ملفات وتقارير

جنوب لبنان | هل وصل الجميع للخطوة صفر من الحرب الشاملة؟

الاحتلال هدد مرارا بفتح جبهة جنوب لبنان- الأناضول
على وقع طبول الحرب التي تقرعها تصريحات ساسة الاحتلال، تجتاح المنطقة موجة تصعيد عسكري كان أبرزها الغارات التي استهدفت فجر الاثنين عدة مواقع وسط سوريا، بموجة من 15 غارة.

وتزامن القصف العنيف على سوريا مع تحركات عسكرية لجيش الاحتلال، وتهديدات علنية بالاتجاه نحو الشمال قريبا، بالإضافة لانعدام فرصة نجاح صفقة التبادل، الأمر الذي كانت تعول عليه واشنطن للتهدئة.

فهل باتت الحرب الشاملة على الأبواب في ظل المعطيات على الأرض والمواقف المتشابكة؟

مؤشرات الحرب
سوريا.. جزء من الحملة
لم يكن الهجوم الإسرائيلي على سوريا هو الأول من نوعه، لكنه كان جزءا من الاستعدادات لحملة كبيرة على لبنان، وفقا للمحلل العسكري بصحيفة يديعوت أحرنوت رون بن يشاي.

ووصف المرصد السوري لحقوق الإنسان الهجوم بأنه الأوسع والأكثر تدميرا، فقد استهدفت الغارات منطقة البحوث العلمية بمصياف، وموقع حير العباس، وموقعين آخرين بمنطقة الزاوي في ريف مصياف، ما أدى إلى اندلاع حرائق في المواقع المستهدفة، بالإضافة إلى جسم عائم في البحر قبالة سواحل بانياس.

وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ مطلع العام 2024، 64 مرة قامت خلالها "إسرائيل" باستهداف الأراضي السورية، 47 منها جوية و 17 برية، أسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 140 هدفاً ما بين ومستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات.

كما تحدث المرصد عن هبوط طائرات شحن عسكرية أمريكية مرتين خلال الأيام الماضية في قاعدة "خراب الجير" بريف رميلان شمال الحسكة، قادمة من داخل الأراضي العراقية، محملة بمعدات عسكرية ولوجستية وجنود، بالتزامن مع تحليق الطيران المروحي والمسيّر التابع للقوات الأمريكية في أجواء المنطقة.

ويأتي ذلك في إطار الاستعدادات لتحصين القواعد ضد هجمات إيرانية متوقعة.


جبهة الجنوب المشتعلة
بشكل ملحوظ، تصاعدت العمليات العسكرية جنوب لبنان، خلال الأيام الماضية، ففي 48 ساعة الماضية شن حزب الله نحو 15 هجوما بالصواريخ والطائرات المسيرة على عدد من مواقع الاحتلال، أبرزها كانت المسيرة التي انفجرت في منزل بنهاريا.



وأعلن حزب الله شن مقاتليه هجوما جويا بأسراب من المسيرات ‌‏الانقضاضية على مقر قيادة لواء غولاني ومقر وحدة إيغوز 621، والمقر المستحدث لقيادة اللواء الغربي في جنوب ثكنة يعرا بصلية من ‏صواريخ ‏الكاتيوشا.

كما أكد أن مقاتليه استهدفوا "بالأسلحة الصاروخية والمناسبة" موقع حبوشيت، والتجهيزات ‏التجسسية في موقع الرمثا في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة، بالإضافة إلى استهدافهم انتشارا لجنود ‏الاحتلال الإسرائيلي في محيط موقع المطلة.



تهديدات صريحة
طيلة الفترة الماضية، كان الاحتلال يبدو أقل رغبة بفتح جبهة لبنان، من الآن، فقد أصدر رئيس حكومة الاحتلال تعليمات للجيش وجميع قوات الأمن بالاستعداد لتغيير الوضع في الشمال، وفقا لصحيفة معاريف الإسرائيلية.

وعلى خطى نتنياهو، أكد وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن الجيش مستعد لنقل مركز الثقل العسكري من قطاع غزة نحو الجبهة الشمالية بسرعة، تحسبا لأي سيناريو، في إشارة إلى تصاعد ضربات حزب الله اللبناني.

كما تحدث جيش الاحتلال، الاثنين، عن خطط جاهزة لمهاجمة لبنان.



فقد قال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي اليوم، إن الجيش يعمل بقوة في الشمال، وفي حالة تأهب عالية مع خطط عملياتية جاهزة، بحسب تعبيره.

وأضاف هليفي أن الجيش مستعد لأي مهمة قد يطلب منه تنفيذها.

ووصف رئيس الأركان الإسرائيلي استهداف حزب الله لمبنى سكني في مدينة نهاريا بساحل الجليل الغربي بطائرة مسيرة بأنه حادث خطير.

عضو لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، نسيم فاتوري، رفع من حدة التهديدات، عندما قال إن اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان "مسألة أيام فقط".

وأضاف فاتوري، عضو حزب الليكود الحاكم: "عندما تندلع الحرب، فإن الضاحية الجنوبية في بيروت ستكون مثل غزة"، بحسب زعمه.

يقول الكاتب والباحث كمال السراي، إن فكرة الحرب الشاملة رهان كبير لنتنياهو، فهي التي تبعد عنه شبح نهاية مشواره السياسي، كما تدفع بحلفائه في الولايات المتحدة للتدخل أكثر في الحرب.

وأضاف في حديث لـ "عربي21"، أن سياسة التوريط التي استخدمها نتنياهو تتم عبر فرض الأمر الواقع، فمن كان يتخيل أن تستمر حرب غزة كل هذا الوقت دون الإفراج عن الأسرى الذين قتل الكثير منهم، مبينا أن التعويل على الأصوات الرافضة لمواجهة نتنياهو واليمين المتشدد رهان خاسر.

وأردف السراي، بأن إسرائيل فقدت أهم عناصر بقائها، وهي قوة الردع، ولم تستطع استعادتها في غزة بعد 11 شهرا من الحرب، لذا فإن حربا في لبنان قد تشترك فيها الولايات المتحدة بصورة ما، يمكنها إعادة شيء من تلك الصورة التي حطمتها حماس.

زيارة سرية
بالتزامن مع ذلك، أجرى قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي "سنتكوم"، الجنرال مايكل إريك كوريلا، مباحثات مع مسؤولين إسرائيليين حول التطورات مع لبنان وإيران، في ظل تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة منذ أكثر من 11 شهرا.

وقال جيش الاحتلال في بيان له الاثنين، إن "كوريلا وصل إلى تل أبيب الأحد، والتقى رئيس الأركان هرتسي هاليفي لإجراء تقييم للوضع، دون أن يوضح مدة زيارته".

وأضاف: "تتناول زيارة الجنرال كوريلا بحث التهديدات القائمة، مع التركيز هذه المرة على الساحة الشمالية من لبنان وإيران".

وزار كوريلا مقر قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي برفقة قائدها الميجر جنرال أوري غوردين، وأجرى تقييما للوضع في غرفة العمليات الخاصة بالقيادة، حيث طُرحت عليه هناك الخطط العملياتية للجيش الإسرائيلي في لبنان، وفق بيان الجيش.

وأكد الجيش أنه "سيستمر في ترسيخ علاقته مع الجيش الأمريكي انطلاقًا من التزامه بتعزيز الاستقرار الإقليمي والتنسيق بين كلا الجيشين".

سراب الصفقة
بشكل غير معلن ربط الكثير من المحللين التصعيد سواء مع لبنان أو إيران بجهود صفقة التبادل بين حماس والاحتلال، كما ذكر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن عمليات الحزب ستتوقف حال إيقاف العدوان على غزة.

ومع بوادر تلاشي الأمل بنجاح المفاوضات على لسان الوسطاء يبدو أن احتمالية التهدئة باتت بعيدة وأن الجميع ماض في التصعيد وعلى رأسهم نتنياهو.


انعدام الخيارات
في المقابل، باستثناء المقاومة في غزة تبدو كل الأطراف غير مستعدة للتعامل مع سيناريو الحرب المفتوحة، إلا أن هذا الخيار قد يرغم عليه الجميع مع وصلوهم للمسافة صفر، واستحالة التراجع أو الاستمرار بالوضع الراهن.

وربما يكون نسيم فاتوري، عضو لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، أكثر المتحدثين بما يجول في عقل رئيس حزبه بنيامين نتنياهو صراحة، حيث قال، إنه "لا طريق آخر كما أن نتنياهو له الرأي ذاته وهذا ما سيحدث في الأيام المقبلة".

وزعم فاتوري، أن "نتنياهو أحاط المسؤولين العسكريين الأحد، وأخبرهم بأن هذه المعركة يجب أن تنتهي".

بدوره، يقول كمال السراي لـ "عربي21"، إن الحرب الشاملة ليست من مصلحة محور المقاومة وربما تستثمر إيران هذه الورقة لتقوية موقفها التفاوضي في ملفات عدة.

وأضاف، أن لدى محور المقاومة لديه إمكانيات لمواجهة الحرب الشاملة، وأول هذه الإمكانيات إرادة القتال وتوزيع أطراف المحور جغرافيا، والقدرة على المناورة والمطاولة في عدة ساحات فالحرب حينها لن تنحصر في منطقة واحدة.

كما سيسعى المحور لتوسيع نطاق المعركة حال اندلاعها بشكل مفتوح لتتعدى الساحات المعروفة، كما جرى في أيار/ مايو الماضي، عندما أعلنت جماعة تطلق على نفسها المقاومة الإسلامية في البحرين "سرايا الأشتر" قصف إيلات بطائرة مسيرة، وفق السراي.

وتابع، "عندها لن تكون القواعد الأمريكية في العراق ولا في الخليج بمأمن وربما سيغلق مضيق هرمز بالإضافة لباب المندب، ولك أن تتخيل حجم هذا التأثير على العالم ككل.

وختم السراي قائلا، إن الولايات المتحدة لا ترغب باندلاع الحرب الشاملة كما يقول جميع المسؤولين بشكل متكرر، كذلك الحال مع إيران، خصوصا أن اشتعال المنطقة سينتج حربا يشترك فيها الجميع سواء راغبين أو مرغمين.


ليست مصلحة إسرائيلية
ورغم تفرد نتنياهو بالمشهد السياسي في دولة الاحتلال، وعدم سماعه لأصوات التهدئة سوارا تلك الداعية للصفقة أو الرافضة للحرب في الشمال، ظهرت أراء تتحدث عن صعوبة اندلاعها رغم دفع نتنياهو واليمين المتشدد لتفجير المنطقة.

تقول صحيفة معاريف الإسرائيلية أن شن حرب في الجبهة الشمالية يحتاج لإجراء مناقشة إستراتيجية تخص عمليات القتال في لبنان.

وبحسب تقرير للصحيفة، فإن هناك العديد من ا لعقبات أمام نتنياهو لشن تلك الحرب رغم إدراك المؤسسة الأمنية ضرورة شن عملية واسعة النطاق في لبنان وفرض واقع جديد على الأرض.

ومن أبرز تلك المعوقات، عدم إكمال "الجيش لمهمته في غزة حيث لم يهزم حماس هزيمة نهائية، فما زال هناك قرابة 101 محتجز في القطاع والكثير من القوات على الأرض"، بحسب الصحيفة.

كما أشارت إلى أن "الجيش الإسرائيلي غير مبني على حرب طويلة تمتد لسنوات، مبينة أن "سحب المزيد من الموارد والطاقة في القتال سيكون على حساب القطاعات الإسرائيلية الأخرى".

وأضافت، أن إسرائيل تفتقد لشرعية دولية تغطي شن هذه العملية خاصة وأن الولايات المتحدة منشغلة بالانتخابات الرئاسية.

حديث الصحيفة يتطابق مع رأي رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك، الذي قال إن حربا شاملة مقابل حزب الله اليوم "يمكن لها أن تتوسع إلى حرب إقليمية"، مؤكدا أن "ذلك خطأ استراتيجي كبير سيكون له ثمن مؤلم وثقيل"، وفقا لما نقلته صحيفة "إسرائيل اليوم".

وأضاف، باراك، أن "إسرائيل" تتعثر بلا استراتيجية ولا خطة عمل في قطاع غزة، وهي أقرب إلى الهزيمة من النصر الكامل".