ملفات وتقارير

عفو ملكي غير مسبوق.. هل انتهى زمن مُطاردة مزارعي الكيف في المغرب؟

بشكل سرّي أو علني كانت أسر كثيرة تعيش على إنتاجها من "الكيف"- جيتي
كأنّهم وُلدوا من جديد، هكذا تُوصف حالة آلاف من الأشخاص، ممّن كانوا مُتابعين بتُهم تتعلّق بزراعة "القنب الهندي" أو "الكيف"، في عدد من المناطق المتواجدة في شمال المغرب، وذلك عقب حصُولهم على العفو الملكي، قبل يومين.

وبمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لهذه السنة الجارية، أُصدر العفو الملكي، على 4831 شخصا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي المتوفرين على الشروط المُتطلبة للاستفادة من العفو.

وسيتمكّن المعفو عنهم من الاندماج في الاستراتيجية الجديدة التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية، في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي. الرّامية لـ"تصنيع وتحويل وتصدير القنب الهندي واستيراد منتوجاته لأغراض طبية وصيدلية وصناعية، وكذا المساهمة في تطوير الزراعات البديلة والأنشطة غير الفلاحية".

من السرّ للعلن 
يُعدّ "القنب الهندي" أو "الكيف" منذ سنوات طويلة، جزءا أساسيا من عدد من المناطق المغربية، كأنّه شيء من عُمق الثّقافة والتاريخ المرتبط بها؛ وكذلك كان الخوف يعشّش في قلوب الكثير من الأسر ممّن كانت تعيش على ما تجنيه من هذه الزراعة التي لم تكن "مشروعة" حتّى وقت قريب. 

بشكل سرّي أو علني، كانت أسر كثيرة تعيش على إنتاجها من "الكيف"، وأينما وضعت رجلك في هذه المناطق، استنشقت رائحتها أو رأيتها بعينيك، ولدى كل أسرة شخص يشتغل في حقولها، أو يستثمر في بيعها، أو متّهم بسببها، سواء تعلّق الأمر بالمُعتقلين أو الفارّين من العدالة، ممّن احترفوا العيش في الخوف والخفاء. 

وقبل ما يُناهز أربع سنوات، أتى تقنين زراعة القنب الهندي "الكيف"، ليجعل الكثير منهم يشعر بالظلم، من نبتة باتت مشروعة، ومزارعوها لا يزالون مُطاردين من العدالة، ناهيك عما يصفونه بـ"وصمة العار" التي ارتبطت بعدد من المناطق والأشخاص. فكانوا يُطالبون بـ"الإنصاف".


وبحسب تقارير رسمية لعام 2019 فإن نحو 80 إلى 120 ألف أسرة تعتمد على هذه الزراعة كمصدر رئيسي للدخل. فيما كانت الملاحقات القضائية تُلاحق مزارعي "الكيف"، من ساكنة جبال الريف (شمال المغرب)، منذ حظر الزراعة قانونيا خلال عام 1954، إذ يُستخرج منه مخدّر "الحشيش" الذي يتم تهريبه، خصوصا إلى عدد من الدول الأوروبية.

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال شكيب الخياري، وهو منسق الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، إن "العفو الملكي فرصة ينتظرها ليس فقط المعتقلون وذووهم، بل أيضا عموم الشعب المغربي في كل مناسبة دينية أو وطنية، لما يحمل في ثناياه من رسائل بليغة تشمل اعتبارات تتعلّق بالمصلحة الفضلى للمجتمع، كما هو الشأن في هذا العفو الصادر لفائدة مزارعي القنب الهندي".

"يأتي هذا العفو الملكي في سياق وطني بالغ الأهمية، ويتعلق بمرحلة التفكير الجماعي التي تهدف إلى إعداد سياسة وطنية جديدة عادلة وناجعة في مجال المخدرات" أضاف منسق الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف.


وأوضح: "هذه السياسة لا يمكن تحقيقها دون صدور هذا العفو الإنساني الذي يحمل بُعدا اجتماعيا، والذي يهدف إلى إنهاء حالة الاحتقان التي تعرفها مناطق زراعة القنب الهندي منذ عقود طويلة بسبب تجريم هذه الزراعة بمقتضى ظهير 1954"، مردفا: "هذا العفو سيعزّز اندماج الفئة المستفيدة في المجتمع والاقتصاد المحلي بهدف دفع عجلة التنمية المستدامة بالمناطق المعنية والتي عانت من التهميش لقرون من الزمن".

واختتم الخياري، حديثه لـ"عربي21" بالقول: "يبقى هذا العفو أكبر رسالة تفيد احتضان الدولة لمزارعي القنب الهندي، ورغبتها في إشراكهم في إعداد وتنزيل السياسة الجديدة، وإخراجهم من حالة الارتهان لبارونات الاتجار غير المشروع بالمخدرات".

هل انتهى زمن المُلاحقات القانونية؟ 
منذ اللحظات الأولى من إعلان العفو الملكي عن الآلاف من المتابعين بسبب "القنب الهندي"، رصدت "عربي21" عددا مُتسارعا من تدوينات وتغريدات، على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، رافقها أصحابها بعبارات ترتبط أساسا بمطالب "تبييض السجون".







وطالب عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بضرورة الإفراج عن كافة المعتقلين لأسباب سياسية، من بينهم "معتقلو حراك الريف". وهذه بعض التدوينات: 





وفي سياق متّصل، تساءل عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عن "السّبل الكفيلة للتفرقة بين مزارعي الكيف لأسباب غير مشروعة، مع غيرهم من المُساهمين في النهوض بالمنطقة"، وفيما تزايد منسوب الاستفسارات، ذهب البعض للتذكير بزمن كانت فيه "الملاحقات القانونية والخوف سيّد الموقف في جُل المناطق التي تعتمد فلاحتها على الكيف".

إلى ذلك، اختار البعض الآخر تسليط الضوء على عدد من المشاكل، التي لا تزال قائمة بخصوص هذه الزراعة. أبرزها "مشكل الماء"، حيث إنه في الوقت  الذي يعيش فيه المغرب على إيقاع أزمة ماء خانقة، تتوالى شكايات من مواطنين بإقليمي الحسيمة وشفشاون حول التضييق عليهم في الوصول إلى الماء، من طرف مزارعي "القنب الهندي".

وكانت نبيلة منيب، وهي النائبة البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، قد وجّهت سؤالا كتابيا، إلى وزير الداخلية، جاء فيه: "توصلنا بشكايات من سكان مناطق زراعة القنب الهندي بإقليمي الحسيمة والشاون يشتكون من خلالها من ندرة المياه، جراء استيلاء أصحاب النفوذ وبعض تجار الممنوعات على منابع المياه".

وتابعت: "يعمد هؤلاء النافذون إلى حفر آبار عميقة بمحاذاة المنابع الطبيعية للمياه، بدون موجب حق أو ترخيص وجرّ المياه بواسطة الخراطيم إلى ضيعاتهم ومزارعهم، مما أدّى إلى جفاف هذه المنابع، وبالتالي حرمان المواطنات والمواطنين وماشيتهم وفلاحتهم من الماء".

تقنين "الكيف".. أي غرض؟ 
بتاريخ 22 تموز/ يوليو 2021، صدر القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي "الكيف" في المغرب 21.13، المُعد من طرف وزارة الداخلية المغربية؛ جاء فيه: "المغرب كان سباقا لوضع إطار قانوني ينظم استعمال المخدرات لأغراض طبية من خلال الظهير (مرسوم ملكي) الصادر في 2 كانون الأول/ ديسمبر 1922، غير أن القانون 24 نيسان/ أبريل 1954 وضع حدا لزراعة القنب الهندي في كافة الأنشطة المشروعة".

وفي وقت سابق، كانت وزارة الداخلية المغربية قد أوضحت أن هناك "دراسات وطنية خلصت إلى أن المغرب يُمكن له أن يستثمر الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع، بالنظر لمؤهلاته البشرية والبيئية، علاوة على الإمكانيات اللوجستيكية والموقع الاستراتيجي للمملكة القريب من أوروبا التي تعد الأكثر إقبالا على منتجات القنب الهندي".

وعقب مرور ثلاث سنوات من تقنين زراعة القنب الهندي "الكيف" في عدّة مناطق مغربية، تمّ افتتاح المقر الإقليمي للوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي. ومنذ مطلع عام 2024، أصدرت الوكالة، في إطار القانون رقم 21-13 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، 3029 ترخيصا مقابل 721 ترخيصا في سنة 2023.

وبحسب المعطيات الصادرة عن الوكالة، فإن الأمر يتعلق بـ 2837 ترخيصا لفائدة 2659 فلاحا لنشاط زراعة وإنتاج القنب الهندي، مقابل 430 ترخيصا في 2023 و192 ترخيصا لفائدة 98 فاعلا، مقابل 291 ترخيصا لفائدة 138 فاعلا سنة 2023.

وتتوزع التراخيص البالغ عددها 192 بين 60 ترخيصا لنشاط التحويل، و49 ترخيصا لنشاط التسويق، و39 ترخيصا لنشاط التصدير، و24 ترخيصا لنشاط استيراد البذور، و18 ترخيصا لنشاط النّقل، وترخيصا واحدا لنشاط تصدير البذور وآخر لنشاط إنشاء واستغلال المشاتل. مؤكدة أن "الفاعلين الـ98 المستفيدين من هذه التراخيص يتوزعون، على 23 تعاونية و51 شركة و24 شخصا ذاتيا".

من جهة أخرى، أعدت الوكالة الوطنية، بالتشاور مع المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، بروتوكولا، يتضمن شروطا دقيقة ومحدّدة لضمان استخدام هذا الصنف وفقا للمقتضيات التنظيمية. 

وتتعلّق الشروط، بالتزام الفاعل المعني، بموجب عقد بيع الإنتاج، بشراء مجموع الإنتاج المحصل لدى الفلاحين المرخص لهم من طرف الوكالة، والمنخرطين بالتعاونية الإنتاجية المعنية، والذين قاموا بزراعة صنف "البلدية"، والتزام الفاعل المعني بإعداد وتقديم التزام للوكالة يهم إبرام عقد مع شركة لتصنيع الأدوية.

وفي وقت قريب، كشف استطلاع للرأي أجراه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي "مؤسسة رسمية"، بأن 79 في المائة من المغاربة، من بين 94 في المئة ممّن شملهم الاستطلاع، اعتبروا زراعة القنب الهندي "مسألة تاريخية"، فيما قال 79 في المئة، إنه: "يجب السماح بتلك الزراعة، مشترطين الحصول على ترخيص".

ووفقا لاستطلاع المجلس الأعلى الذي أُجري على حوالي 1054 شخصا، تتراوح أعمارهم ما بين 18 و69 سنة، فإن 64 في المئة يرون أن تكون زراعة القنب الهندي مقتصرة على الأراضي المرتبطة به تاريخيّا، فيما يرى 58 في المئة ألا يعمل في زراعة هذه النبتة إلا سكان المناطق المعنية تاريخيّا بزراعتها. ما يشير إلى قابلية الكثير من المغاربة للاستثمار في زراعة القنب الهندي.