قضايا وآراء

أين الأخ الأكبر من أعمال الإرهاب والتخريب في بريطانيا؟

خطر اليمين المتطرف أفرادًا وقادة واضح بشكل جلي وليس وليد أحداث الأمس، هذا الخطر له جذور عميقة وله أسباب داخلية وخارجية تهدد أمن البلاد، وهو ما كان يستدعي بشكل مبكر تدخل جهاز إم آي 5 ووحدة مكافحة الجريمة المنظمة.. الأناضول
خلال أسبوع من الإرهاب في المجتمع البريطاني استهدف المهاجرين وما يسمونهم أيضًا الأقليات من المواطنين، وخاصة المسلمين. خلال هذا الأسبوع، عاث اليمين المتطرف إرهابًا في طول البلاد وعرضها، محدثًا حالة من الخوف والقلق في المجتمع.

مبعث الخوف والقلق ليس كثرة عناصر اليمين المتطرف وقوتهم، إنما وجود عناصر عالية التنظيم وتتلقى دعمًا خارجيًا، وغياب قوات إنفاذ القانون عن مسرح الأحداث في بعض الأحيان وقلة عددهم في أحيان أخرى. وما زاد من حالة الخوف الإشاعات التي تُبث هنا وهناك والتحذيرات التي كانت ترسلها الشرطة للمؤسسات والجاليات توحي بأنهم تُركوا وحدهم، مثل عدم السير في مناطق معينة إلا في جماعات وضرورة تنظيم مجموعات من أجل التصدي لعناصر اليمين المتطرف، فحسب قول الشرطة هؤلاء جبناء لا يتجرؤون على مواجهة الحشود!

الفيديوهات التي انتشرت وتوثق عنف اليمين المتطرف ونجاحهم في نهب المتاجر واقتحام بعض الفنادق وحرقها وتكسير وحرق السيارات وإلحاق الأذى بالسكان وأفراد الشرطة وحرق مركباتهم تؤكد أمرين: الأول أن هؤلاء عكس ما يروجون له أنهم يريدون "استعادة بلدهم" لمستقبل أفضل، والثاني أن المستهدفين تُركوا لمصيرهم حيث كان بالإمكان اتخاذ إجراءات وقائية على الأقل في اليوم التالي لبدء أعمال العنف.

السؤال الكبير أين الأجهزة الأمنية التي اتخذت في أحداث خطيرة مر بها العالم وبريطانيا الكثير من الإجراءات، منها ما هو قانوني وما هو غير قانوني لمواجهة أعمال تخريب وإرهاب، فأحبطت العديد منها وأغلقت مؤسسات وحظرت أحزابًا واعتقلت أفرادًا بناءً على منشورات وتصريحات اعتبرت دعوة للعنف؟


صحيح أن رئيس الوزراء خرج في خطاب متلفز شجب فيه أعمال هذه الفئة واصفًا إياها بالفئة الصغيرة والمنعزلة، متوعدًا كل من شارك في أعمال التخريب بالملاحقة والمحاسبة وواعدًا الضحايا بتوفير الحماية لهم. لكنه رغم خطورة ما يقوم به هؤلاء المتطرفون لم يُعلنهم تنظيمًا خارجًا عن القانون كون ما يقومون به محض إرهاب.

والسؤال الكبير أين الأجهزة الأمنية التي اتخذت في أحداث خطيرة مر بها العالم وبريطانيا الكثير من الإجراءات، منها ما هو قانوني وما هو غير قانوني لمواجهة أعمال تخريب وإرهاب، فأحبطت العديد منها وأغلقت مؤسسات وحظرت أحزابًا واعتقلت أفرادًا بناءً على منشورات وتصريحات اعتبرت دعوة للعنف.

يعرف جهاز إم آي 5 في أوساط المجتمع بأنه الأخ الكبير الذي يعرف كل شاردة وواردة، ومعروف أنه خلال عقود من نشاطه أحبط العديد من الأعمال التخريبية والإرهابية بفضل ما يمتلك من أدوات تمكنه من العيش وسط أي مجموعة تريد الإخلال بأمن البلاد.

طبعًا هنا لا أدعو لأن يقوم الجهاز بالتجسس على المواطنين، لكن شاء من شاء وأبى من أبى، التجسس والمراقبة من صميم أعمال الجهاز حتى يتمكن من إعداد الخطط والقيام بعمليات وقائية لمنع حدوث ما يخل بأمن البلاد وتقديم تقارير لصناع القرار في البلاد لاتخاذ ما يلزم من إجراءات في الوقت المناسب.

بشكل عام، هذا الجهاز يقوم بجمع المعلومات وفق اختصاصه ولا يحتاج في عمله إلى إذن من المستوى السياسي أو القضاء، وفي حال أراد التجسس على شخص بغرض جمع أدلة لاستخدامها في المحكمة يتوجب أخذ إذن من الجهة المختصة وفق القانون حتى يمكن اعتماد الأدلة المستخلصة من المراقبة في المحاكمة. لقد وجدنا أن هذا الجهاز طليق اليد في التعامل مع الأقليات الذين يوصمون بالإرهاب بينما نجد أنه مغلول اليد في التعامل مع اليمين المتطرف.

في حالات كثيرة، فُعِّلت قوانين الإرهاب والجريمة المنظمة في التو واللحظة دون أي نقاش أو جدال. فمؤخرًا أوقف أشخاص ناشطون في مؤسسة ضد تسليح إسرائيل بموجب هذه القوانين، كما أوقف صحفيون وناشطون في أماكن مختلفة وكانوا يُجبرون على تسليم هواتفهم وكلمات السر المختلفة، وكل من يرفض يُحتجز ويُحال للمحاكمة بموجب هذه القوانين.

كما أن هذه القوانين فُعِّلت بشكل واسع ضد المسلمين منذ أكثر من عشرين عامًا، عانى منها الكثيرون من الاعتقال والتوقيف والترهيب والتفتيش في الشوارع، وكان الغالبية العظمى منهم أبرياء، ومنهم من اختُرق ودُفع دفعًا من مخبرين ليسلكوا طريق العنف!

والمثال الأبرز في هذا السياق في الشهر الماضي، أصدرت محكمة على السيد أنجم شودري حكمًا بالسجن مدى الحياة بتهم تتعلق بالانتماء إلى تنظيم إرهابي والدعوة إلى الإرهاب، ويعود الفضل في تثبيت التهم على الرجل وفقًا لتقارير صحفية إلى جهاز إم آي 5 الذي عاش معه أكثر من سنتين حتى تاريخ اعتقاله!

كان شودري تحت المراقبة الصارمة منذ عام 2021 بعد خروجه من السجن ورفع القيود التي فرضت عليه، فكان قيد المتابعة في حله وترحاله على مواقع السوشيال ميديا، كل اتصالاته خضعت للمراقبة حتى غرفة نومه لم تسلم من أجهزة التنصت!

لقد أحصوا عليه أنفاسه، مأكله ومشربه، احاديثه مع أفراد عائلته وزوجته في حين عجز الأخ الأكبر وباقي الأجهزة بمختلف مسمياتها عن توقيف أس البلاء تومي روبنسون الذي هرب من البلد تجنبا لحضور جلسه مقرره في المحكمة العليا بتاريخ 29/07/2024 مما دفع المحكمة إلى إصدار مذكرة اعتقال بحقه لحضور جلسه قررت في 28/10/2024 ووفق تقارير صحفيه فإن روبنسون يستمتع منذ هروبه في منتجعات ومطاعم قبرص واليونان ويمارس نشاطه في التحريض وبث الإشاعات التي كانت عاملا مهما في أعمال الإرهاب التي انتشرت في البلاد!

وصف عناصر اليمين المتطرف هو المدخل لمعاملة أفراد المجتمع كأسنان المشط، فلا فرق بين أبيض وملون. فبعد كل هذا الإرهاب لا يمكن وصف هؤلاء بالمرضى النفسيين أو مجرد زعران وبلطجية، إنهم إرهابيون. لماذا عندما يرتكب الأبيض مثل هذه الجرائم الخطيرة يكون هناك تردد في وصف ما يفعلونه بالوصف الصحيح وتدور في الأرجاء نقاشات فلسفية عقيمة؟ أما عندما يرتكب الملون مثل هذه الجرائم يُلام هو وخلفيته الدينية والعرقية دون أي تردد.

لم أعثر على تصريح واحد لسياسيين وفي مقدمتهم وزيرة الداخلية السابقة سوالا برافمان يهاجم ويندد بأعمال التخريب التي يقوم بها اليمين المتطرف، كما هاجموا المظاهرات المنددة بجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، معتبرين أنها مظاهرات كراهية ومعادية للسامية وغيرها من مصطلحات الشيطنة، وبلغ الحد في هؤلاء الضغط على الشرطة لحظر المظاهرات وساد نقاش لتشريع قوانين لحظرها في ظل حكومة المحافظين السابقة.

لم أعثر على تصريح واحد لسياسيين وفي مقدمتهم وزيرة الداخلية السابقة سوالا برافمان يهاجم ويندد بأعمال التخريب التي يقوم بها اليمين المتطرف، كما هاجموا المظاهرات المنددة بجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، معتبرين أنها مظاهرات كراهية ومعادية للسامية وغيرها من مصطلحات الشيطنة
خطر اليمين المتطرف أفرادًا وقادة واضح بشكل جلي وليس وليد أحداث الأمس، هذا الخطر له جذور عميقة وله أسباب داخلية وخارجية تهدد أمن البلاد، وهو ما كان يستدعي بشكل مبكر تدخل جهاز إم آي 5 ووحدة مكافحة الجريمة المنظمة ليعملوا كما جرت عادتهم في مثل هذه الحالات.

تردد الصحافة حادثة طعن الأطفال في ساوث بورت وما تبعها من معلومات مضللة حول هوية الفاعل وديانته كسبب لأعمال الإرهاب، إلا أن التركيز على هذه القصة كدافع فيه تضليل وهي لم تكن إلا فرصة لينفجر اليمين المتطرف وينفذ أجنداته الخبيثة، والدليل على ذلك أنه بعد انكشاف هوية الطاعن وخلفيته الدينية الحقيقية لم يهدأ اليمين المتطرف، بل استمر وبشكل أعنف.

يعتقد البعض أن هناك خللًا في القوانين يمنع ملاحقة هذه المجموعات، لكن الحقيقة أن القوانين الخاصة بالإرهاب والجريمة المنظمة تنطبق على أفعال هؤلاء. فمن الواضح أن هؤلاء في كل مظاهرة يخططون ويعقدون العزم على إلحاق الأذى بفئات معينة ولا يتوانون عن الهجوم على قوات الشرطة وإيقاع أفدح الخسائر في صفوفهم.

إن ما يقوم به اليمين المتطرف هو نوع من الإرهاب المحض المنظم والمخطط له مسبقًا، وهذا ما يوجب تطبيق قوانين الإرهاب والجريمة المنظمة التي تتيح لجهاز إم آي 5 وأجهزة أخرى متخصصة التدخل لجمع كافة المعلومات الاستخبارية للقيام بالخطوات الوقائية اللازمة لمنع حدوث عمليات الاعتداء والحرق والتخريب وجمع الأدلة عن القادة والأفراد لتقديمهم للمحاكمة.

لكن العجيب ترك هؤلاء يفعلون ما يريدون من تحريض واضح على العنف ونشر دعوات مزخرفة بشعل نارية تدعو للتجمع في أماكن مختلفة حيث مراكز إيواء المهاجرين أو المساجد، فلماذا يُترك هؤلاء ليفعلوا ما فعلوا ولم يتم التعامل معهم كما عومل أصحاب الفكر المتطرف؟!

هناك شخصيات معروفة بالاسم لدى الأجهزة الأمنية منذ سنوات طويلة، معروفون بأنهم يدعون إلى استخدام العنف ولهم علاقات خارجية تمولهم وتحرضهم على نشر الفوضى، لكن الأجهزة الأمنية تركتهم دون اتخاذ إجراءاتها المعتادة. ونعتقد جازمين أن هذه الأجهزة تملك من المعلومات عن هؤلاء ما يشيب له الولدان، لكن تُركوا ليتم التعامل معهم وفق القوانين الجنائية العادية.

فلماذا حتى اللحظة لم تقم الأجهزة الأمنية بما يلزم من خطوات لتفكيك لغز تنظيم اليمين المتطرف الإرهابي؟ فسلامة البلاد والعباد لا تُحفظ بالخطابات الرنانة والتهديدات، إنما بخطط أمنية ناجزة تحت إشراف قضائي، كما فعلت مع تنظيمات عنفية أخرى.

لقد بلغ مستوى الوقاحة ببعض قادتهم ومن حرض على العنف أن يضع شروطًا لإنهاء حالة العنف، كما ألقى باللائمة على الشرطة في تعاملها العنيف مع هؤلاء المتطرفين بالمقارنة مع تعامل الشرطة مع المتظاهرين الذين خرجوا منددين بالإبادة الجماعية في قطاع غزة!

إن ما يحدث حقًا لا يهدد جالية معينة أو عرقًا، إنما يهدد أمن البلاد ويسيء إلى سمعتها، والتراخي في مواجهتها يؤدي إلى انتشارها، وخصوصًا مع كثرة دعوات اليمين المتطرف لعقد تجمعات في أماكن مختلفة، مما تسبب في سريان شائعات كثيرة أدت إلى إغلاق الناس محلاتهم والتزام بيوتهم في كثير من المناطق.

حتى تقوم الحكومة والأجهزة الأمنية بواجباتها، لا بد من وجود تحالف قوي يضم جميع فئات المجتمع البريطاني للتصدي لهؤلاء الإرهابيين. الرد الصحيح هو الاستنفار والدعوة إلى مظاهرات مليونية ضد هؤلاء الفاشيين، وحذار من الانصياع لحملة الترهيب بإغلاق المحلات والتزام البيوت، فهذا ببساطة يُعد انتصارًا لحفنة من الإرهابيين.