قضايا وآراء

هل سيرفض المجتمع الإسرائيلي نتائج أي تحقيق؟

"تراجعت ثقة المجتمع الإسرائيلي في الجيش والحكومة بشكل ملحوظ بعد أحداث 7 أكتوبر"- جيتي
بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على هجوم حماس المفاجئ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي نتائج التحقيقات التي أعدها حول أحداث كيبوتس بئيري، والتي تم الإعلان عنها يوم الخميس الماضي (11 تموز/ يوليو 2024). ويعد هذا التحقيق الأول من نوعه والمتعلق بأحداث كيبوتس بئيري.

قاد التحقيق اللواء ميكي إدلشتين، حيث تم عرض نتائجه على أفراد كيبوتس بئيري وعائلات الأسرى من بئيري، بالإضافة إلى العائلات الناجين من الهجوم الذي أودى بحياة 101 مستوطن في أكبر كيبوتس في غلاف غزة. في ذلك اليوم، تم اختطاف 32 مستوطنا من بئيري، بالإضافة إلى 31 عسكريا، بما في ذلك أعضاء من الفرقة الاحتياطية في الكيبوتس، الذين لا يزالون أسرى لدى حماس حتى الآن.

لم تكن نتائج التحقيق والتي أشارت إلى فشل الذريع الذي لحق بالجيش الإسرائيلي وعدم قدرته على حماية الكيبوتس، مُرضية أو كافية لسكان الكيبوتس بشكل خاص وللمجتمع الإسرائيلي بشكل عام. إن تلك الأحداث قد أظهرت نقاط ضعف استراتيجية وأمنية لم يكن المجتمع مستعدا لتقبلها، مما أضاف طبقة جديدة من التعقيد إلى علاقة الإسرائيليين بمؤسساتهم الدفاعية والسياسية.

الأحداث قد أظهرت نقاط ضعف استراتيجية وأمنية لم يكن المجتمع مستعدا لتقبلها، مما أضاف طبقة جديدة من التعقيد إلى علاقة الإسرائيليين بمؤسساتهم الدفاعية والسياسية

الانتظار المتوتر

يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة من الانتظار المتوتر، حيث يتطلع إلى تحقيق نجاح في غزة أو "النصر المطلق" الذي وعد به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ومع ذلك، الواقع على الأرض يظهر صورة مختلفة تماما، حيث غرقت إسرائيل في وحل غزة، عدا الخسائر الفادحة التي تجنيها يوما بعد يوم. تجسيدا لهذا التوتر، فإن المجتمع غير مستعد لاستيعاب أو قبول أي نتائج أخرى سلبية أو محبطة تشير إلى فشل عميق في السياسات الدفاعية والاستراتيجيات العسكرية.

صدمة الوعي الجمعي

إن المجتمع الإسرائيلي لن يقبل أو يكتفي بنتائج لجان التحقيق في أحداث 7 أكتوبر، مهما كانت الجهة المنفذة لهذه التحقيقات أو بغض النظر عن النتائج. السبب الرئيس يعود إلى أن هذه الأحداث شكلت ضربة قوية في الوعي الجمعي الإسرائيلي، مما سبب صدمة عميقة لا تزال تتجسد في تصرفاته على الأرض. الهجوم المفاجئ الذي تعرضت له إسرائيل تسبب في شعور واسع بالخيانة والضعف، مما أدى إلى شهوة انتقامية أصبحت متجذرة في السلوك العام.

انهيار النظريات الأمنية

تربى الإسرائيليون على النظريات الأمنية التي وضعها المؤسس ديفيد بن غوريون وآمنوا بها كمرجعية أساسية في العقيدة الدفاعية الإسرائيلية. كانت هذه النظريات تهدف إلى تعزيز أمن إسرائيل وجعلها تستطيع الدفاع عن نفسها بفعالية، ومع ذلك، فشلت هذه النظريات في الأداء عندما حدث الهجوم المفاجئ في 7 أكتوبر. كان من المتوقع أن تكون هذه النظريات درعا واقيا لإسرائيل، لكن الحدث أظهر ضعفا في القدرة على التصدي للتحديات الأمنية بشكل فعال.

بالإضافة إلى ذلك، تعرضت استراتيجية صهر الوعي المستندة إلى نظرية الجدار الحديدي لفلاديمير جابوتنسكي لضربة قوية. هذه الاستراتيجية تعتمد على إظهار القوة المستمرة لإسرائيل وقدرتها على الدفاع عن نفسها بصورة دائمة، ولكن الأحداث أظهرت عدم كفاية هذا النهج في ضوء التحديات الجديدة.

لذا، يمكن القول إن الانهيار الذي حدث لم يكن مجرد فشل عسكري، بل كان أيضا فشلا في الحفاظ على الروح المعنوية الوطنية وثقة المجتمع الإسرائيلي في قدراته الدفاعية وفي مؤسساته الأمنية.

تراجع ثقة المجتمع في الجيش والحكومة
انهيار النظريات الأمنية التقليدية، وفشل استراتيجية الجدار الحديدي، وتراجع الثقة في الجيش والحكومة، كلها عوامل تسهم في رفض المجتمع لهذه النتائج. هذا الرفض يعكس جروحا عميقة في الوعي الإسرائيلي، وتحديات كبيرة أمام المؤسسات الأمنية والسياسية

تراجعت ثقة المجتمع الإسرائيلي في الجيش والحكومة بشكل ملحوظ بعد أحداث 7 أكتوبر. الجيش الإسرائيلي، الذي كان يُنظر إليه تقليديا على أنه المؤسسة الأكثر ثقة واحتراما في البلاد، أصبح محل شك وانتقاد، والفشل في حماية المواطنين والهزيمة الاستراتيجية التي تعرض لها الجيش في تلك الأحداث أثرا سلبا على صورة الجيش وقدرته على الردع. بالإضافة إلى ذلك، الحكومة الإسرائيلية واجهت انتقادات حادة لفشلها في الاستجابة بفعالية للأزمة ولتداعياتها السياسية والاجتماعية.

هذا التراجع في الثقة أدى إلى شعور واسع باليأس والإحباط بين الإسرائيليين، مما يعزز من رفضهم لأي نتائج تحقيق قد لا تكون بمستوى تطلعاتهم أو تعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها.

ختاما..

إن المجتمع الإسرائيلي، الذي تعرض لصدمة قوية في وعيه الجمعي نتيجة لأحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لن يقبل بأي نتائج تصدر عن لجان التحقيق مهما كانت طبيعتها أو الجهة التي أصدرتها. إن انهيار النظريات الأمنية التقليدية، وفشل استراتيجية الجدار الحديدي، وتراجع الثقة في الجيش والحكومة، كلها عوامل تسهم في رفض المجتمع لهذه النتائج. هذا الرفض يعكس جروحا عميقة في الوعي الإسرائيلي، وتحديات كبيرة أمام المؤسسات الأمنية والسياسية في استعادة الثقة وإعادة بناء الاستراتيجيات الأمنية من جديد.