مقابلات

رئيس سُلطة المياه الفلسطينية لـ"عربي21": 70% من أنظمة المياه في غزة خرجت عن الخدمة

مازن غنيم أكد أن إسرائيل تستخدم المياه كـ "أداة ابتزاز" على الشعب والقيادة الفلسطينية للحصول على تنازلات سياسية
قال رئيس سُلطة المياه الفلسطينية، الوزير مازن غنيم، إن "أكثر من 70% من مرافق وأنظمة المياه والصرف الصحي في قطاع غزة خرجت عن الخدمة إما بشكل كامل أو بشكل جزئي، وتحتاج إلى صيانة عاجلة وطارئة، وخاصة في المناطق المأهولة بالسكان وأماكن النزوح".

وأكد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أنه "نتيجة للعدوان الإسرائيلي الحالي، يضطر معظم سكان غزة اليوم إلى اللجوء إلى مصادر المياه غير الصالحة للشرب، بما في ذلك الآبار الزراعية والمياه المالحة، ما يعرّضهم للأمراض المنقولة بالمياه. وتتراكم مياه الصرف الصحي في الشوارع وبين التجمعات ومراكز الإيواء، ما يُشكّل مخاطر صحية كبيرة".

وشدّد غنيم على أن "كل يوم يمضي دون وقف إطلاق النار، ودون توفير المتطلبات الإنسانية اللازمة لتشغيل مرافق المياه والصرف الصحي، يزيد من المخاطر على صحة وحياة أهالي غزة، وتتمثل هذه المخاطر في عدم حصولهم على الحد الأدنى اللازم للبقاء على الحياة، الأمر الذي يُهدّد بارتفاع حالات الجفاف والموت عطشا، وللأسف فقد تم رصد العديد من حالات الوفاة جراء الجفاف والجوع".

وأشار رئيس سُلطة المياه الفلسطينية، إلى أن "إسرائيل تستخدم المياه كـ (أداة ابتزاز) و(سلاح حرب) على الشعب والقيادة الفلسطينية لمحاولة الحصول على تنازلات سياسية".

وأوضح أن "إنهاء أزمة المياه مرتبط بإنهاء الاحتلال وحصول الفلسطينيين على مصادرهم المائية في الأحواض الجوفية وحصتهم في نهر الأردن، الأمر الذي يتطلب تنفيذ القوانين وقرارات الشرعية الدولية، وخصوصا أن الملف المائي هو أحد أصعب ملفات الحل النهائي، وهو أساس لقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة كأساس لحل الدولتين الذي ينادي به العالم".

وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

من المعلوم أن قطاع غزة يتعرض منذ سنوات سابقة لأزمة مياه خانقة.. فما أبعاد تلك الأزمة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي وحصار الاحتلال؟


بداية، وكما تعلمون، فإن قطاع غزة من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم، بمساحة إجمالية تقدر بحوالي 365 كم2، وبتعداد سكاني يقارب 2.3 مليون نسمة، ويعاني المواطنون هناك من أوضاع انسانية صعبة، ولا سيما من حيث توفر المقومات الأساسية للحياة والتنمية، وعلى رأسها خدمات المياه والصرف الصحي، وخصوصا في ظل توالي الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة المُحاصر منذ أكثر من 17 عاما.

وبالتطرق إلى الوضع المائي قبل العدوان، فإن قطاع غزة يعتمد بشكل أساسي على الخزان الجوفي الساحلي المصدر الرئيسي للمياه هناك، إلا أن عدم التوازن بين كميات المياه المغذية له والاستخدام المفرط له، والذي تجاوز أربعة أضعاف التغذية السنوية، أدى إلى تداخل مياه البحر المالحة إضافة إلى تلوثه بالمياه العادمة، حيث أصبحت 79% من المياه الجوفية غير صالحة للاستخدام الآدمي.

وتداركا لهذا الوضع المائي الصعب، قامت الحكومة الفلسطينية بالعمل لسنوات مع شركاء القطاع وضمن خطة مدروسة على تنفيذ العديد من المشاريع التطويرية في قطاع غزة، منها ما اعتبرته طارئ وباشرت بإنجازه مباشرة، واشتمل على إنشاء ثلاث محطات تحلية محدودة الكمية لغرض سد جزء بسيط من نقص المياه الصالحة للشرب لسكان القطاع، والعمل على معالجة التلوث الحاصل من خلال إنشاء ثلاث محطات تنقية مركزية لمعالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها للزراعة.

كما تمت إعادة تأهيل البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، إضافة إلى إنشاء عشرات الخزانات، كل ذلك بالتوازي مع تواصل تنفيذ الحل الجذري لتفادي الكارثة في القطاع من خلال برنامج محطة التحلية المركزية، وقد وصل حجم الاستثمار في قطاع المياه والصرف الصحي في غزة منذ العام 2015 ما يقارب المليار دولار، حيث نجحت هذه المشاريع الإستراتيجية في تفادي الكارثة البيئية التي كانت محدقة بقطاع غزة في العام 2020، والتي كانت تهدّد بأن تصبح غزة منطقة غير قابلة للحياة عدا عن تقليل العجز المائي، حيث ارتفعت نسبة المخدومين بمياه صالحة للشرب من 11% إلى حوالي 38% عام 2022، كما تم إيقاف ضح المياه العادمة إلى البحر، وهو المتنفس الوحيد لسكان القطاع، الأمر الذي ساهم في إعادته إلى وضعه الطبيعي، وبالتالي تحسين ظروف الحياة في القطاع.

وللأسف فإن العدوان الحالي نسف كل هذه الجهود؛ فخلال هذا العدوان الهمجي والذي خلّف الآلاف من الشهداء والجرحى غالبيتهم من الأطفال والنساء، وما أوقعه من دمار هائل وأعداد كبيرة من النازحين، لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي باستخدام أطنانا من القذائف والأسلحة ضد المدنيين، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير من خلال قراره باستخدام قطع الخدمات الأساسية من كهرباء وماء، ومنع إدخال المتطلبات الإنسانية من غذاء ودواء ووقود كعقاب جماعي ضد أهالي غزة. مع أن الاحتلال يعي مسبقا أن الوضع المائي في قطاع غزة، ونتيجة لتلوث أكثر من 97% من مياه الخزان الجوفي، كان يعاني أصلا من تحديات كبيرة، ومن توالي الاعتداءات السابقة والحصار المفروض عليه أصلا.

واليوم جراء هذه الجرائم الإسرائيلية يواجه المواطنين وبشكل متصاعد يوميا خطر الموت عطشا أو جوعا، وخصوصا الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال والمرضى، خاصة في ظل انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وانتشار الأمراض، والتي من المرجح أن تتفاقم بشكل خطير إذا ما استمر الوضع الراهن على ما هو عليه.

في الواقع، العالم يشاهد حجم المعاناة والاصطفاف بطوابير لساعات طويلة لتوفير بضعة لترات من المياه الصالحة للشرب إن توفرت، واضطرار المواطنين إلى استخدام مياه غير صالحة للاستخدام الآدمي، وهذا مشهد مؤسف للغاية.

كيف تفاقمت تلك الأزمة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير؟ وهل لديكم أرقام حول كمية المياه التي يحصل عليها سكان غزة في الوقت الراهن؟

في 9 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عن فرض "حصار كامل على غزة... لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا غاز. كل شيء مغلق". لقد تأثرت القدرة الإنتاجية المائية بشكل كبير بسبب هذا العدوان، حيث تشير التقديرات إلى أن الإنتاج انخفض إلى ما تجاوز 10 - 20% مما كان عليه قبل العدوان الإسرائيلي.

ولقد أصبحت جميع أنظمة إمدادات المياه في شمال غزة، بما في ذلك المصدران الرئيسيان لمياه الشرب مُعطّلة عن العمل، وواجهت شبكات المياه العديدة الأخرى في مناطق الوسط والجنوب أضرارا كبيرة أو أصبحت غير عاملة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى نقص الوقود، وانعدام الأمن، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمياه والمعالجة والتوزيع، وكان لانقطاع إمدادات الكهرباء والقيود المفروضة على إيصال الوقود إلى قطاع غزة آثار كبيرة على تشغيل مرافق الصرف الصحي، وقد توقف تشغيل محطات معالجة مياه الصرف الصحي الخمس.

ولسوء الحظ، نتيجة للعدوان الإسرائيلي الحالي، يضطر معظم سكان غزة اليوم إلى اللجوء إلى مصادر المياه غير الصالحة للشرب، بما في ذلك الآبار الزراعية والمياه المالحة، مما يعرّضهم للأمراض المنقولة بالمياه. وتتراكم مياه الصرف الصحي في الشوارع وبين التجمعات ومراكز الإيواء، مما يُشكّل مخاطر صحية كبيرة. ويتم تصريف ما يزيد عن 130 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي في البحر الأبيض المتوسط يوميا. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر نقص المياه على النظافة الشخصية، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض.

واليوم وفي العديد من التجمعات حصة المواطن من المياه في اليوم لا تتعدى 3 لترات، علما أن منظمة الصحة العالمية حدّدت أن الكمية اللازمة للفرد في اليوم للبقاء على الحياة هي 15 لتر، أما الحد الأدنى للحياة الطبيعية فهو 100 - 120 لتر.

ويشير التقييم الفني الأولي لحالة البنية التحتية ومرافق المياه والصرف جراء تداعيات العدوان الإسرائيلي، إلى أن أكثر من 70% من مرافق وأنظمة المياه والصرف الصحي قد خرجت عن الخدمة إما بشكل كامل أو بشكل جزئي، والتي تحتاج إلى صيانة عاجلة وطارئة وخاصة في المناطق المأهولة بالسكان وأماكن النزوح.

وأصبح تشغيل المرافق المائية مرهونا بتوفير الوقود الذي تواجهنا تحديات كبيرة لإدخاله، وللأسف أمام عدم القدرة على تلبية احتياجات مياه الشرب أصبح الحديث عن تلبية احتياجات النظافة العامة والاحتياجات الأخرى يأتي في المرتبة الثانية رغم أهميتها.

وقد أدى استمرار توقف أنظمة الصرف الصحي منذ اليوم الأول للعدوان الى فيضانات لمياه الأمطار والمياه العادمة في الشوارع والأحياء وتجمعات النازحين، والتي حوّلت حياتهم اليومية إلى معاناة كبيرة باتت تهدّد بانعكاسات كارثية على الصحة العامة والبيئة، عدا عن إعادة تلويث مياه الحوض الجوفي ومياه البحر، وهو ما كنّا قد حذرنا منه منذ البداية.

ما الأسباب التي أدت في السابق إلى تفاقم أزمة المياه في غزة، خاصة أن هذه الأزمة ليست وليدة العدوان الإسرائيلي الحالي؟

مرة أخرى، الأزمة المائية في غزة لها أسباب عديدة، أولها الكثافة السكانية العالية مع تزايد الطلب على المياه، الأمر الذي استدعى السحب الجائر من الخزان الجوفي المصدر المائي الرئيسي للقطاع وبما يزيد عن أربعة أضعاف التغذية السنوية له، الأمر الذي أدى تداخل مياه البحر والمياه والعادمة للخزان، وتلوث ما يزيد عن 97% من مياهه، والتي باتت غير صالحة للاستخدام الآدمي.

ومن جهة أخرى، فإن الاحتلال الإسرائيلي وفي كل عدوان على القطاع كان يتعمد استهداف البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وكان القطاع المائي يتكبد خسائر كبيرة، كما أن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع وما يفرضه من قيود صعبة على إدخال المواد والمعدات اللازمة لإنشاء المشاريع المائية وضع أمام الحكومة الفلسطينية تحديات كبيرة تطلبت جهود حثيثة لتجاوزها وبما يخدم تجاوز الأزمة القائمة، واليوم هذا العدوان الهمجي أعادنا إلى المربع الأول، وفرض علينا العمل بشكل إغاثي لتوفير ما أمكن من المياه للبقاء على الحياة.

وعموما، إسرائيل تستخدم المياه كـ "أداة ابتزاز" و"سلاح حرب" ضد الشعب والقيادة الفلسطينية لمحاولة الحصول على تنازلات سياسية.

بالتالي، كيف تأثر أهل غزة بأزمة المياه في القطاع المُحاصر؟ وهل رصدتم وفيات جراء تلك الأزمة؟

إن كل يوم يمضي دون وقف إطلاق النار ودون توفير المتطلبات الإنسانية اللازمة لتشغيل مرافق المياه والصرف الصحي، يزيد من المخاطر على صحة وحياة أهالي غزة وتتمثل هذه المخاطر في عدم حصول سكان غزة على الحد الأدنى اللازم للبقاء على الحياة، وخصوصا في شمال القطاع، الأمر الذي يُهدّد بارتفاع حالات الجفاف والموت عطشا. وللأسف فإنه قد تم رصد العديد من حالات الوفاة وخصوصا في الشمال جراء الجفاف والجوع.

ويضطر معظم سكان غزة إلى اللجوء إلى مصادر المياه غير الصالحة للشرب، بما في ذلك الآبار الزراعية المالحة، مما يعرضهم للأمراض المنقولة بالمياه الملوثة، والأمراض الناجمة عن ارتفاع ملوحة المياه.

كما يضطر سكان غزة للوقوف ساعات طويلة بطوابير وتحت القصف للحصول على المياه من المصادر المائية (الآبار) القليلة المتاحة، وقد تم توثيق عدة حالات لاستهداف المدنيين خلال انتظارهم في هذه الطوابير.

ويؤثر نقص المياه على النظافة الشخصية، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض، ومع انهيار النظام الصحي في غزة سيكون لانتشار هذه الأمراض مخاطر كبيرة.

إن نقص المياه في مستشفيات غزة يعرض حياة الآلاف من المرضى لخطر مباشر، ولا شك أن المياه ضرورية للحفاظ على الظروف الصحية في المستشفيات، ومنع العدوى المرتبطة بالمستشفيات، وإنقاذ حياة المرضى في الرعاية الحرجة. يحتاج العاملون في مجال الرعاية الصحية إلى الماء لمواصلة عملهم والقيام بعملهم.

كذلك يؤثر نقص المياه بشكل خاص على النساء والاطفال، حيث اضطرت النساء إلى تقنين إمدادات المياه للشرب والطهي، وأجبرت على التخلي عن احتياجات النظافة الشخصية والصرف الصحي، وفي الشمال أصبح من الصعب توفير احتياجات المرأة الخاصة الأساسية للمياه للشرب والطبخ والحمل والإرضاع والنظافة.

ومع توقف أنظمة الصرف الصحي ومحطات معالجة المياه العادمة تتراكم مياه الصرف الصحي بين مراكز الايواء وفي التجمعات السكنية، مما يُشكّل مخاطر صحية وبيئية كبيرة.

وللعلم، يتم تصريف أكثر من 130 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي في البحر الأبيض المتوسط يوميا مما تسبب بإعادة تلويث البحر في غزة، وسيؤدي عدم معالجة مياه الصرف الصحي وتصريف مياه الصرف الصحي في البحر إلى إحداث أضرار بيئية يمكن أن تكون لها عواقب طويلة المدى على بيئة المنطقة، كما ستلحق الضرر بسبل عيش المدنيين.

لو تحدثنا عن دور الاحتلال الإسرائيلي في مفاقمة أزمة المياه في غزة والضفة..

بداية يجب التأكيد أن الأزمة والحصار المائي الذي يعيشه المواطن الفلسطيني أساسها الاحتلال وسياساته المائية التعسفية، والمرتبطة بمخططات الاحتلال التوسعية غير الشرعية المتمثلة بالتوسع الاستيطاني ومخططات الضم وتهجير الفلسطيني من أرضه، والمتواصلة منذ ما قبل عام 1948 وحتى يومنا هذا؛ فيكفي أن نثبت حقائق قائمة على الأرض أهمها أن الاحتلال اليوم يسيطر على أكثر من 85% من المصادر المائية الجوفية، ويضع العراقيل أمام حصول الفلسطينيين على حقوقهم في الوصول واستغلال مياه ومقدرات نهر الأردن والبحر الميت.

ناهيك عن عرقلة الاحتلال لمشاريع المياه والصرف والصحي وهدم العديد من المشاريع والآبار القائمة، بالإضافة إلى أن مواقع المستوطنات يتم اختيارها بحيث تخدم هدف الاحتلال في السيطرة على المزيد من المصادر المائية ومنع الفلسطيني من الوصول إلى العيون والينابيع.

والمواطن الفلسطيني في مناطق (ج) والتي تمثل حوالي 64% من الأراضي الفلسطينية لا يستطيع الاستفادة من المصادر المائية المتاحة، ولا حتى حفر بئر أو الوصول إلى ينبوع أو عين ماء.

مع تواصل عمليات اجتياح واقتحامات متكررة للمخيمات والبلدات التي بدأت قبل العدوان على غزة حيث قام الاحتلال باقتحام مخيم جنين في شهر آب/ أغسطس من العام الماضي، وعمل على تدمير البنية التحتية، وطالت قطاع المياه، حيث قمنا بعد ذلك بإعادة ما تم تدميره.

واليوم وبعد العدوان على قطاع غزة توالت الاقتحامات لأكثر من مرة في مدن وقرى ومخيمات الضفة وخصوصا في جنين وطولكرم، ونجم عنها تدمير كبير في البنية التحتية وما رافقه من تدمير للشوارع، وهو ما انعكس على المياه والصرف الصحي بشكل كبير؛ فالمياه باتت العنوان الرئيس لأي اجتياح إسرائيلي بهدف معاقبة الشعب الفلسطيني، وتضيق الخناق عليه لتصبح هذه المناطق غير قابلة للحياة، وبالتالي يقوم قاطنيها بمغادرتها، ومن ثم يستولي عليها الاحتلال ليفرض واقع جديد.

كيف تأثرت محطات تحلية المياه والآبار الجوفية بالعدوان الإسرائيلي الحالي؟ وما الذي تبقى اليوم من محطات تحليه مياه خاصة ومصادر المياه العامة في غزة؟

تأثرت القدرة الإنتاجية لمحطات تحلية المياه بشكل كبير بسبب القيود المفروضة على تزود الوقود والمواد الكيميائية اللازمة للعمليات الأساسية؛ فقبل العدوان كانت محطة تحلية الشمال تنتج 10,000 متر مكعب في اليوم، ومحطة تحلية الوسط تنتج 2,000 متر مكعب في اليوم، ومحطة تحلية الجنوب تنتج 6,000 متر مكعب يوميا من المياه المحلاة. على الرغم من بعض الجهود المبذولة لتركيب الألواح الكهروضوئية المرتبطة بهذه المحطات، إلا أن تشغيلها يعتمد بشكل كبير على توفر الوقود.

واليوم أصبحت محطة تحلية الوسط تنتج حوالي 500 متر مكعب يوميا، ومحطة تحلية الجنوب تنتج 1000 متر مكعب يوميا، يتم نقلها عبر خطوط المياه، إضافة إلى 500 متر مكعب يتم توزيعها من خلال صهاريج المياه، بما مجموعه حوالي 1500 متر مكعب في اليوم، أي ما يقرب من 7.5% من قدرتها الإنتاجية قبل العدوان.

ما أبعاد الدور الذي تقوم به سلطة المياه في مواجهة أزمة المياه؟

على الرغم من القيود والعقبات الصعبة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، بذلت سلطة المياه الفلسطينية جهودا حثيثة لإدارة الموارد المائية المتاحة وتطوير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي. كما عملت سلطة المياه الفلسطينية على توظيف جميع الإمكانات المتاحة لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين؛ فرؤيتنا هي الوصول إلى موارد مائية مستدامة ومتكاملة يمكنها تحقيق الاحتياجات الأساسية والتنموية لدولة فلسطين، وعملنا على تحقيق هذه الرؤية من خلال:

1- تطوير وحماية الموارد المائية المتاحة باستخدام نهج لإدارة المتكاملة للموارد المائية، حيث نجحنا في تنفيذ مشاريع إستراتيجية في جميع المحافظات الفلسطينية لتحسين كفاءة استخدام المصادر المائية، وحماية الموارد المائية من التلوث والاستنزاف وتقليل الفاقد من المياه.

2- تحقيق العدالة في توزيع خدمات المياه والصرف الصحي من خلال وضع السياسات والاستراتيجيات والخطط المتكاملة لقطاع المياه والإشراف ومراقبة تطوير أنظمة التوزيع على المستوى الوطني ووضع الأنظمة والسياسات المتعلقة بعدالة التوزيع.

3- تطوير مصادر المياه غير التقليدية وبشكل رئيسي محطات معالجة مياه الصرف الصحي حيث لدينا اليوم العديد من محطات المعالجة في جميع محافظات الضفة الغربية وغزة تقريبا، وبدأنا في تطوير إعادة استخدام المياه في الزراعة في معظمها.

4- قمنا ببناء ثلاث محطات تحلية مياه البحر الإستراتيجية في غزة في السنوات القليلة الماضية، وأيضا قبل العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة كنّا مستمرين في تنفيذ أكبر مشروع للمياه في غزة، وهو محطة التحلية المركزية بعد التغلب على كافة العقبات التي تواجه هذا المشروع المهم للغاية.

5- تحقيق الإدارة الفعالة والحوكمة الرشيدة في قطاع المياه والاستثمار في التطوير التنظيمي.

6- مواصلة حشد التأييد والمناصرة للحقوق المائية الفلسطينية في كافة المحافل الإقليمية والدولية.

7- بناء المزيد من العلاقات مع الجهات المانحة والمياه والصرف الصحي ومنظمات حقوق الإنسان لدعم جهودنا في تطوير قطاع المياه.

أما لمواجهة الوضع الحالي في غزة، فإن سلطة المياه تعمل على تنفيذ العديد من التدخلات العاجلة والهادفة إلى توفير ما أمكن من المياه للمواطنين، ووقف التداعيات المترتبة على فيضان المياه العادمة، وذلك من خلال توفير ما يمكن من الوقود، وإصلاح الخطوط والشبكات والآبار المدمرة ضمن الإمكانات المتاحة، وإيصال ما يمكن توفيره من المياه للمواطن.

وقد أفضت جهودنا إلى إصلاح خطوط رئيسية وفرعية، وعمل توسعات لتجمعات جديدة للاستفادة بأكبر قدر ممكن من وصلات المياه الثلاث من شركة ميكروت في الشمال والوسط والجنوب وإيصال المياه منها لأكبر قدر ممكن من المناطق المأهولة، بعد أن كانت إنتاجيتها صفر بداية العدوان.

هذه الأعمال تمت رغم الظروف الأمنية الصعبة جدا وضمن الإمكانات المحدودة، علما بأننا اضطررنا لإعادة تأهيل العديد من الخطوط بسب إعادة استهدافها من الاحتلال، وكان آخرها الخط الرئيسي الواصل من وصلة الشمال (المنطار)، والذي كان يغذي تجمعات عديدة غرب مدينة غزة.

وقمنا كذلك بإدخال الوقود وتشغيل ما أمكن من محطات التحلية والآبار؛ ففي بداية العدوان، وإغلاق شمال واد غزة بشكل كامل، تم تزويد بلدية غزة بـ 15000 لتر سولار، وبلدية جباليا 8000 لتر سولار، بإجمالي 23 ألف لتر كانت متوفرة لدى سلطة المياه، وذلك لتشغيل المرافق المائية.

وفي نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي قامت طواقم سلطة المياه بعمل جميع التنسيقات اللازمة لإصلاح بئر الفيروز في دير البلح، ولاحقا في آذار/ مارس الماضي تم عمل التنسيقات اللازمة لإصلاح بئر الكراج في البريج وسط قطاع غزة.

ومنذ منتصف آذار/ مارس حتى منتصف حزيران/ يونيو 2024، قامت سلطة المياه بتزويد 200 ألف لتر من الوقود على 10 مراحل لتغطية 53 مرفق مياه وصرف صحي في مدينة غزة ومدينة جباليا ومخيمها، بالإضافة لـ 7 آبار مياه في مدينتي بيت لاهيا وبيت حانون، وهذه الكميات مكنت مزودي الخدمات من تشغيل تلك المرافق بمعدل 3 ساعات يوميا لخدمة المناطق المأهولة بالسكان والنازحين والمقدر عددهم بحوالي 400 ألف نسمة، إضافة إلى تشغيل آليات والمعدات الثقيلة لعمليات الصيانة.

كما يجرى العمل حاليا على زيادة كميات الوقود إلى غزة والشمال بشكل دوري.

وبهدف التخفيف من حجم الانعكاسات السلبية الصحية والبيئية الكبيرة جراء توقف أنظمة الصرف الصحي ومحطات المعالجة جراء العدوان، قامت سلطة المياه بالعمل على صيانة خطوط الصرف الصحي الرئيسية لضمان استمرار تدفق المياه العادمة ومنع تلوث البيئة.

كما تم تزويد محطات الضخ الرئيسية بالوقود لضمان تشغيلها وتصريف المياه العادمة المتراكمة وحل مشكلة الفيضان في كل منها، بما يشمل محطة بركة الشيخ رضوان، ومحطة البقارة، ومحطة بركة أبو راشد، ومحطة عسقولة.

أيضا قامت طواقم سلطة المياه بالتنسيق المستمر مع بلدية خانيونس ومصلحة مياه الساحل لإيصال السولار اللازم لتشغيل المضخات في محطة الامل، وهو ما أدى إلى تفادي حدوث كارثة بيئية كبيرة نتيجة مخاطر الفيضان جراء اختلاط مياه الأمطار والصرف الصحي، وبالتالي ارتفاع منسوب البركة إلى الحد الأقصى، في ظل حالة النزوح الكبيرة في هذه المنطقة.

وقد وضعت سلطة المياه مع شركائها خطة للطوارئ تشمل ثلاث مراحل مرحلة الإغاثة الحالية، ومرحلة متوسطة ما بعد العدوان، ومرحلة طويلة الأمد لعودة وتطوير الخدمات هناك.

كيف تنظرون إلى الدور الذي تلعبه المنظمات الدولية والحقوقية في مواجهة أزمة المياه؟

الوضع الإنساني الصعب في غزة يستلزم ويحتم تكثيف الجهود من قِبل جميع الجهات الفاعلة؛ فالمنظمات الدولية والأممية والحقوقية مُطالبة أكثر من أي وقت مضى ببذل المزيد من الجهود على جميع الأصعدة بداية الإنسانية للتخفيف من المعاناة الصعبة التي يعيشها المواطنون هناك، وسياسيا للضغط على حكومة الاحتلال لوقف جرائمها وفضح وتجريم هذه الجرائم من خلال تقاريرها المتواصلة ونقل الصورة والمشهد الحقيقي من رض الواقع، ووضع الأسس القانونية والحقوقية الكفيلة بمواجهة ازدواجية المعايير القائمة والتي باتت تُهدّد الثقة والإيمان بعدالة المنظومة الدولية. 

ونحن نعمل اليوم في سلطة المياه ونطالب شركائنا في القطاع على دعم جهودنا في تنفيذ خطة الطوارئ والتعافي التي وضعنا، وذلك لضمان تنسيق الجهود ورفع مستوى لاستجابة والنتائج المحققة.

كيف يمكن إنهاء أزمة المياه من جذورها في فلسطين؟ وما هي الآليات العملية لعلاج هذه الأزمة؟

إن إنهاء الأزمة مرتبط بإنهاء الاحتلال وحصول الفلسطينيين على مصادرهم المائية في الأحواض الجوفية وحصتهم في نهر الأردن، الأمر الذي يتطلب تنفيذ القوانين وقرارات الشرعية الدولية، وخصوصا أن الملف المائي هو أحد أصعب ملفات الحل النهائي، وهو أساس لقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة كأساس لحل الدولتين الذي ينادي به العالم.

ولا بد من تمكين ودعم الحكومة الفلسطينية من تنفيذ مساعيها الرامية إلى تطوير قطاع غزة بجميع مكوناته.

كيف ترى مستقبل المياه الصالحة للشرب في قطاع غزة والضفة خلال مرحلة ما بعد انتهاء العدوان؟

غزة حسب التقارير الدولية بحاجة لجهود جبارة لإعادة المياه الصالحة للشرب بشكل تدريجي للمواطنين؛ فحجم التدمير والركام يتطلب العمل لسنوات لإزالته والبدء بعملية تقييم الأضرار في مختلف مناحي الحياة، وبالتالي فإن المستقبل سيتطلب جهود كبيرة وجبارة لحصول المواطنين على المياه الصالحة للشرب بالحد الأدنى الموصى به عالميا.

أما في الضفة، ورغم ما قمنا به من انجازات كبيرة استطاعت تحقيق العديد من الأهداف على مستوى تحسين خدمات المياه والصرف الصحي، إلا أنه ما زال أمامنا الكثير وخصوصا لمواجهة سياسات الاحتلال في نهب المصادر المائية وتعطيل ووضع العقبات أمام الجهود التطويرية في القطاع.