مقالات مختارة

إسرائيل… بين العزلة وكلفة جرائمها في غزة

المقاومة الفلسطينية تمكنت من إفشال مخططات الاحتلال في قطاع غزة- الأناضول
النظام العربي لم يعط أهمية كبيرة للقضية الفلسطينية في علاقاته، سواء الاقتصادية أو التجارية أو المالية أو السياسية مع الدول الكبرى ودول الجوار.

كما أنه لم يقم بتفعيل المواجهة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بما يتناسب مع ظرفها والظروف الإقليمية والعربية والدولية، والاستعداد الفلسطيني للتضحية والجهاد، أي بتفعيل المواجهة مع إسرائيل؛ ودعم وإسناد المقاومة الفلسطينية، بدل تكسير أجنحتها، والشواهد على ذلك كثيرة، ولا أعتقد أن هناك عربيا واحدا ينكر ما يحدث في الوقت الحاضر حينما يرى الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية.

إن الحجة التي خدع بها النظام العربي الشعوب العربية؛ هو أن ليس في الإمكان (وقتها)؛ مواجهة دولة الاحتلال الإسرائيلي، لأن خلفها أمريكا.

إنها كذبة كبيرة جدا. فندها وعراها؛ ما حدث منذ ملحمة السابع من أكتوبر، التي حطمت كل تلك الحجج والطروحات التي تقول إنه لا يمكن مواجهة أمريكا أو دولة الاحتلال الاسرائيلي، والأخيرة بيدها سلاح أمريكي، من أكثر الأسلحة تفوقا وتقدما؛ فقد صمدت المقاومة الفلسطينية في الميدان على الرغم من المذابح التي يمارسها الكيان الإسرائيلي المحتل، ولم تزل المقاومة صامدة تماما، وستنتصر حتما، إن لم أقل إنها انتصرت فعلا هذا من جانب، ومن الجانب الثاني فضحت هذه المقاومة دولة الاحتلال الإسرائيلي وسياسة أمريكا والغرب، في ممارسة سياسة الكيل بمكيالين في ما يخص العدالة والحق والقانون الإنساني والدولي، ما قاد إلى عزل دولة الاحتلال الاسرائيلي، وتقديم مجرميها إلى المحكمة، مع تحفظنا على الخطوات المزدوجة التي قامت بها، أو قررتها الجنائية الدولية.
أمريكا والغرب يواجهان عالما متغيرا استراتيجيا يهدد جديا هيمنتهم على العالم

دولة الاحتلال الإسرائيلي تعاني الآن أزمة وجود، كما أن أمريكا والغرب يواجهان عالما متغيرا استراتيجيا، يهدد جديا هيمنتهم على العالم، وتفردهم بمصائر شعوب العالم الثالث. إنها فرصة تاريخية استثمرتها إيران لصالحها ودول أخرى تحذو حذو إيران. لكن النظام العربي لا يزال يركض خلف الراعي الأمريكي على حساب مصالح الشعوب العربية والشعب العربي الفلسطيني في المقدمة. هذه السياسة سيدفع أثمانها النظام العربي عاجلا أو آجلا، بحكم الضرورة التاريخية حتما. كما أن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي الأخرى ستدفع ثمن تجبرها وجرائمها؛ وبما يمس جديا وجودها.


لو افترضنا أن النظام العربي كان قبل عقود من الآن قد دعم وساند المقاومة لنيل الحقوق الفلسطينية التي نصت عليها كل القرارات الصادرة من مجلس الأمن الدولي، خاصة القرارين 338 و242 القاضيين بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها بعد حرب حزيران/يونيو، لكانت المواجهة بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي؛ قد اكتسبت زخما كبيرا جدا، ولقادت حتما لتعرية النظام الدولي، وسياسة الكيل بمكيالين في ما يخص الحق الفلسطيني، ولأفضت إلى تغيير مواقف القوى الدولية، ولتم عزل دولة الاحتلال الإسرائيلي على اعتبار أنها ترفض تطبيق القرارات الدولية وهي حقيقة لا غبار عليها.
النظام العربي لم يدعم ولم يساند المقاومة الفلسطينية بل حجمها وطوقها حفاظا على كراسيه من التهديد الظاهر والمبطن من الغول الامريكي

لكن للأسف النظام العربي لم يدعم ولم يساند المقاومة الفلسطينية، بل حجمها وطوقها حفاظا على كراسيه من التهديد الظاهر والمبطن من الغول الامريكي. هنا تتجلى الحقيقة الناصعة لما قامت به المقاومة الفلسطينية في غزة وفي الضفة الغربية، فقد عرت وكشفت بصمودها الأسطوري همجية ودموية ووحشية دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام كل العالم.. كما أن المقاومة البطولية والتاريخية، بالاعتماد على قدراتها الذاتية ومن داخل أرضها، حمت نفسها من تدخل النظام العربي، وضغط هذا النظام، كما حدث قبل عقدين أو أكثر من الآن. لقد أجبرت ملاحم المقاومة الفلسطينية، الإدارة الأمريكية؛ على أن تدرك المأزق الذي وضعت إسرائيل نفسها فيه، وأيضا أمريكا دوليا وإقليميا وعربيا، لذا، ساهمت، أو بالأحرى هي التي وضعت شروط وقف إطلاق النار في غزة، وعملت مؤخرا؛ على إصدار قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة، وهو القرار الذي رحبت به مبدئيا المقاومة الفلسطينية، كما أنها ردت عليه مع إجراء التعديلات اللازمة عليه كما ورد في الصحافة.

القرار تضمن انسحاب إسرائيل من غزة، ووقف دائم لإطلاق النار، أو العمل لاحقا على وقف دائم لإطلاق النار، والمرحلة الأخيرة هي إعمار غزة، المقاومة اشترطت أن يكون الإعمار مع بداية المرحلة الأولى.

مهما تكن عليه المحطات التي ينتهي بها هذا القرار، لكنه يعد انتصارا للمقاومة الفلسطينية. القرار فيه الكثير من الغموض وعدم الوضوح، كما أنه يمنح الكيان الإسرائيلي فرصة للتنصل لاحقا عن تطبيقه أو تطبيق البعض من بنوده. عليه سوف تكون المداولات صعبة بين المقاومة وإسرائيل، أو من ينوب عنها من الوسطاء القطريين والمصريين والأمريكيين؛ قبل التوصل إلى توافق يتم بموجبه إبرام الاتفاق.


من وجهة نظري أن الاتفاق لن يتم إبرامه في المستقبل القريب، بل سيستغرق زمنا قد لا يكون قصيرا، هذا إذا تم الاتفاق عليه في ظل حكومة دولة إسرائيل العنصرية والمجرمة، التي ربما ستنهار قريبا، وهذا احتمال وارد.. لكن الأخطر هو اليوم الذي يلي تنفيذ الاتفاق في ما يخص الإعمار في غزة وإدارة الحكم فيها وحفظ الأمن والنظام.. إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، في آخر تصريح له قال، كان ردنا، أي رد المقاومة الفلسطينية، ينسجم تماما مع ما جاء في قرار مجلس الأمن الدولي، لكن الكيان الإسرائيلي يريد إعادة الأسرى ومن ثم معاودة إبادة غزة.

التصريحات الأمريكية وبالذات تصريحات وزير خارجيتها؛ تشير إلى أن هناك مشروعا أمريكيا في ما يخص حل القضية الفلسطينية والمنطقة العربية ومحاولة إدماج إسرائيل في محيطها العربي. عليه فإن الآتي هو الأخطر على القضية الفلسطينية، ليس في غزة فقط، بل في غزة والضفة الغربية، وضخ الحياة في عملية التطبيع، الذي اطلقت عليه المقاومة الفلسطينية الرصاص، وجعلته يرقد الآن في الغرفة الأمريكية للعناية المركزة في انتظار الشفاء من الجروح التي اخترقت قلب التطبيع. اعتقد بدرجة قناعة كبيرة جدا؛ أن المقاومة الفلسطينية التي صمدت كل هذا الصمود الاسطوري؛ قادرة على إفشال ما تخطط له أمريكا وغيرها.

القدس العربي