صحافة دولية

تصعيد الاحتلال ضد مدن الضفة يساهم في رفع حدة المقاومة في ظل العدوان على غزة

يصعد الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية بالتزامن مع عدوانه على غزة- الأناضول
تسببت الغارات الإسرائيلية التي تستهدف المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة في خسائر فادحة في الحياة اليومية في المنطقة، حيث خلفت مئات الشهداء ودمرت الأحياء، وهي تكتيكات تغذي الاستياء وتسبب المزيد من الاضطرابات، حسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست".
 
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 554 فلسطينيا في الضفة الغربية المحتلة وفقا لبيانات الأمم المتحدة، وهي أعلى من أي إجمالي سنوي منذ بدأت الأمم المتحدة العد في عام 2005. وتم اعتقال أو إصابة آلاف آخرين، في عمليات كاسحة مدعومة بمسيّرات وطائرات حربية وطائرات هليكوبتر مسلحة. 

في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، والتي كانت مركزا قديما للفصائل الفلسطينية ومركزا رئيسيا للعمليات الإسرائيلية الأخيرة، فإن تأثير الغارات ودورها في تأجيج التشدد صارخ بشكل خاص. هنا، في الأزقة المليئة بالأنقاض في مخيم جنين للاجئين، يقول السكان إنهم أصبحوا أكثر صلابة بسبب الغارات وراقبوا لأشهر الشباب المحليين وهم يحملون السلاح بشكل متزايد، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".

وقال أشرف جرادات (42 عاما) بعد ساعات فقط من انسحاب القوات الإسرائيلية في أعقاب غارة في الخامس من تموز/ يوليو، "إنهم يدمرون كل البنية الأساسية، والكهرباء، والمحلات التجارية".

وكانت غارة جوية استهدفت خمسة مسلحين في ذلك اليوم قد حطمت نوافذ جرادات وتسببت في تشقق خزان المياه على سطح منزله. وأضاف جرادات في حديثه للصحيفة الأمريكية: "لقد سئمنا من هذا الأمر. لقد أصيب الأطفال بصدمة نفسية". 

بعض العمليات العسكرية في الضفة استمرت أياما، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء والمياه واحتجاز السكان في منازلهم بينما تدور المعارك في الخارج. وكل منزل هنا تقريبا مليء بالثقوب بسبب الرصاص والشوارع التي تمزقها الجرافات الإسرائيلية.

الآن، تقوم مجموعة جديدة من المقاومين الفلسطينيين، الذين يتم تنظيمهم بشكل فضفاض تحت مظلة مجموعة تسمى كتيبة جنين، بدوريات عند مداخل المخيم، وفقا للتقرير.

وتقود الكتيبة، التي تأسست قبل ثلاث سنوات، حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. لكنها تضم أيضا مقاتلين من جماعات مسلحة أخرى وتتعاون بانتظام مع حماس، ما يجعلها "حجر الزاوية" للنضال المسلح في الضفة الغربية، كما قال سامر أبو مراد البالغ من العمر 22 عاما، أحد أبرز مقاتلي الكتيبة. 

بعد استشهاد إسماعيل هنية، الذي اغتيل في طهران يوم الأربعاء، سارت الكتيبة في شوارع جنين في تلك الليلة، وهنأت الجناح المسلح لحماس على "استشهاد القائد العظيم... إسماعيل هنية". 

وقال أحد القادة، وفقا لفيديو للمظاهرة: "نقول للعدو إننا في كتيبة جنين سنستمر على نفس طريق الشهداء". 

وقال أبو مراد إن المجموعة "خسرت الكثير من أعضائها" منذ تشرين الأول/ أكتوبر، مقدرا أن ما بين 70 و80 من عناصرها استشهدوا على يد القوات الإسرائيلية.

وأضاف في حديثه لـ"واشنطن بوست": "لكن في الوقت نفسه، كلما خسرنا المزيد، زاد ذلك من عزيمتنا"، مدعيا أن الكتيبة جندت منذ ذلك الحين ضعف عدد المقاتلين الذين فُقدوا. 

وذكر التقرير، أن الغارة في جنين في 5 تموز/ يوليو، قتلت القوات الإسرائيلية ستة مقاومين، من بينهم ثلاثة من الكتيبة، وأطلقت النار على أحد المارة المدنيين، وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

واستشهد مسلح آخر أصيب في غارة جوية بعد يومين. وكان من بين الضحايا أيضا اثنان من عناصر حماس، الشقيقان حارث حشاش، 19 عاما، وهمام حشاش، 23 عاما. 

وكان همام حشاش أحد المسؤولين عن هجوم بقنبلة على جانب الطريق أدى إلى مقتل قائد فريق قناصة إسرائيلي في حزيران/ يونيو، وفقا لبيان صادر عن جيش الدفاع الإسرائيلي ومقطع فيديو نشرته حماس.

وقال أبو مراد إن المشتبه به الآخر، نضال العامر البالغ من العمر 22 عاما، قاتل في صفوف الجهاد الإسلامي الفلسطيني قبل أن تغتاله قوات الاحتلال في جنين في 3 تموز/ يوليو. 

وأضاف أبو مراد، إن الهجوم المشترك على القافلة، والذي أدى أيضا إلى إصابة 16 جنديا إسرائيليا، كان مثالا على كيفية تعاون الجماعات المسلحة وتكيفها في الضفة الغربية.

وأضاف أن المقاومين يعملون في خلايا أصغر وأكثر رشاقة، ما يحسن من تقنيات التتبع والمراقبة وصنع القنابل. كما أنهم يزدهرون في تبادل إطلاق النار عن قرب، وينشرون القماش المشمع عبر الأزقة الضيقة في المخيم لحماية أنفسهم من المسيرات. 

خارج أنقاض منزل عائلتهم المحترق، على تلة تطل على المدينة، قالت نسيبة حشاش البالغة من العمر 28 عاما إنها لم تكن تعلم أن شقيقيها مرتبطان بحماس.

كان همام يعمل ساعيا، يوصل الطعام على دراجته النارية. ولكنهم كانوا من بين "جنود الظل" في جنين، كما قال أبو مراد. "إنهم يقاتلون ... وفي اليوم التالي، يذهبون إلى العمل بشكل طبيعي ولا أحد يعرف ماذا يفعلون". 

وبينما لا يزال المقاومون غير منضبطين نسبيا، فإن قدراتهم المتزايدة، بما في ذلك استخدام القنابل على جوانب الطرق، "دفعت كبار قادة (جيش الاحتلال) إلى إعادة التفكير في أساليب العمل في مخيمات اللاجئين"، كما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية. 

بحسب التقرير، لسنوات كان المقاومون الفلسطينيون في حالة من الركود في الضفة الغربية، بعد أن تضرروا من رد إسرائيل الساحق على الانتفاضة الثانية، وهي انتفاضة جماهيرية بدأت في عام 2000.

كانت العمليات العسكرية أكثر محدودية في نطاقها، حتى مع استيلاء إسرائيل على المزيد من الأراضي من خلال توسيع المستوطنات اليهودية في جميع أنحاء الضفة الغربية، وفقا للتقرير.

لم تبدأ الديناميكيات في التحول إلا في عام 2021، مع تصاعد التوترات في القدس بسبب طرد بعض العائلات الفلسطينية. على مدى العامين التاليين، ارتفعت وتيرة العنف، وشن الجيش حملة قمعية، وارتفع عدد الجماعات المسلحة النشطة في الضفة الغربية. 

ونقل التقرير عن تهاني مصطفى، المحللة الفلسطينية البارزة في مجموعة الأزمات الدولية، قوله عن كيفية إنشاء كتيبة جنين والخلايا الأخرى: "كان الإسرائيليون شديدي القسوة عند دخولهم، ومن هنا بدأت غريزة الحماية". 

في عام 2022، شن جيش  الاحتلال الإسرائيلي عملية "كاسر الأمواج"، حيث نفذ أكثر من 2000 غارة في ستة أشهر فقط، وفقا لمشروع بيانات الأحداث ومواقع الصراعات المسلحة، وهي مجموعة بحثية غير ربحية تجمع وترسم خرائط للعنف السياسي. 

وبحلول تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقبل هجمات حماس، "لم يتبق الكثير" من الكتيبة في جنين، كما تقول تهاني مصطفى. "ولكن بمجرد وجود محفز فوري، فسيعاد تشكيل هذه المجموعات". 

وأضافت: "هذا شيء يرفض الإسرائيليون تعلمه عمدا في الحقيقة. أن هذا ليس شيئا يمكنك قمعه بالإكراه". 

في جنين، المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 68000 نسمة، فشلت المداهمات في تحويل السكان ضد المقاومين، ودفعتهم بدلا من ذلك إلى التجمع لدعم الكتيبة. بعض النساء يطعمن المقاتلين ويخبئنهم. قال رجل في جنين، عرّف عن نفسه باسم أسامة فقط لأسباب أمنية، إنه يدير قناة تليغرام لتنبيه السكان إلى المركبات العسكرية المقتربة. 

قال مجاهد عبادي، 24 عاما، للصحيفة الأمريكية من سريره في المستشفى الشهر الماضي، بعد أسبوعين من إطلاق القوات الإسرائيلية النار عليه خلال غارة في جنين: "لا يوجد مكان آمن في المخيم".

لقد ربط جيش الاحتلال الإسرائيلي بائع الخضار المصاب عبادي، الذي لا تربطه أي صلة بالمقاومين، على غطاء سيارة جيب عسكرية في طقس شديد الحرارة، ما أدى إلى إصابته بحروق شديدة بالإضافة إلى الجروح الناجمة عن طلقات نارية في ذراعه وساقه. 

وقال عبادي: "الغضب الآن في داخلي. أعتقد أن المقاومة محقة في الدفاع عن المخيم". 

وذكرت الصحيفة أنه حتى مع اعتقال أو قتل المقاومين، فإن العنف في جنين اجتذب تدفقا ثابتا من المجندين من القرى المحيطة. كان أحد المقاومين الذين استشهدوا في غارة الخامس من تموز/ يوليو ـ ياسين العريدي البالغ من العمر 30 عاما ـ أحد قادة حماس من جلقموس، وهي قرية تقع على بعد نحو 12 ميلا جنوب شرقي جنين. وقال والده، وهو مزارع خيار وبندورة ويتكلم بهدوء، إن ابنه كان مختبئا في مخيم جنين للاجئين لمدة عام تقريبا. 

وقال شقيقه الأكبر سامر (46 عاما) في نصب تذكاري في القرية: "كان العريدي يريد نفس ما يريده أي شخص ـ أن يعيش حياة بسيطة". ولكنه "رأى الدمار والقتل" وقرر حمل السلاح. 

أما عامر، أحد المتهمين بالهجوم بالقنابل على جانب الطريق، فقد "كان القتال في دمه"، كما قالت عمته دلال العامر (50 عاما).  

وكان والد عامر، زياد، الذي ساعد في قيادة كتائب شهداء الأقصى خلال الانتفاضة الثانية، قد استشهد أثناء معركة جنين عام 2002 عندما كان ابنه رضيعا.

قالت دلال للصحيفة: "كنا نقول له: لديك تاريخ من المقاتلين في العائلة - أعمامك، والدك. لديك الفرصة" لعيش حياة طبيعية، وأضافت: "كان ذلك بلا فائدة". 

دُفن عامر في جنين، في موقف سيارات حوّله السكان إلى مقبرة العام الماضي بعد أن نفدت المساحة في المقبرة الأصلية.

شارك ابن دلال البالغ من العمر 16 عاما - ابن عمة عامر – في حمل نعش عامر. قالت إنه قبل ذلك كان "صبيا صغيرا"، خائفا من العنف من حوله. لكن بعد ذلك اليوم، "هزم الخوف بداخله. رأيت ذلك في عينيه". 
وقالت إنه إذا لم ينته به الأمر باتباع خطى أقاربه، "فسيكون ذلك استثناء".