تقارير

ملف الأقليات في سوريا هل ستنجح الإدارة الجديدة في احتوائه؟

مشكلة الأقليات ليست مشكلة حديثة في سوريا، فقد كانت مدخل الغرب للدولة العثمانية في مراحل ضعفها.. الأناضول
لا تتوقف الدعوات الدولية عن مطالبة الإدارة السورية الجديدة بضرورة حماية حقوق الأقليات في سوريا (العلويين والدروز والمسيحيين والأكراد والتركمان..)، واللافت في هذا الموضوع أن الحديث عن تقديم المساعدات الخارجية لسوريا الجديدة غالبا ما يجري ربطه بملف حماية وضمان حقوق الأقليات.

ويُذكر في هذا السياق أن الإدارة السورية الجديدة تنبهت لهذه القضية منذ بدايات عملية ردع العدوان، عبر التطمينات التي أطلقها قائدها أحمد الشرع، والمتمثلة بالحرص على توفير الحماية والرعاية لكافة أبناء الأقليات في سوريا، مشددا على "أهمية التعايش المشترك في الدولة متعددة الأعراق والمذاهب بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد".

ووفقا لمراقبين فإن ملف الأقليات تحول إلى "ورقة ضغط" على الإدارة السورية الجديدة، في ضوء ما يوصف بانتهاكات سابقة لهيئة تحرير الشام ضد الأقليات، وفي الوقت نفسه لكون حكومة تصريف الأعمال الحالية تمثل الأكثرية الدينية (أهل السنة) في سوريا لأول مرة بعد أكثر من نصف قرن من حكم الطائفة العلوية لسوريا.

وتشير تقارير صحفية وحقوقية إلى مخاوف من قدرة الإدارة الجديدة على تنفيذ ما تعد به عمليا، وقدرتها في الوقت نفسه على التعامل مع ملف الأقليات في إطار دستوري وقانوني ينص على المساواة بين أبناء الشعب السوري على أساس المواطنة بعيدا عن أي اعتبار للعرقية والدين.

معالجة مشكلة الأقليات يثير تساؤلات حول تصورات الإدارة السورية الجديدة في كيفية إدارتها لهذا الملف الشائل والإجراءات التي ستقوم بها، وكيف ستتعامل مع عموم العلويين الذين شكلوا حاضنة شعبية لنظام آل الأسد الذي كرس الطائفية في سوريا، وهل ستتمكن من احتوائه عبر معالجة جادة تفوت الفرصة على الأطراف الخارجية من استخدامه كذريعة وورقة للتدخل في الشأن السوري؟

وفي هذا الإطار يشير الكاتب والمحلل السوري، أحمد الهواس إلى أن "مشكلة الأقليات ليست مشكلة حديثة في سوريا، فقد كانت مدخل الغرب للدولة العثمانية في مراحل ضعفها، لا سيما في القرن التاسع عشر، وقد حاولت بعض الدول كبريطانيا وفرنسا وروسيا أن تحصل على امتيازات داخل الدولة العثمانية بذريعة حماية الأقليات".

وأضاف: "وكانت الأقليات ـ حينذاك ـ تتشكل من المسيحيين بمذاهبهم المختلفة، واليهود والدروز، لكننا حينما نتحدث اليوم عن الأقليات في سوريا، فلا بد من الإشارة إلى أن سوريا منذ استقلالها سنة 1946 إلى يومنا هذا كانت المدة الأطول في حكمها هي للأقلية العلوية، فهي تحكم منذ سنة 1970 حتى سقوط النظام في 8/12/2024، أي أن حكمها استمر 55 سنة تقريبا".

وواصل الهواس حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وحينما نتحدث اليوم عن كيفية إدارة ملف الأقليات، وخاصة الأقلية العلوية، يجب أن ننطلق من كون أبناء هذه الطائفة هم جزء من الوطن السوري، وهم من مواطني الجمهورية العربية السورية، وصحيح أن منهم من تورط في دماء الشعب السوري، وفي الفساد وسرقة مقدرات الدولة، بتوريط من النظام وقبول من هذه الفئة أن تكون مع النظام في جرائمه، لكنها فئة من الطائفة العلوية وليست كل الطائفة".

وتابع "التوجه الحالي من الإدارة الجديدة كما أوضحه الرئيس أحمد الشرع في العديد من أحاديثه وتصريحاته أنه يعمل على أن سوريا هي لكل السوريين، فلا يوجد تمييز بين المواطنين، ولا توجد امتيازات لفئة على أخرى داخل الجمهورية العربية السورية".


                                     أحمد الهواس.. كاتب ومحلل سياسي سوري

ولفت إلى أن "التعامل مع العلويين ينبغي أن يكون من منظارين، الأول: التعامل مع المجرمين الذين ولغوا في الدم السوري، وشاركوا في قتل الشعب السوري، فيجب أن يحاكموا سواء داخل سوريا أو يلاحقوا في محاكم دولية، والثاني: العمل على استيعاب الطائفة داخل الوطن السوري بتنمية مناطقهم، إذ يلاحظ أن التنمية في مناطق الساحل ضعيفة، وقد كان هذا الأمر جزءا من مخطط النظام حتى ينخرط أبناء هذه المناطق في الجيش والمؤسسات الأمنية".

وأشار الكاتب والمحلل السوري الهواس إلى أن "كل عمل من شأنه أن يتساوى فيه المواطنون أمام القانون سيصب بصورة إيجابية في صناعة المواطنة السورية، والأهم من هذا وذاك ألا تُترك أية فرصة لكل من يتربص بسوريا من الخارج أن يجد في الطائفة العلوية أو سواهم منفذا للدخول إلى سوريا، وتخريب البنية الاجتماعية".

ونبّه إلى أن "النسيج الاجتماعي تهتك في هذه المرحلة، بما فعله النظام في مرحلة الثورة السورية، وقيامه باستعداء فئات على فئات أخرى، وجلب غزاة من خارج الحدود، إضافة إلى وجود تغيير ديمغرافي حصل في سوريا، فقد جيء بفئات من الخارج من ذوي الجنسيات العابرة، وتم توطينهم في سوريا، وهو ما يجب العمل عليه، بنزع الجنسيات من كل هذه الفئات، والعمل على تطوير سوريا، بصناعة تنمية اقتصادية يتوافر معها الأمن والاستقرار للشعب السوري".

من جهته قال الكاتب والباحث السياسي السوري، ياسر سعد الدين: "يشكل ملف الأقليات تحديا وورقة ضغط، ووسيلة ابتزاز حين يلزم الأمر، فموضوع الأقليات مثل حقوق الإنسان في السياسة الغربية عموما والأمريكية تحديداـ يتم استدعاؤه حين الحاجة إليه، فقلما تسمع مثلا من يتحدث عن الأقلية المسلمة في الهند أو في الصين، أو حتى في دول غربية مثل فرنسا حيث يتعرض المسلمون إلى تضييق وتدخل السلطات بشكل فج في شعائر دينهم لتعلمهم إسلامهم وتفقههم به".

وتابع: "تاريخيا لم تكن في سوريا مشكلة مع الأقليات، لقد كان في سوريا رئيس وزراء مسيحي وطني (فارس خوري)، وكان في وزارته محمد المبارك وزيرا للأشغال وهو من مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وحاول الاستعمار الفرنسي اللعب على أوتار مسألة الأقليات من باب فرق تسد، وتركها خلفه لغما انفجر في طريق سوريا عقود وحول البلاد إلى يباب وخراب".


                                        ياسر سعد الدين.. كاتب وباحث سياسي سوري

وردا على سؤال "عربي21" بشأن المتوقع من الإدارة السورية الجديدة في التعامل مع هذا الملف، وعن قدرتها على احتوائه عبر معالجة جادة لتفويت الفرصة على الأطراف الخارجية من استخدامه كذريعة وورقة للتدخل في الشأن السوري، لفت سعد الدين إلى أهمية "تعامل الإدارة الجديدة بجدية وأخلاقية مع هذا الملف، ليس من باب الاستجابة للضغوط الغربية، ولكن عن قناعة وأخلاق ومبادئ ومصالح استراتيجية".

وأردف: "على الحكم الجديد التعامل مع السوريين على خلفية المواطنة، وأنهم متساوون بالحقوق والواجبات وأن الكفاءة والأمانة والوطنية والنزاهة هي معايير تبوء المناصب"، مشيرا إلى أن "سوريا تحتاج إلى جميع مواطنيها، والسوريون الذين استطاعوا في غربتهم ومواطن الهجرة واللجوء التعايش مع جميع الأعراق والأديان وتحقيق النجاحات، قادرون على أن يتعايشوا مع بعضهم البعض في شراكة وطنية، لا تستبعد أحد، ولا تقصي طائفة".

واستدرك بالقول: "غير أن العدل يقتضي القصاص من جميع المجرمين من أعوان النظام بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية أو المذهبية، فالعدل والمساواة من أخلاق الإسلام ونحن حين ندعو لتكريم المواطن (وكرمنا بني آم)، إنما ندعو لتطبيق الإسلام والاحتكام إلى شرائعه والالتزام بقيمه وأخلاقياته".

بدوره أكدّ الناشط السياسي، عضو حزب التحرير، منذر عبد الله أن "الغرب يحاول استخدام الأساليب التالية للتدخل في شؤوننا تحت ذريعة حماية الأقليات: تطالب الدول الغربية بضمانات لحماية العلويين والمسيحيين والدروز، مستخدمة ذلك كذريعة للتدخل السياسي، كما تقوم بفرض شروط على الحكومة الجديدة، كإشراك شخصيات من الأقليات في الحكم، بغض النظر عن حجمها الحقيقي".

وأضاف: "كما تعمل على إثارة النعرات الطائفية، عبر دعم جماعات معينة أو تسهيل ظهور حركات انفصالية، كما حدث مع الأكراد في العراق، كما أنها تقوم بربط إعادة الإعمار بمسألة الأقليات، بحيث يستخدم هذا الملف للمساومة على نفوذ الغرب داخل سوريا".

ولفت الناشط عبد الله في حديثه لـ"عربي21" إلى أنه "لا يُنظر للمجتمع في الإسلام على أساس بعض التقسيمات السائدة كـ"أغلبية" و "أقلية"، وإنما على أساس دار الإسلام التي يعيش فيها المسلمون وغير المسلمين وفق أحكام الشريعة، فالمسلمون مكلفون بأداء واجباتهم الدينية، وأهل الذمة (يهود ونصارى وغيرهم) يُمنحون الأمان والحقوق وفق أحكام الإسلام دون أن يكونوا (أقلية) تحتاج إلى حماية وفق المفاهيم الغربية".

وتابع: "لقد مرت سوريا بمرحلة عصيبة، وتحاول القوى الغربية أن تستغل الوضع لإعادة فرض نفوذها علينا من بوابة حماية الأقليات، وهو نفس الأسلوب الذي استخدمته في لبنان منذ قرون، ثم في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، والآن تحاول تطبيقه في سوريا، لكن علينا أن ندرك أن الغرب لا يتحرك بدوافع إنسانية، بل يسعى لتفتيت المجتمعات وجعل الطوائف أدوات في مشروعه الاستعماري، إنه لا يعبأ بمصير الأقليات، بل يوظفها متى احتاج ثم يتخلى عنها عندما ينتهي دورها".


                                   منذر عبد الله ناشط سياسي وعضو حزب التحرير

وتساءل: "فهل ننسى ما فعله الغرب بالمسيحيين في العراق عندما قدمهم كوقود لمشاريعه ثم تركهم ليواجهوا التهجير والمآسي؟ وهل نغفل عن دعمه للمليشيات الطائفية في المنطقة لا لشيء إلا لتفتيت الشعوب" مضيفا أن "الحل ليس في الاحتماء بالغرب، بل في أن نكون جميعا جزءا من مشروع الأمة، المشروع العادل الذي لا يظلم أحدا، بل يراعي حقوق الجميع، مسلمين وغير مسلمين، فالإسلام حينما حكم هذه الأرض لم يكن ظالما ولا استبداديا بل كان نظاما يرعى الجميع، ويفرض العدالة، ويضمن الأمن للجميع".

وختم حديثه بدعوة السوريين إلى أن لا يقعوا في الفخ، وأن لا يسمحوا للغرب بأن يحولهم إلى أداة ضد وحدة الأمة، مع الحذر من المؤامرات، وأن لا يكونوا بيادق في مشاريع تفتيت بلدهم، فالمستقبل لن يكون للغرب وألاعيبه، بل لمن يدرك أن وحدة البلاد هي الضمان الحقيقي للجميع.