عقب عملية طوفان الأقصى سارعت وزارة أمن الكيان الصهيوني
إلى إلغاء الشروط المقيِّدة وتوسيع شروط الحد الأدنى لإصدار ترخيص حمل
السلاح،
ومنح التسهيلات لاستصدارها، وتقصير فترة فحص الطلبات، وذلك بعد مصادقة لجنة الأمن
البرلمانية على اللوائح في الأسبوع الأول من الحرب على غزة.
وبموجب ذلك، سيتمكن أي "إسرائيلي" خدم بالجيش (وهو
أمر يُعفى منه معظم العرب) ويزيد عمره عن
21 عاما، وأنهى الخدمة العسكرية الكاملة، ويحق له الحصول على شهادة
"مقاتل"، أن يتقدم بطلب للحصول على ترخيص لحمل سلاح ناري خاص لمدة تصل
إلى 20 عاما، بعد انتهاء خدمته النظامية أو الاحتياطية.
وتشمل التسهيلات كل
المستوطنين الذين يقطنون الأراضي
الفلسطينية المحتلة عام 1967، حتى لو لم يخدم بالجيش، كما تشمل التسهيلات أيضا
المهاجرين الجدد، إذ سيتم تسليحهم مباشرة، وكذلك فرق التطوع بالإسعاف "نجمة
داود الحمراء" وفرق الإطفاء والإنقاذ.
تشمل التسهيلات كل المستوطنين الذين يقطنون الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، حتى لو لم يخدم بالجيش، كما تشمل التسهيلات أيضا المهاجرين الجدد
كما تمنح اللوائحُ الجديدة كل فتاة يهودية أدَّت
"الخدمة الوطنية" لمدة عام الفرصةَ للتقدم بطلب رخصة لحمل السلاح، وأيضا
جميع العائلات اليهودية التي تسكن الكيبوتسات (المستوطنات الزراعية والعسكرية)
داخل الخط الأخضر وفي المناطق الحدودية، وكذلك جميع أفراد الشرطة الذين أحيلوا إلى
التقاعد.
في أقل من شهر بعد بدء الحرب تلقت الجهات الصهيونية 174
ألفا و453 طلبا للحصول على ترخيص لحمل أسلحة، بحسب ما أفاد الموقع الإلكتروني
لصحيفة "يديعوت أحرونوت" في 31 تشرين الأول/ أكتوبر، وفي ظل هذا الإقبال
على طلبات الترخيص، فتحت وزارة الأمن مراكزها في جميع أنحاء الكيان، وأظهرت
معطياتها أن المراكز تستقبل يوميا ما معدله 10 آلاف طلب جديد، بينما كان
يتم استقبال نحو 850 طلبا أسبوعيا قبل اندلاع الحرب. وذكرت
تقارير صحفية في دولة
الاحتلال أن عملية الحصول على تصريح حمل سلاح للمستوطنين تستغرق
20 ثانية فقط.
وكان الاحتلال قد أصدر 12897 تصريحا للسلاح في 2022، و10064
في 2021، ووفق
معطيات أمنية صهيونية ذكرتها "هآرتس"، فإن نحو 148 ألف مستوطن ومواطن "إسرائيلي"
يحملون رخصة حمل سلاح حتى يوم 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وهذا العدد الكبير لا
يشمل جنود الاحتلال وأفراد شرطته والحراس وغيرهم، بحسب ما نقله موقع قناة القاهرة الإخبارية في تقرير لها بعنوان: "تسليح
المستوطنين.. العصابات الصهيونية تعود إلى الواجهة".
على خلفية هذا التسارع، قدَّم رئيس شعبة ترخيص الأسلحة
النارية بوزارة الأمن القومي في دولة الاحتلال، إسرائيل أفيسار، استقالته من منصبه
بعد 6 سنوات من شغله له، بسبب تصرفات الوزير اليميني المتطرف بن غفير، وتوزيع
السلاح بدون معايير على المواطنين.
وذكر أفيسار في جلسة استماع في الكنيست أن أشخاصا
عُيِّنوا دون شهادات لإصدار تراخيص أسلحة. وفي معرض انتقاد بن غفير لاستقالة
أفيسار، أعلن أن أكثر
من 260 ألف "إسرائيلي" تقدموا بطلبات للحصول على رخص بحمل السلاح منذ
السابع من أكتوبر، وهذا الرقم كان حتى مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2023 فقط، ولم
تُعلن أرقام أخرى بعدها.
وفي نهاية أيار/ مايو الماضي قالت القناة
السابعة الصهيونية إن الجيش سيوزع مزيدا من الأسلحة الرشاشة على المغتصِبين
في الضفة الغربية، بحسب موقع
الجزيرة نت. ويضيف الموقع، أن القناة المحسوبة على المغتصبين نقلت عن مصدر
في الجيش قوله إن توزيع الأسلحة سيشمل المستوطنين من غير الأعضاء في الفرقة
الاحتياطية "من أجل تعزيز الأمن". وأضافت
أن الأسلحة ستوزع وفق المعايير المتفق عليها، وسيتم ذلك من خلال الحاخامات والتقسيمات الإقليمية، وبالطبع لا ينبغي لنا المرور على وظيفة الحاخامات مرور
الكرام.
لكن
ما الداعي إلى استرجاع تلك البيانات والأرقام مرة أخرى؟
لا
تزال الدعاية الصهيونية تقوم على فكرة مقتل نحو 1200 مدني صهيوني يوم السابع من
أكتوبر 2023، وبالطبع هناك تجاهل لروايات شهود عيان من سكان المغتصبات ذكروا فيها أن
جيشهم أطلق نيران المدفعية تجاه مقاومين وكانت معهم أُسر من سكان المغتصبات، فضلا
عن تأكيدات لتفعيل بروتوكول هانيبال الذي يقضي بقتل الأسرى الصهاينة مع آسريهم،
حتى لا يكونوا ورقة تفاوض مع دولة الاحتلال. والواقع أن أعداد القتلى بنيران
الاحتلال غير محصورة، لكن معلوم أن القتل بالقصف الجوي أو المدفعي يُخلِّف العشرات
مع كل صاروخ أو قذيفة، كما نرى مع أهلنا في غزة.
التسليح الصهيوني يسبق طوفان الأقصى بحسب التقارير السابقة، وهي تقارير تتحدث في الأغلب عن تقديرات لا عن أرقام حقيقية
لكن
السؤال الأهم متعلق بمن يُطلق عليهم مدنيون في أوساط الاحتلال، وقُتلوا بالفعل يوم
السابع من أكتوبر برصاص المقاوِمين، فهل كان هؤلاء مدنيون فعلا ولم يحملوا سلاحا
في مواجهة المقتحمين للمغتصبات الصهيونية حول قطاع غزة؟
إن
التسليح الصهيوني يسبق طوفان الأقصى بحسب التقارير السابقة، وهي تقارير تتحدث في
الأغلب عن تقديرات لا عن أرقام حقيقية، وذلك بحسب تقرير لمركز رؤية للتنمية السياسية
بعنوان "تسليح المستوطنين.. هل تمهد للمواجهة مع الفلسطينيين في الضفة
الغربية؟"، وجاء فيه: "وقد أظهر تقرير لموقع "سيحا مكوميت" العبري
ذي التوجهات اليسارية، أن سياسة دولة الاحتلال منذ عام 2019 تقوم على التعمية حول
كمية السلاح التي يمتلكها المستوطنون في الضفة، ولا توجد أي معلومات حولها، وكل ما
ينشر عبارة عن تقديرات لا تعكس الواقع الفعلي".
من
جهة أخرى، وعقب ما حدث في مجدل شمس المحتلة، ذكرت صحيفة إسرائيل هيوم أن جيش
الاحتلال بدأ بإقامة ثُلل تأهب (ثلل جمع ثلة)، في القرى الدرزية في الجولان وإعادة
الأسلحة إلى بلدات خط المواجهة في الشمال، في إطار تغيير مفهوم الدفاع في المنطقة،
وهي الخطوة التي بدأت بعد 7 أكتوبر،
المعطيات تضعنا أمام قوات مسلحة غير نظامية، ما يستدعي وضع هذه الأمور في هذا السياق، وقبل وجود تحقيقات مستقلة جادة، لا ينبغي التماهي مع رواية الاحتلال
بما في ذلك تجنيد مئات السكان لحظائر الدفاع
(الاسم الجديد في ثلل التأهب)، وإقامة أسيجة أمنية وطرق منظومة في البلدات، وإدخال
أسلحة عديدة إلى مخازن السلاح الجديدة.
ويتابع
الموقع: في كل بلدة يرابط ما لا يقل عن 28 مقاتلا مع سلاح، عقب الاستجابة الكبيرة
للجمهور الدرزي في الفرقة 210 (المسؤولة عن هضبة الجولان). ويسمحون لهم بحيازة
السلاح الذي تلقوه في بيوتهم بعد التسريح، وبالتوازي، في كل البلدات في الجولان وفي
خط المواجهة في حدود الشمال سيواصل أعضاء ثلل التأهب حيازة السلاح في بيوتهم، وهو
ما لم يكن ممكنا قبل الحرب.
هذه
المعطيات تضعنا أمام قوات مسلحة غير نظامية، ما يستدعي وضع هذه الأمور في هذا
السياق، وقبل وجود تحقيقات مستقلة جادة، لا ينبغي التماهي مع رواية الاحتلال عما
جرى يوم بدء طوفان الأقصى، وستظل رواية المقاومة هي المصدر الموثوق، كما نثق بأنهم
سيحققون في أي تجاوز عندما تسمح الظروف بذلك، إذ إن عِصمة الأفراد من الزلل وتقويمهم
إذا خاضوا فيه، تظل بوابة البقاء والحفاظ على المجتمعات، حتى لو كان الزلل بسبب
العدو.