ملفات وتقارير

مثل "القنابل الموقوتة".. أي استراتيجية للمنازل الآيلة للسقوط في المغرب؟

المغرب وقّع على 78 ألف اتفاقية في مجال البنايات الآيلة للسقوط- إكس
"نعيش في منازل باتت كالقنابل الموقوتة، التي قد تنفجر علينا، في أي لحظة، ولا بديل لنا حاليا، للنجّاة بحياتنا".. بمثل هذا التعبير، يصف عدد من الأهالي، منازلهم في الأحياء العتيقة بمدينة الدار البيضاء.

وتفاعل رواد مختلف منصات التواصل الاجتماعي، قبل يومين، مع مقطع فيديو، وُصف بـ"المروّع" وثّق انهيار منزل بدرب "لوبيلا" بقلب العاصمة الاقتصادية، في المغرب، دون وقوع ضحايا، فيما أصدرت تعليمات عاجلة من الداخلية، عقب الحادث، بمراقبة عشرات المنازل الآيلة للسقوط وإفراغها عاجلا.


وعلمت "عربي21" بتوصّل ساكنة، حي "لوبيلا" بتعليمات، مفادها أنه خلال الأيام القليلة الآتية، سيتم هدم جزئي، لعشرات المنازل، فيما ستتم مُعالجة عدد من المنازل، بالأحياء العتيقة. فيما رصدت على جُملة من المجموعات المُغلقة على منصات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" شكاوى الأهالي المتواصلة، وتخوْفاتهم.



دور متهالكة وقرارات مُتوقّفة
بجولة صغيرة داخل أزقة المدينة القديمة، في الدار البيضاء، ستُصادف عدّة منازل متهالكة، بات انهيارها مسألة وقت فقط؛ خاصة أنها تتواجد بدون سياج يحمي السكان المجاورين والمارة.

وتقول ساكنة كل من درب (حي) لوبيلا والدالية، في الجزء القديم من مدينة الدار البيضاء، إنها بين الحين والآخر تتوصّل بتعليمات للإخلاء، وتعليمات أخرى بالهدم، لكنها تستفسر: "أين سنذهب؟ التعويضات لم يحصل عليها الجميع، وإنّها ضعيفة أساسا".


وبحسب عدد من المعطيات، فإنه في سنتين (24 شهرا)، عاشت مقاطعة مرس السلطان، وحدها، على إيقاع إصدار ما يُناهز الـ828 قرارا، تخص الهدم الكلّي وأخرى للهدم الجزئي وأخرى تهم التدعيم؛ غير أنها قرارات لم تُنفّذ.

وتصل المباني التي تم إحصاؤها في وقت سابق، واتّخذ في حقها قرار يقضي بالهدم إلى 2180 بناية، بينما سيتم هدم جزئي لـ956 بناية، على أن تتم معالجة 2921 بناية، وذلك بحسب معطيات رسمية على مستوى مدينة الدار البيضاء.


وكشفت الوكالة الحضرية للدار البيضاء، في وقت سابق، أن 3100 أسرة فقط من أصل 9250 أسرة كانت مهددة بالموت في المدينة القديمة جراء استقرارها في منازل مهددة بالانهيار، استفادت من السكن اللائق وهو مما يشكل 34 في المائة.

"حياتنا في خطر"
بلهجة غاضبة، وبتعبير عن الأسى، قال هشام، وهو أب لطفلين، يقطن في مقاطعة مرس السلطان: "قرارات كثيرة صدرت لتخليص المدينة من المنازل الآيلة للسقوط، لكن جُلّها لم يُطبّق، هل ينتظرون كوارث أخرى ليستيقظوا؟ حياتنا باتت في خطر".



وكانت الإشكالية المطروحة، محل تساؤلات ومطالب فرق برلمانية عديدة، إذ سبق للبرلماني عن حزب العدالة والتنمية (معارض)، عبد الصمد حيكر، أن أكّد على "ضرورة معالجة المباني الآيلة للسقوط بتراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان" وذلك في سؤال كتابي، وجّهه لوزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري.

واستفسر حيكر، بخصوص تدخلات الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط بتشخيص النسيج العمراني القديم، من أجل تصنيف البنايات التي يمكن أن تكون مهددة بالسقوط، وعن "خلاصات هذا التشخيص إن تم، وبرنامج التدخلات الذي تقرر من أجل معالجة هذه الظاهرة، وكلفتهما".

كذلك، طالبت البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، في عدد من المرّات، بـ"ضرورة تدخل وزارة الداخلية، لحل مشاكل الدور المتهالكة بالمدينة القديمة في العاصمة الاقتصادية".

وفي سؤال كتابي، كانت قد وجّهته إلى وزير الداخلية، أكّدت على أهمية "إشراك السكان في تأهيل منازلها وضمان استقرارها، حفاظا على التراث العمراني، إذا كان من الضروري إخلاء الدور الآيلة للسقوط وإعادة إسكان قاطنيها"، مشيرة إلى أنه "من حق السكان الاستقرار والعيش الكريم في بيئة نحن مرتبطون بها ارتباطا وطيدا".

واستنكرت منيب، في الوقت نفسه، ما وصفته بـ"تحوّل مشاريع الإصلاح والتأهيل والهدم الجزئي إلى هدم كلّي، حتى بالنسبة للمنازل التي قام أصحابها بإصلاحها"، مبرزة أن الأسر باتت وضعيتها "مقلقة".


وتابعت: "إذا كان مطلب الإصلاح مطلوب ومحبّد فيجب معاينة الوضع الحقيقي للمنازل، بخبرة حقيقية، وعدم تهجير الساكنة الأصلية وتعريضها للتشرد، وفتح حوار حول إمكانية التأهيل أو في حالات محددة توفير الإيواء المؤقت والتعويض".

أي استراتيجيات؟
لا يزال مشكل الدور المتهالكة، في عدد من الأحياء القديمة، بمدن مغربية مُختلفة، قائما، فيما لا يزال الأهالي يشتكون من غياب استراتيجيات واضحة لإنقاذ المتضررين، سواء منهم القاطنين داخل هذه الدور، رغم الخطر، أو من هربوا منها خشية الانهيار.

وكانت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، قد أجابت عن سؤال كتابي، تقدم به الفريق الحركي بمجلس النواب، عن مسطرة التدخل لمعالجة البنايات الآيلة للسقوط على ضوء تنزيل مقتضيات القانون رقم 12-94.


وأوضحت أن "المباني المهددة بالانهيار تعتبر من بين أهم المخاطر التي تهدد الساكنة، وهي ناتجة عن مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية، وتتمركز بالخصوص على مستوى المدن العتيقة، وبحظيرة السكن المتقادم، وكذلك على مستوى السكن غير القانوني"، وأضافت أن "هذا النوع من السكن يترتب عنه العديد من الإشكالات والمعضلات الاجتماعية والاقتصادية".

وأكدت الوزيرة أن مشاكل البنايات المتهالكة، استدعت عمل وزارتها على وضع استراتيجية شاملة للحد من هذه الظاهرة، تهمّ العديد من الجوانب سواء القانونية أو المؤسساتية أو العملياتية، وذلك من خلال تفعيل مقتضيات قانون 12-94 المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط ومرسومه التطبيقي، وكذا دور الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط.

القانون يقول..
بقراءة في قانون 12-94 المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط، فإنّه طبقا للمادتين 7 و8، يجوز الطلب كتابة، من عامل العمالة أو الإقليم المختص ترابيا، استخدام القوّة العمومية، وذلك لضمان التنفيذ الفوري لقراراته وسلامة الأشخاص المكلفين بتنفيذ الأشغال المقررة.

ووفق المادة 20 من القانون نفسه، فإنه "في جميع الأحوال يعتبر القرار المتخذ من طرف رئيس الجماعة نافذا بمرور أجل شهر من تاريخ اتخاذ إجراءات التبليغ".

وبحسب المواد 18 و19 و21 من المرسوم التطبيقي للقانون، فإنه المدة الزمنية من أجل توجيه المحضر والتقرير إلى رئيس مجلس الجماعة، قصد اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة، حُدّدت داخل أجل لا يتجاوز السبعة أيام في الحالات العادية، والثمانية والأربعين ساعة في الحالة الاستعجالية.

وفي السنة الماضية، كشفت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة عن رصدها لـ25 ألف بناية آيلة للسقوط، بمختلف مدن المملكة، مؤكدة أن "الجهود متواصلة بهدف حل المشكل، والذي كلف ميزانية المغرب وإلى حد الساعة، أزيد من 7 مليارات درهم".


وكان وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، الذي ناب عن فاطمة الزهراء المنصوري، وهي الوزيرة المسؤولة عن القطاع، في الرد على أسئلة المستشارين (داخل البرلمان)، قد أكّد أن "المغرب وقّع على 78 ألف اتفاقية في مجال البنايات الآيلة للسقوط، وتحملت الوزارة مبلغ ملياري درهم من مجموع ما صرفه متدخلون كثر في القطاع".

وتابع السكوري بأن "المغرب عالج مشكل 16 ألف بناية آيلة للسقوط من أصل 41 ألفا، وعمل على حل مشكل 40 ألف أسرة من أصل 76 ألفا تعيش في منازل تعاني من إمكانية السقوط"؛ مبرزا أن "الحكومة جهّزت برامج جهوية عديدة من أجل حل المشكل، وأنه تم رصد 6000 بناية آيلة للسقوط بجهة الرباط سلا القنيطرة، و10000 بطنجة تطوان الحسيمة، فضلا عن 4000 أخرى بجهة الدار البيضاء سطات".