"حيث مافحالناش، مغانركبوش فالبابور، خرجنا بالليل، من مرسى الناظور.." بكلمات هذه الأغنية، الحاملة في معانيها كافّة الأسى، لواقع بات يدقّ ناقوس الخطر؛ تنشر عدّة صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، في
المغرب، جُملة مقاطع، توثّق لما تصفها بـ"مغامرة الحياة الأفضل، للهجرة سباحة"؛ فيما تُظهر من استطاع العبور نحو الضفّة الأخرى، بمظهر "البطل الذي يجب الاحتذاء به".
الكلمات التي تعني: "لأنّنا فقراء، لن نستطيع ركوب القوارب، خرجنا ليلا وعبرنا سباحة.."، باتت خلفية، لمقاطع تحمل تفاصيل "رحلة خطرة" لقاصرين مغاربة، اختاروا عبور شاطئ مدينة الفنيدق (شمال المغرب)، للوصول غير المضمون إلى سبتة، وهي مدينة مغربية خاضعة للحكم الإسباني.
رصدت "عربي21" عدّة صفحات تحظى بتفاعل مُتسارع، تُحرّض بالصوت والصورة، على هجرة القاصرين، نحو الضفّة الأخرى، من خلال بثّ مقاطع تُشجّعهم على تعلّم السباحة، وتشير لهم إلى أن مسافة 6 كلم، الفاصلة بين الضفّتين، من السّهل عبورها؛ مُتغافلين كون المسافة نفسها، باتت تُعدّ "مقبرة الشّباب" بحسب وصف أهالي المنطقة أنفسهم.
"السمّ بالعسل"
تشير المقاطع التي تشهد تداولا وسط القاصرين، وتمزج "السّم بالعسل" وفق عدد من المعلّقين عليها، إلى أن "بلوغ سن الرشد في سياق
الهجرة السرية، يعقّد الوضع الاجتماعي للشّباب؛ وأن القانون يعامل القاصرين بتسامُح نسبي، حيث يتم إدماجهم في مؤسسات الرعاية الاجتماعية وتقديم الحماية لهم".
وتتحدّث المقاطع نفسها، على أن: "سن الثامنة عشر، يُشبه العدّ العكسي لهروب الشباب من واقعهم؛ والنهاية لأحلامهم بالهروب إلى: الفردوس المفقود"، ما يدفعهم لرمي أجسامهم الصغيرة في البحر، في رحلة غالبا ما تنتهي بالموت، أو مُطاردة مع الأمن، والعودة مرّة أخرى للمغرب، بحُلم محطّم وآمال خائبة.
وعاشت المنطقة، ليلة الأحد 25 آب/ أغسطس، على إيقاع مُطاردات بين قوات الأمن بمدينة الفنيدق، ومئات الشباب (مغاربة وجنسيات أخرى أتت للمغرب بحثا عن فرصة للهجرة السرّية)، حيث أحبطت مُحاولاتهم للهجرة السرية، سباحة؛ فيما كانوا يُحاولون استغلال كثافة الضّباب وتوافد الزوار الذي تشهده المدينة، لمباغتة القوات المكلفة بحراسة الشواطئ والارتماء في البحر.
وبحسب معلومات توصّلت بها "عربي21" تم ضبط أكثر من 700 مرشح للهجرة السرية، فيما تم نقل القاصرين منهم نحو مركز الرعاية الاجتماعية، المتواجد في مدينة مرتيل، ناهيك عن تفعيل المتابعة القضائية بحق الراشدين، خاصّة الذين ثبتت في حقهم حالة "العود" (تكرار المُحاولة).
كذلك، على خلفية التنسيق الثنائي بين السلطات المغربية ونظيرتها الإسبانية، عملت الأخيرة، على إرجاع كافّة الواصلين إليها، سباحة، بشكل فوري. وهو الأمر الذي بات يثير نقاشا مُتسارعا، خاصة بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي،
ليعود السؤال إلى الواجهة: من المُستفيد من تشجيع القاصرين للارتماء في البحر غير آبهين بكمّية المخاطر التي قد يُواجهونها، في حالة العبور أحياء؟
حين يتحوّل الحلم لكابوس
تابعت "عربي21" عدّة صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، حيث كان جُل مُتابعيها، من القاصرين، ممّن أُشبعوا بأفكار "حلم الهجرة"، وكانت جُل التعليقات على مقاطع توثّق رحلة الهجرة السّرية، سباحة، لعدد من الشباب، كالتالي: "أنتم اللاّحقون ونحن السّابقون" و"غامر أو غادر" أو "الحلم الذي لا يتحقّق يُصبح كابوسا".. وغيرها من الجُمل التي تكشف عن "ظاهرة" باتت تقضّ مضاجع الأهالي، خاصة في فصل الصّيف.
كذلك، تُشير عدد من التعليقات، إلى ما يصفونها بـ"وضعية مريرة في حياتهم، المُحاصرة بالتهميش والبطالة"؛ وبينما يشير بعض المُتفاعلين مع المقاطع التي أثارت علامة استفهام كُبرى، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى "الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصّعب في مناطق الشمال المغربي"، يُطالب آخرون بـ"تمكينهم من تحقيق طموحاتهم دون الحاجة إلى المخاطرة بحياتهم في رحلة خطيرة".
بدوره، قال سمير الباز، وهو صحفي مغربي مُتابع للشأن المحلّي، إن "المغرب اليوم يمر بمرحلة دقيقة حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية مع تحديات اجتماعية وسياسية معقدة، إذ يعاني العديد من الشباب المغربي من قلّة فرص العمل وارتفاع تكاليف المعيشة، مما يدفعهم إلى البحث عن آفاق أوسع خارج الحدود".
وأوضح الباز، في حديثه لـ"عربي21" أن "الهجرة نحو سبتة ليست فقط هروبًا من الفقر، بل هي تعبير عن فقدان الأمل في تحقيق حياة كريمة داخل الوطن، ومع تزايد الفجوة بين الفئات المحتكرة للسلطة والمال، وباقي الفئات حتى المتوسطة التي كانت تحدث توازنا، تعمّق الشعور بالإحباط، وطغى اليأس حتى أصبحت أطر البلاد تهاجر لدول مثل كندا وألمانيا".
"أما سياسيًا، فإن غياب سياسات حكومية فعالة لمعالجة هذه القضايا يجعل الشباب يشعرون بالتهميش في ظل برامج لا ترقى لأن تصنع برامج تشغيل مثل أوراش وفرصة وغيرها" يردف المتحدث نفسه، مطالبا بـ"تغيير جذري في كيفية التعامل مع هذه التحدّيات، وخلق فرص عمل حقيقية وإصلاح حقيقي للتعليم والتكوين المهني".
الحواجز.. هل تحدّ من الهجرة السرّية؟
عقب ما شهدته مدينة الفنيدق، قبل أيام، من إقبال مئات الشباب نحو الهجرة السرّية، عبر السّباحة، عملت سلطات المنطقة على وضع حواجز حديدية، وتوزيع عدد مُتزايد من العناصر الأمنية على طول الشاطئ، لمنع استمرار محاولات الهجرة السرية، أو إعلام البحرية الملكية المغربية في حالة وقوع أيّ اختراقات.
إلى ذلك، استنكرت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان (غير حكومية)، ما وصفته بـ"الصمت الحكومي" إثر الوضع الذي عاشته المنطقة، وبثّ الخوف في قلوب الأمّهات؛ معتبرة أن "الأوضاع التي يعيشها الشباب المغربي هي التي دفعت به إلى محاولة الهجرة نحو الضفة الأخرى".
وأوضحت الرابطة المغربية، عبر بيان لها، وصل "عربي21" نسخة منه: "اليأس وانسداد الأفق للشباب المغاربة أمام السياسة الحكومية التي تكرس الفقر والتهميش والفوارق الاجتماعية وغياب برامج الإدماج والتأهيل والمواكبة للشباب من أبناء الأسر الفقيرة".
من جهته، أصدر مرصد الشّمال لحقوق الإنسان، أرقاما، تشير إلى ارتفاع محاولات الهجرة بالسواحل الغربية للمغرب بـ 300 في المئة، خلال شهري آيار/ مايو وحزيران/ يونيو 2024. وذلك في ظل غياب معطيات رسمية.
وقال المرصد، عبر بيان، وصل "عربي21" نسخة منه: "تميزت الفترة المذكورة بنجاح ما بين 1200 و1300 مهاجر غير نظامي، جلّهم شباب من الفئة العمرية 15 و24 سنة، في الوصول إلى سبتة المحتلة، أغلبهم مغاربة، 90 في المئة عبر الحدود البحرية مع الفنيدق، 5 في المئة منهم عبر حدود المدينة البحرية مع بليونش و5 في المئة، عبر السياج الحدودي".
وأكّد المصدر نفسه، "استمرار تفضيل أغلب المهاجرين غير النظاميين، من ضمنهم قاصرون غير مصحوبين، الوصول إلى مدينة سبتة سباحة. مع تحول نوعي من الهجرة سباحة بشكل فردي إلى الشكل الجماعي عبر استغلال نزول الضباب الذي يعوق المراقبة الأمنية عبر الحدود البحرية".
"بمعدل سباحة تصل إلى أكثر من 10 كيلومترات، تستغرق ما بين 10 إلى 15 ساعة بين المقطع البحري الفنيدق – سبتة، أو بليونش- سبتة الذي يستغرق ساعتين كمعدل ويعرف تيارات بحرية، وتزداد خطورة، هذا المقطع، بسبب الصخور التي توجد على شواطئه" يردف مرصد الشّمال لحقوق الإنسان.