صحافة دولية

مغامرة شركة "بي بي" النفطية في العراق قد تكون نقطة تحول للغرب بالشرق الأوسط

الكاتب اعتبر منطقة كركوك واحدة من أكثر النقاط حساسية سياسيا في العراق- الأناضول
أوضح الخبير الاقتصادي سيمون واتكينز، أن توقيع شركتي "بي بي" (بريتيش بتروليوم سابقا) و"توتال إنرجيز" اتفاقيات للاستثمار في قطاع النفط العراقي، يأتي في إطار سعي هذه الشركات النفطية في استغلال الاحتياطيات النفطية الهائلة في العراق، وعكس الاتجاه الذي شهدته المنطقة حيث زادت روسيا والصين من نفوذهما بشكل كبير.

وقال في مقال نشره في موقع "أويل برايس" الأمريكي وترجمته "عربي21"، إن هذه الاتفاقيات التي تشمل منطقة كركوك الحساسة سياسيًا، تأتي أيضا في ظل التوترات المستمرة بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان.

وأضاف الكاتب أن شركات النفط تحتل موقعا فريدا عند تقاطع الاقتصاد العالمي والسياسة والأمن. ويعود جزء من هذا إلى أن الطاقة تعتبر عاملا حاسما في تحديد مستقبل أي دولة من الناحية المالية، وبالتالي تؤثر بشكل مباشر على المناورات السياسية سواء داخل البلاد أو خارجها.

كما أن أعمال شركات النفط في الأراضي الأجنبية تعد عمليات ضخمة ومعقدة تشمل بناء علاقات على أعلى المستويات مع حكومات وصناعات ومجتمعات الدول المضيفة.

وتتمتع الشركات النفطية بالحق القانوني في حماية أصولها على أرض الواقع في أي دولة أجنبية بأي وسيلة تراها ضرورية، بشرط موافقة الدولة المضيفة، بحسب المقال.

على مدار فترة طويلة، كان الغرب في طليعة الدول التي أنشأت وعززت العلاقات الدولية من خلال مثل هذه المشاريع النفطية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وبعد عدة أخطاء عسكرية وسياسية، خاصة في العراق، استغلت الصين وروسيا الفراغ الناجم عن تراجع نفوذ الغرب في المنطقة.

وذكر الكاتب أنه في نيسان/ أبريل الماضي، تم التصديق النهائي على اتفاق بقيمة 27 مليار دولار بين شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية والحكومة الفيدرالية العراقية في بغداد، الذي يتضمن أربعة جوانب.

وفي تطور لاحق، وقّعت شركة "بي بي" البريطانية قبل أكثر من أسبوع اتفاقية مبدئية لإعادة تأهيل وتطوير أربعة حقول في منطقة كركوك الغنية بالنفط في شمال العراق، وهي منطقة حساسة سياسيا، وفقا للكاتب.

وتناول الكاتب منطقة كركوك باعتبارها واحدة من أكثر النقاط حساسية سياسيا بين الحكومة الفيدرالية العراقية التي تتمركز في العاصمة بغداد في جنوب العراق، وحكومة إقليم كردستان شبه المستقل التي تتخذ من أربيل في شمال العراق مقراً لها.

وأوضح الكاتب، استنادا إلى عدة مصادر تاريخية معتمدة، أن الأكراد كانوا من أولى الجماعات التي استقرت في كركوك، وذلك قبل وصول أي مجموعات عرقية أخرى بفترة طويلة، وقد أطلق عليها العديد من القادة الأكراد اسم "القدس الكردستانية".

وبناءً على ذلك، طالبت حكومة إقليم كردستان منذ فترة طويلة بسلطة ضمنية على مدينة ومنطقة كركوك، التي كانت تحت سيطرتها الإدارية الفعلية من 2014 حتى سنة 2017.

خلال تلك الفترة، قامت قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان بحماية كركوك من تهديد تنظيم الدولة. ونتيجة للنجاح الكبير الذي حققته قوات البيشمركة في مواجهة تنظيم الدولة في معظم أنحاء العراق، حصلت حكومة إقليم كردستان على تأكيدات غير معلنة من واشنطن بأن الولايات المتحدة ستدعم رغبات الأكراد في الحصول على الاستقلال الكامل عن العراق بمجرد انتهاء تهديد تنظيم الدولة، حسب المقال.

بناء على هذه التأكيدات، ذكر الكاتب أنه أجري في 25 أيلول/ سبتمبر 2017 تصويت على استقلال الأكراد في شمال العراق عن بقية البلاد. وعلى الرغم من أنه لم يكن تصويتا ملزما قانونيا بل كان تصويتا تمهيديا استرشاديا، إلا أن 92% من بين 3.3 مليون ناخب مؤهلين للإدلاء بأصواتهم صوتوا لصالح تشكيل دولة كردية مستقلة جديدة شمالي العراق. وعند هذه النقطة، بدأت الأوضاع تتدهور بشكل كبير.

وأوضح الكاتب أن منح الحكم الذاتي للدولة الكردية في شمال العراق كان سيؤدي إلى زيادة كبيرة في المطالب المماثلة من الأكراد في الدول المجاورة، وهي إيران وتركيا وسوريا، حيث يشكل الأكراد في إيران حوالي 9% من إجمالي السكان، وفي سوريا حوالي 10%، وفي تركيا ما يقارب 18%.

وفور الإعلان عن استفتاء استقلال كردستان، دعا اللواء يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري الأعلى للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الدول الأربع المجاورة (إيران، العراق، سوريا، وتركيا) إلى إغلاق الحدود البرية مع إقليم كردستان العراقي.

وأكد الكاتب أن إيران كانت ولا تزال مصممة على الحفاظ على دورها كأهم لاعب أجنبي في جميع أنحاء العراق. فهي تستمر في ممارسة نفوذ كبير على الجماعات الشيعية التي حكمت أو شغلت مناصب أمنية وحكومية في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الذي أطاح بصدام حسين في سنة 2003.

ومن الناحية الجيوسياسيّة الأوسع، رأت إيران في احتمال استقلال كردستان تهديدا كبيرا، حيث يمكن أن يعرقل استراتيجيتها في نشر نفوذها عبر الشرق الأوسط، بهدف التفوق على النفوذ السعودي المدعوم من الولايات المتحدة، بحسب المقال.

وفي هذا السياق، ازدادت مخاوف إيران عندما صرح الرئيس السابق مسعود بارزاني في نهاية سنة 2017 بأن العراق ينبغي أن يقسم إلى كيانات شيعية وسنية وكردية منفصلة لمنع المزيد من إراقة الدماء الطائفية.

في تلك الأثناء، وصف رئيس الوزراء العراقي آنذاك، حيدر العبادي، التصويت على الاستفتاء بأنه "غير دستوري". بناء على ذلك، ستقوم الحكومة الفيدرالية العراقية بالسيطرة على المعابر الحدودية الرسمية التي تربط إقليم كردستان بالدول المجاورة، وفرض قيود على الرحلات الجوية الدولية من وإلى مطاري أربيل والسليمانية. وحصل البرلمان العراقي على تفويض من العبادي لإرسال قوات إلى منطقة كركوك المتنازع عليها، ودعا "الدول المجاورة ودول العالم" إلى التوقف عن شراء النفط الخام مباشرة من كردستان والتعامل فقط مع الحكومة الفيدرالية في بغداد.

وأشار الكاتب إلى أن هذا القرار جاء استكمالا لتصريحات سابقة للعبادي، حيث أكد أنه أمر وزارة النفط بتعبئة جميع الموارد القانونية لمنع جميع السفن في المستقبل من تفريغ شحنات صادرات النفط الخام التي يتم تصديرها من قبل حكومة إقليم كردستان إلى أي وجهة، وذلك بعد عدة حوادث تم فيها تحميل النفط الكردي على ناقلات للتصدير. وكانت هذه الخطوات بداية الجمود المستمر بين الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة إقليم كردستان حول مبيعات النفط المستقلة من المنطقة شبه المستقلة، مما أدى إلى تقدم الجهود الرامية إلى إنهاء استقلال كردستان العراق وإدماجها بشكل كامل مع باقي أجزاء العراق.

بحسب الكاتب، فإن ما يعنيه وجود شركتي "توتال إنرجيز" و"بي بي" بالنسبة لكردستان العراق لا يزال غير واضح تمامًا. فمن جهة، قد يشعر الأكراد، المعروفون بوعيهم التاريخي العميق، بالقلق لأن الشركتين السابقتين – وهما "شركة النفط الإنجليزية-الفارسية" و"شركة النفط الفرنسية" – كانتا من المساهمين الرئيسيين (بنسبة 23.75% لكل منهما) في تحالف شركة النفط التركية الذي هيمن على عمليات استكشاف وإنتاج النفط في العراق من سنة 1925 إلى سنة 1961.

ومن جهة أخرى، فإن هاتين الشركتين كانتا لفترة طويلة جزءا من مجموعة صغيرة من الشركات النفطية والغازية الكبرى التي كانت في طليعة الجهود الغربية لتأمين تدفقات النفط والغاز بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022. وقد تم ذلك رغم المنافسة الشديدة من الشركات الصينية والروسية التي ركزت على تأمين أكبر قدر ممكن من هذه التدفقات الحيوية على حساب الغرب، نظرًا لأن إمدادات النفط والغاز العالمية تعتبر لعبة محصلتها صفر.

وأضاف الكاتب أن الغرب كان يدعم لفترة طويلة الوضع شبه المستقل لإقليم كردستان العراق، لذا فإن من المحتمل أن يسعى لإعادة التوازن بين الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة إقليم كردستان بمرور الوقت، وقد تكون كركوك مثالًا على كيفية نجاح نسخة جديدة من اتفاقية النفط مقابل مدفوعات الميزانية لسنة 2014 بشكل أكثر فعالية.

وأشار الكاتب إلى أن التاريخ التعاوني بين الشركات البريطانية والفرنسية قد يؤدي إلى تحقيق تكاملات مستقبلية لمشاريعها في العراق. ولعل أبرز هذه المشاريع هو عمل شركة "توتال إنرجيز" على تنفيذ مشروع إمداد المياه المالحة المشتركة، الذي يعد بالغ الأهمية. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل المرحلة الأولى من المشروع المحدث في سنة 2028.

ويتضمن مشروع إمداد المياه المالحة المشتركة سحب خمسة ملايين برميل يوميًا من مياه البحر من الخليج الفارسي، ليتم نقلها عبر أنابيب إلى منشآت إنتاج النفط في محافظات البصرة وميسان وذي قار. ويهدف هذا المشروع إلى الحفاظ على الضغط في المكامن النفطية الرئيسية لزيادة عمر وفعالية إنتاج الحقول.

ولفت الكاتب إلى أن حقلي كركوك والرميلة، وهما من أقدم وأهم الحقول في العراق، حيث بدأ الإنتاج في كركوك في عشرينيات القرن الماضي وفي الرميلة في الخمسينيات، قد أنتجا معا حوالي 80% من الإنتاج النفطي التراكمي للعراق. يتطلب كلا الحقلين تدفقا مائيًا مستمرًا للحفاظ على ضغط الخزان. ووفقًا للأرقام الصناعية، فقد انخفض ضغط المكامن في كركوك بشكل كبير بعد إنتاج حوالي 5% فقط من النفط الموجود في الحقل. أما حقل الرميلة، فقد أنتج أكثر من 25% من النفط الموجود فيه قبل أن يحتاج إلى دفق مائي، وذلك بسبب اتصال تكوينه الرئيسي بمصدر كبير للمياه الجوفية.

وأشار الكاتب إلى أن التعاون بين شركتي "بي بي" و"توتال إنرجيز" في هذا المجال يمكن أن يعزز بشكل كبير إنتاج النفط في العراق سواء في الجنوب أو الشمال.

ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن العراق يمتلك احتياطات نفطية مثبتة تقدر بحوالي 145 مليار برميل من النفط الخام، وهو تقدير متحفظ جدًا. لكن من المحتمل جدًا أن العراق يملك كمية أكبر بكثير من النفط.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2010، قامت وزارة النفط العراقية برفع الرقم الرسمي لاحتياطيات البلاد المثبتة، لكنها في الوقت نفسه ذكرت أن الموارد غير المكتشفة في العراق قد تصل إلى حوالي 215 مليار برميل. مع ذلك، لم يشمل هذا الرقم النفط في إقليم كردستان العراق.

ووفقا لما أبرزته وكالة الطاقة الدولية بشكل منفصل، فإن مستوى الموارد القابلة للاستخراج في جميع أنحاء العراق (بما في ذلك إقليم كردستان) قد يصل إلى حوالي 246 مليار برميل من النفط وسوائل الغاز الطبيعي.