على قتل
نصر الله لأن إيران فشلت في الرد بشكل حاسم بعد اغتيال الزعيم السياسي لحماس،
إسماعيل هنية، على الرغم من تعهدها بالانتقام.
وإن افتقار إيران إلى الرد الحاسم تجاه
إسرائيل يعكس عاملين؛ أولا، تفتقر إيران إلى خيارات جيدة عندما يتعلق الأمر بالرد
على إسرائيل، وهي دولة تتمتع بجيش تقليدي أقوى بكثير وقدرات سيبرانية وتجسسية
واسعة النطاق ورادع نووي. وحتى وابل الصواريخ والمسيّرات غير المسبوق الذي أطلقته
إيران على إسرائيل في نيسان/ أبريل كان محسوبا لتجنب المزيد من التصعيد.
وثانيا، أصبح صناع القرار الإيرانيون، الذين
يدركون أنهم يفتقرون إلى الخيارات الجيدة، أكثر عزوفا عن المخاطرة في وقت تستمر
فيه إسرائيل في رفع الرهانات.
وقد يكون حذر إيران مفاجئا، نظرا لأنها
تُصوَّر في كثير من الأحيان على أنها دولة تغذي الأيديولوجية اللاعقلانية. والواقع
أن القادة الإيرانيين يبدون محاصرين بعقلانيتهم وهم يجلسون على الطاولة في مواجهة
خصم على استعداد للمقامرة بجرأة متزايدة. ويدرك خامنئي أن أوراقه سيئة، وأنه انسحب
مرارا وتكرارا في مواجهة الضغوط الإسرائيلية. وبذلك، منع إيران من الانجرار إلى ما
كان ليتحول إلى حرب مدمرة بكل تأكيد.
ولكن كومة أوراق القوة التي كانت إيران
تمتلكها في السابق تتضاءل.
والواقع أن النهج الإيراني له تفسير تاريخي
واضح. فعلى النقيض من إسرائيل، الدولة التي تشكلت من خلال التعبئة المتكررة
والدائمة للحرب، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمثل مشروعا سياسيا ملتزما
بعدم التعبئة. في حين تم تعزيز الحكومة الدينية والهياكل العسكرية في البلاد من
خلال "الدفاع المقدس" عن الأراضي الإيرانية خلال الحرب الإيرانية
العراقية، فإن العقد الاجتماعي الذي نشأ بعد الحرب ركز على فكرة أن تلك الكوابيس
لن تتكرر.
ووعدت القيادة الدينية في إيران مواطني البلاد
بالأمن والازدهار - وهو التزام ثقيل في منطقة تعاني من الحرب والحرمان. وفي كثير
من النواحي، فشل قادة إيران في الوفاء بهذا الوعد. لقد تقوض الازدهار بسبب عزلة
البلاد في ظل العقوبات الأمريكية. كما أنه تقوض الأمن بسبب القمع الذي فرضته الدولة
على شعبها، وخاصة النساء الإيرانيات.
ولكن خامنئي، الذي كان رئيسا لإيران خلال
الصراع الذي دام ثماني سنوات مع العراق، نجح في إبقاء الحرب تحت السيطرة، حتى مع
الدمار الذي حل بأفغانستان والعراق وسوريا المجاورة، وحتى مع استمرار كبار الساسة
في الولايات المتحدة وإسرائيل في التهديد بغزو حاسم لإيران.
إذا انجرت إيران إلى حرب مع إسرائيل، فسوف
يمثل ذلك نهاية المشروع السياسي الذي ترأسه خامنئي لمدة 35 عاما. وهذا يعني أن
إيران لا تستطيع، على الرغم من صلاح حكومتها الدينية المزعوم، أو المزايا الواضحة
لوطنيتها، التغلب على قوى التحول في الشرق الأوسط. وعلى النقيض من ذلك، تبنت
إسرائيل التحول. وأطلقت على العملية للقضاء على نصر الله اسم "النظام
الجديد"، وهو ما يعكس استخدام إسرائيل للتدمير كقوة إبداعية.
لا شك أن حزب الله يشكل تهديدا للأمن
الإسرائيلي. ومع ذلك، فقد قضت إسرائيل على زعيم ظل مترددا في الدخول في حرب أوسع
نطاقا. وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لإيران، حيث أصبح قادتها أكثر صراحة بشأن
نفورهم من الصراع.
في مؤتمر صحفي عقد في الجمعية العامة للأمم
المتحدة الأسبوع الماضي، صرح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأن إيران
"مستعدة لوضع كل أسلحتها جانبا طالما أن إسرائيل مستعدة للقيام بنفس
الشيء". لكن إسرائيل لن تتخلى عن أسلحتها إذا كانت تعتقد أن هذه الأسلحة يمكن
أن تعيد ترتيب ميزان القوى الإقليمي لصالحها.
ومن المثير للقلق أنه في حين فشلت الصواريخ
والمسيّرات الإيرانية في ردع إسرائيل، فإن هناك سلاحا آخر يدعو بعض المحللين الإيرانيين
إيران إلى تطويره. وهو سلاح قد يكون أكثر ملاءمة لتعزيز الموقف الدفاعي الإيراني
لأنه لا يحتاج إلى استخدامه ليكون فعالا. إيران دولة على عتبة الحصول على قنبلة
نووية.
بعد عقدين من التصعيد النووي، تمتلك إيران
المرافق والمعرفة اللازمة لبناء قنبلة نووية. يمكن أن يعيد السلاح النووي ترسيخ
الردع مع إسرائيل، ما يسمح لإيران بتجنب الانجرار إلى صراع واسع النطاق، وتوفير
زخم جديد للمفاوضات لتهدئة الصراع في المنطقة.
لكن بناء قنبلة من شأنه أن يمثل مقامرة جريئة،
وهي المقامرة التي رفض خامنئي منذ فترة طويلة القيام بها. إذا قدر القادة
الإسرائيليون أن إيران تبني سلاحا نوويا، فإنهم سينفذون ضربة عسكرية لمنع هذه
النتيجة، على الأرجح في شكل عملية مشتركة مع الولايات المتحدة.
ولكن ليس هناك ما يضمن نجاح مثل هذه الضربة.
وكما لاحظت الخبيرة النووية كيسلي دافنبورت في وقت سابق من هذا العام، فإنه "نظرا
لأن إيران تمتلك بالفعل القدرة على تطوير الأسلحة النووية، فإن الانتكاسات الناجمة
عن ضربة عسكرية ستكون مؤقتة لأن إيران تمتلك المعرفة اللازمة لإعادة بناء البرنامج".
بعد الغارة الجوية المشؤومة في بيروت، لم تكن
الحجة لصالح امتلاك إيران لسلاح نووي أقوى من أي وقت مضى. ولكن خامنئي قد يفتقر
إلى العزيمة اللازمة للسعي لتحقيق الردع النووي. وغالبا ما يكافح اللاعبون
العقلانيون للقيام بمغامرات خطيرة.