ملفات وتقارير

هكذا يساوم "الإطار الشيعي" سُنة العراق للإفراج عن معتقليهم

وتسعى القوى السنية إلى إقرار قانون العفو العام للإفراج عن المعتقلين السُنة
منذ أكثر من أسبوعين، يشهد العراق جدلا واسعا بين القوى السياسية العراقية، بسبب قانوني "العفو العام" الذي تطالب به الكتل البرلمانية السُنية، و"الأحوال الشخصية"، المقدّم من "الإطار التنسيقي" الشيعي، وترفضه قطاعات مجتمعية دينية ومدنية وسياسية واسعة في البلاد.

ورغم خلو جدول أعمال البرلمان، من تعديل قانون "الأحوال الشخصية"، إلا أن المجلس أدرجه بشكل مفاجئ في جلسة، الأحد، وتمت قراءته قراءة أولى مع قراءة تعديل "قانون العفو"، الذي كان من أهم فقرات الاتفاق السياسي المُشكّل للحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.

وتأتي قراءة القانونين قراءة أولى، بعد تأجيل رئاسة البرلمان مناقشة قانون "الأحوال الشخصية"، قبل نحو عشرة أيام، وإعلان نواب من "الإطار التنسيقي" مقاطعتهم للجلسات إلى حين إعادة إدراجه ضمن جدول أعمال الجلسات، مؤكدين أن "العفو العام" لن يمر من دون ذلك.

"ليّ للأذرع"
تعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي العراقي، معتز النجم لـ"عربي21" إن "النظام السياسي في العراق مبني على المحاصصة التوافقية أكثر مما هو ديمقراطي، وبالتالي فإن موضوع المساومات وفرض القوانين مقابل إقرار أخرى، هو ديدن هذا النظام".

وأوضح النجم أن "هناك قوى سياسية تعتاش على الصفقات السياسية، وأخرى لديها جمهور لديهم متطلبات، وأن مطلب السنة هو قانون العفو، لكن اليوم المكون السياسي السني مشتت".

ولفت إلى أن "النهج الحكومي للسوداني يعتمد على المزاج السياسي في البلد، خصوصا أننا نعيش في ظروف ارتداد الظاهرات السياسية، سواء كان قانون الأحوال الشخصية أو العفو العام".

وتساءل النجم: "هل العفو العام سيلبي طموح أكبر شريحة أم إنه مجرد قانون مفرغ من فحواه الحقيقي؟ وهذا يعتمد على إصرار المكون السني وزعامته على تمكين المجتمع السني من الاستفادة من هذا القانون".

وأوضح أن "هناك فقرة تتعلق بالإرهاب، وأن الكثير من المجتمع السني متهم بها، لذلك يجب أن تحصل دراسة مستفيضة للقانون من مختصين قانونيين وتجزئة فقراته، والفصل بين من جرى حكمهم جرّاء وشاية المخبر السري، وبين من يحكم وفق مشتك وكشف دلالة وغيرها".

وشدد الخبير العراقي على "ضرورة أن يصاغ قانون العفو العام بشكل مُحكم قبل إقراره في البرلمان، وألا يمر النواب مرور الكرام على فقراته المهمة المدرجة فيه إلا بعد صياغته بالشكل الصحيح".

وأكد النجم أن "موضوع المجاملات السياسية واقع حقيقي، لكن ما يؤخذ على القوى السنية، هو تشتتهم الواضح وخصوصا ما ظهر في موضوع حسم منصب رئاسة البرلمان، وهذا جعلهم لقمة سائغة وسهلة جدا أمام المكون الآخر. واليوم الكفة غير متوازنة في البرلمان".

وتسعى القوى السنية إلى إقرار قانون العفو العام للإفراج عن المعتقلين السُنة الذين يقدر عددهم بأكثر من 30 ألفا، جرى اعتقالهم وفق وشاية المخبر السري بتهم تتعلق بالإرهاب، وحكم الآلاف منهم بالإعدام والمؤبد جرّاء اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب.

أما قانون الأحوال الشخصية، فيضيف النجم، أننا رأينا العديد من ردود الفعل والاستنكار من منظمات مجتمعية، لذلك فإنه رغم جوانبه الدينية، فإنه يجب أن "يؤخذ بنظر الاعتبار العقد الاجتماعي والثقافات المتوارثة لدى الشعب".

من جهتها، قالت البرلمانية العراقية، نور نافع الجليحاوي، إن "هناك اعتراضا نيابيا كبيرا على تعديل قانون الأحوال الشخصية، لأن هذا التعديل يشكل خطورة حقيقية على الأسرة والمجتمع، ويخالف القانون والدستور وحتى قرارات المحكمة الاتحادية".

وأكدت البرلمانية والناشطة الحقوقية، الاثنين، أن "أطرافا سياسية شيعية تريد تمرير هذا التعديل من خلال سياسة لي الأذرع، فهو يواجه رفضا وتحفظا من قبل القوى السياسية السنية، لكن تمت مساومتهم بقراءة هذا التعديل مقابل القراءة الأولى لتعديل قانون العفو العام".

"إرادة إطارية"
من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي، جبار المشهداني، أن "الجهة السياسية التي تناور مع جهة أخرى أو تساومها يعني أنها بحاجة لها، لكن الإطار التنسيقي الشيعي ليس بحاجة للقوى السنية البرلمانية، لأنه يمتلك الأغلبية في البرلمان، وبإمكانه تمرير ما يريده".

وأضاف المشهداني لـ"عربي21" أن "قانون العفو العام سيمضي بالصيغة التي يريدها الإطار التنسيقي، وليس كما يسعى إليه نواب المكون السني، وكذا الحال بالنسبة لتعديل قانون الأحوال الشخصية، فإنه سيمرر أيضا بالشكل الذي يريده الإطار".

وأكد الخبير العراقي أن "الإطار التنسيقي لديه الأغلبية البرلمانية، وبالتالي يمتلكون كل عناصر القوة التي يمارسون فيها سطوتهم داخل قبة البرلمان، لذلك هم سيفرغون قانون العفو العام من فحواه ثم يمررونه، وقانون الأحوال الشخصية سيجري إقراره أيضا وفق ما يريدون".

ورأى المشهداني أنه "ليس هناك دور برلماني سني حقيقي، وأن القوى السنية في الدورة الحالية سواء في الحكومة أو البرلمان، هدفها الدفاع عن مصالحها فقط، وهذا ينطبق على كل من يمثل هذا المكون في جميع المناصب والمراكز السياسية الحالية".

وشدد على أن "الإطار التنسيقي بإصراره على تمرير قانون الأحوال الشخصية يحاول التقرب من المراجع الدينية، حتى يقال إنه ملتزم بما تريده المراجع، أو كما يقال إنهم يسعون إلى تحسين السمعة".

وأردف: "القوى السياسية الشيعية تحرص على إظهار نفسها أمام جمهورها أنها المدافعة عن المذهب وأنها التي تصبو إلى تحقيق طموحات جمهورها الشيعي المذهبي، لكنها لا تلتفت إلى الجماهير هذه في ما يتعلق بالخدمات بالمحافظات الجنوبية".

وخلص المشهداني إلى أن "القوى الشيعية تذهب باتجاه الاستقطاب المذهبي لأنه أسهل، ويحقق لها المكاسب السياسية فقط من دون الالتفات إلى ما يريده الشارع، ولا سيما الشيعي من خدمات وغيرها من المطالب".

وكان الشيخ عبد الستار عبد الجبار خطيب مسجد "أبي حنيفة النعمان" ونائب رئيس المجمع الفقهي العراقي (أكبر مرجعية للسنة في البلاد)، قد وجه انتقادا شديدا لطريقة صياغة تعديل قانون الأحوال الشخصية من قبل أعضاء المكون الشيعي في البرلمان.

وقال عبد الجبار إن تعديل قانون الأحوال الشخصية، "تمت صياغته بنفس طائفي ممقوت، وإن برلمانيين طائفيين من الشيعة يساومون الأبرياء (المعتقلين) لكسب مصالح فئوية ضيقة، وهم لا يستحقون أن يكونوا أعضاء برلمان".

ويحدد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد المراد صياغته وفق المذهب "الجعفري" الشيعي، قواعد الميراث والزواج والطلاق والنفقة للمرأة، ويرى المدافعون عن القانون أنه لا يفعل سوى تنظيم الممارسات اليومية لأتباع المذهب الشيعي.

لكن معارضيه الذين يمثلون مختلف التيارات الفكرية يرون في المشروع خطوة إلى الوراء وانتهاكا لحقوق المرأة في العراق بسبب تحليل زواج المتعة رسميا، وأيضا موضوع حرمانها من الميراث، ويشعرون بالقلق من أنه يزيد الاحتقان الطائفي في بلاد تشهد توترات سنية شيعية متواصلة.

وفي عام 2017 اقترح نواب شيعة تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي يحظر الزواج قبل سن الـ18 عاما، ويمنع خصوصا رجال الدين من مصادرة حق الأهل بالتوجه إلى محاكم الدولة.