صحافة دولية

مارك رافالو: هذه فرصة بايدن الأخيرة لإنهاء الحرب في غزة.. "عليه التهديد بوقف الأسلحة"

رافالو قال إن سياسة بايدن الخارجية قد تطارد إلى الأبد سجله في كتب التاريخ- جيتي
قال الممثل الأمريكي الشهير والمدافع عن العدالة الاجتماعية، مارك رافالو، إنه طوال ما يقرب من أربعة أعوام في البيت الأبيض، ما فتئ الرئيس بايدن يستشير بشكل منتظم المؤرخين؛ حتى يقيم منجزاته من الناحية التاريخية، ولقد فعل ذلك تارة أخرى قبل أن يترجل من السباق الرئاسي. 

وأضاف رافالو، في مقال نشره عبر صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، أن التاريخ سوف يذكر لبايدن من بين إنجازاته العديدة رؤيته الاقتصادية الكاسحة وخبرته التشريعية، التي سرعان ما انتشلت البلاد من ركود الجائحة، وخفضت انعدام المساواة في الأجور، وخلقت أطول فترة من التوظيف الكامل على مدى ما يزيد على خمسين عاما.

وأوضح أن بايدن "جلب أبرز السياسات المؤيدة للعمال منذ عقود، وأعاد الحيوية والنشاط إلى الوكالات التي تحركت بقوة لتنظف هواءنا وماءنا من الملوثات الفتاكة، مثل المواد الكيماوية التي تسبب الحمى السامة. كما تمكن بأضيق الهوامش في الكونغرس من ضمان التصويت لصالح سن أول قانون رئيسي لمواجهة التغير المناخي في تاريخ الولايات المتحدة، الذي كان له الفضل في إيجاد 330 ألف وظيفة جيدة وآمنة في مجال الطاقة النظيفة حتى الآن".

وأكد أنه رغم أن بايدن يبدو منسجماً مع إرثه، فإن من الممكن لسياسته الخارجية – وكما حصل مع ليندون بي جونسون من قبله – أن تطارد إلى الأبد سجله في كتب التاريخ، وتصم سمعته بين أجيال قادمة من الأمريكيين. فكما حدث في الحروب الأمريكية في الهند الصينية، أسفر الهجوم الدموي على غزة، والمستمر منذ ما يقرب من عام، عن كم هائل من المذابح التي هزت العالم وأرعبته، وأشعلت فتيل المقاومة والشقاق داخل أمريكا. وأكد أنه مثلما حدث في الحروب التي اندلعت قبل خمسين عاما، خلفت الحرب على غزة فترة واحدة من حكم رئيس ديمقراطي ظل حتى هذه اللحظة عاجزا عن وضع حد للعنف والتوحش المتصاعد في الخارج.

وأشار إلى أنه "مع مقتل ما لا يقل عن أربعين ألف غزي في الهجوم الإسرائيلي حتى الآن، يبدو أن التقارير الدائمة عن القصف المتجدد للمدنيين بالأسلحة الأمريكية تجعل مزاعم الإدارة بأنها تهتم بحقوق الإنسان عرضة للسخرية. فها هي الأمراض التي يمكن منعها، مثل شلل الأطفال، بالإضافة إلى المجاعة، تهدد القطاع المحاصر، حيث لم يزل مليونا إنسان محشورين داخله وهم محرومون مما يحتاجون إليه من طعام ومن عناية طبية".

وقال إن "الإجراءات الإسرائيلية التحريضية في الخارج – مثل اغتيال إسماعيل هنية، الزعيم السياسي في حركة حماس، في طهران، والذي كانت إسرائيل تتفاوض معه على إنهاء الحرب وعودة الرهائن الإسرائيليين – يبدو أنها متعمدة، ويقصد منها تخريب محادثات وقف إطلاق النار، وتوريط الولايات المتحدة في صراع إقليمي أشمل. ومثل هذه الحرب يمكن أن تدور رحاها لسنين، ولسوف ينجم عنها سقوط ما لا يحصى عدده من الضحايا المدنيين".

وشدد أنه "لا عجب إذ ذاك أن يبدو على الجمهوريين الابتهاج بما يمارسه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خروج على القانون ومن ممارسة للعدوان، بينما يوجهون هم سهام النقد إلى بايدن بسبب ما يفترضون أنه تقصير منه في دعم إسرائيل بشكل أكثر حسماً. فهم يعتقدون أن التدمير المتواصل لقطاع غزة سوف يثبط بعض الناخبين الديمقراطيين عن التصويت لصالح نائب الرئيس كامالا هاريس في انتخابات يمكن أن يحسمها هامش ضيق لا يتجاوز عشرات الآلاف من الأصوات. ولربما يرجو الجمهوريون كذلك الاستفادة سياسيا من اندلاع حرب إقليمية قبيل الانتخابات الرئاسية، خاصة إذا ما ساهم ذلك في حدوث ارتفاع كبير في أسعار النفط ومشاركة من قبل الولايات المتحدة في صراع لا يرغب عامة الناس في أمريكا في رؤيتها تتورط فيه".

وزاد: "يعلم الجمهوريون أن ما يحصل عليه نتنياهو من دعم عسكري، غير مشروط إلى حد كبير، إنما يزيده تصميما على مفاقمة المعاناة في غزة، وعلى الاستمرار في قصف الأقطار المجاورة، بينما يستمر في رفضه للإطار الذي تقترحه الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار".

ولكن لم يفت الوقت بالنسبة لبايدن، في الأشهر الأخيرة من فترته الرئاسية، للتصرف بشجاعة، أما وقد تحرر من بعض الاعتبارات السياسية، إذ لم يعد مرشحاً للانتخابات. إن بإمكان بايدن الآن استخدام ما يلزم من رأس المال السياسي للضغط على نتنياهو أخيرا من أجل القبول بصفقة لوقف دائم لإطلاق النار. فيما لو تصرف بايدن بسرعة وبحسم، فإن بإمكانه أن يحافظ على إرثه كرجل دولة، وذلك من خلال إنهاء شهور من التوحش في غزة، وتخفيض التوترات في أنحاء المنطقة، وحماية إمكانية حل الدولتين، بحسب المقال.

وقال رافالو: "يمكن لبايدن بالمناسبة مساعدة هاريس على الفوز في انتخابات نوفمبر. وذلك أن أغلبية الناخبين الأمريكيين يدعمون ربط المساعدات العسكرية لإسرائيل بشرط القبول بصفقة وقف إطلاق نار. يقول الناخبون في الولايات المتأرجحة إنهم أكثر استعدادا لدعم هاريس فيما لو تم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. في انتخابات يمكن أن تحسم بأضيق الهوامش من الأصوات، يمكن لاستعادة الناخبين الديمقراطيين الساخطين بسبب السياسة المنتهجة إزاء غزة أن تشكل عاملاً حاسماً في انتصار هاريس. إن بإمكان بايدن، من خلال حل هذه المعضلة السياسية الكبيرة والمستمرة، أن يوفر لهاريس حيزا تتمكن من خلاله من الدفاع عن إنجازاته المحلية, وأن تبني عليها في عام 2025".

وأضاف: "لقد أشار بايدن نفسه إلى أن نتنياهو يتجنب الوقف الدائم لإطلاق النار لقناعته بأن الاستمرار في الحرب هو ما يكفل له البقاء سياسيا. وهذا يعني أن الضغط الأمريكي وحده كفيل بالتوصل إلى نتيجة عادلة لأهل غزة ولعائلات الرهائن الإسرائيليين. وكما أقر بذلك في شهر أكتوبر الماضي وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت حينما قال: لسنا في موقع من يملك رفض المطالب الأمريكية.. فنحن نعتمد عليهم في الطائرات وفي المعدات العسكرية. ماذا يفترض فينا أن نفعل؟ أن نقول لهم لا؟".

وأكد أن "كل ما يحتاج بايدن لأن يفعله هو تنفيذ – أو التهديد بتنفيذ – القانون الأمريكي. فكما لاحظ 88 من الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب في شهر أيار/ مايو، فإن القسم 620 آي من قانون المساعدات الخارجية يحظر تقديم المساعدة الأمنية أو بيع الأسلحة لأي بلد يعيق المساعدة الإنسانية الأمريكية. أما القسم 502 بي من القانون ذاته، فيحظر تقديم المساعدة الأمنية لأي حكومة تنهمك في نمط دائم من الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان. ناهيك عن أن القيود المفروضة على التسليح بموجب مذكرات الأمن القومي وسياسة نقل الأسلحة التقليدية التي وضعها بايدن بنفسه توفر المزيد من الآليات لممارسة الضغط اللازم من أجل ضمان التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

والخلاصة هي أنه لدى بايدن حالياً صلاحية تكييف، أو وقف المساعدات العسكرية الهجومية التي تقدم لإسرائيل، فيما لو رفض نتنياهو القبول بوقف دائم لإطلاق النار".

وأضاف أنه يمكن لبايدن أيضا الاستفادة من تجربته الخاصة في التشدد مع نتنياهو كما حدث في عام 2021. فبعد العديد من المكالمات الهاتفية بشأن الهجوم الإسرائيلي السابق على غزة، لم يكن من بايدن إلا أن قال بكل بساطة: "يا رجل، لم يعد لدينا متسع هنا. انتهى الأمر". وكما لاحظ الكاتب فرانكلين فوار: "ثم، هكذا كان الأمر. بمجرد انتهاء المكالمة، وافق نتنياهو مترددا على وقف إطلاق نار بوساطة مصرية".

وختم رافالو بالتأكيد أنه "ينبغي على بايدن الاستفادة من التاريخ حتى يتجنب سقطات الماضي: ظلت الاحتجاجات مستمرة طوال فترة انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي هذا العام في شيكاغو، فيما اعتبر صدى للمعارضة التي شهدتها البلاد في عام 1968 ضد الحرب في فيتنام. ثمة مرشح رئاسي جمهوري يزدري مبدأ سيادة القانون، مثله في ذلك مثل ريتشارد نيكسون من قبل. فيما لو تصرف بايدن الآن، فإنه سوف ينهي الكارثة الإنسانية، ويمنع عودة اليمين المتطرف إلى السلطة في الولايات المتحدة، وبذلك يكرس إرثه المشرف في التاريخ".