نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" تقريرا، لمديرة مكتبها في القاهرة، كلير باركر، من نابلس في
الضفة الغربية قالت فيه: "إن علامات الضائقة الاقتصادية موجودة في كل مكان في نابلس، التي كانت في يوم من الأيام مركزا صاخبا للتجارة الفلسطينية، والتي أصيبت الآن بالشلل بسبب قبضة إسرائيل المشدّدة على الحياة والعمل في الضفة الغربية".
وأضافت: "يبيع الأطفال في سن المدرسة الحلوى مقابل قروش، ويتم إغلاق الفنادق والمطاعم الراقية. يدخن الرجال العاطلون عن العمل السجائر في زوايا الشوارع، بينما تقف سيارات الأجرة متوقفة عن العمل، حيث تغلق القوات الإسرائيلية طرق خروجهم من المدينة".
وقال إياد قاضي، رئيس غرفة تجارة نابلس: "الشعب الفلسطيني معتاد على الأزمات، لكن ما أراه الآن، لم أشهده من قبل". وفي هذا الشتاء، قال مسؤولون محليون إن "مئات العائلات تواصلت للمرة الأولى لطلب المساعدات المالية أو الطعام أو التدفئة الأساسية".
وأوضح قاضي: "قبل ذلك على الأقل، كانت لدينا الاحتياجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة"، مضيفا أن "الضغط الذي تمارسه إسرائيل على الضفة الغربية يدفعها إلى حافة الهاوية".
وأشار
التقرير إلى أنه "بينما تحاصر إسرائيل
غزة وتقصفها، يقول الفلسطينيون هنا إنها تشن أيضا حربا اقتصادية في الضفة الغربية. منذ عملية حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فرضت إسرائيل قيودا شاملة على
الاقتصاد الفلسطيني، وألغت تصاريح العمل، وأعاقت حرية الحركة، بل واحتجزت لعدة أشهر عائدات الضرائب التي تجمعها للسلطة الفلسطينية".
وتابع: "أدّت هذه الإجراءات، التي تقول إسرائيل إنها اتخذت لأسباب أمنية، إلى فقدان عدد كبير من الوظائف وعدم دفع الرواتب وانخفاض حاد في الإنتاج المحلي، وفقا للبنك الدولي. كما أثارت المخاوف من حدوث اضطرابات واسعة النطاق ومخاوف من أن ينضم المزيد من الشباب، خاصة في مخيمات اللاجئين الفقيرة، إلى الجماعات المسلحة لحمل السلاح ضد إسرائيل".
وقال جمال الطيراوي، وهو زعيم حزب فتح المحلي في مخيم بلاطة للاجئين في نابلس: "إنهم يقتلوننا اقتصاديا". ويقول المسؤولون هناك إن "الآلاف من سكان المخيم البالغ عددهم حوالي 33,000 نسمة كانوا يعملون في إسرائيل، معظمهم كعمال بناء".
وقال أحمد ذوقان، الرئيس المشارك للجنة الخدمات الشعبية في المخيم، إن "نحو 70 في المئة من العمال هناك لا يحصلون الآن على رواتب، مقارنة بـ 35 في المئة كانوا عاطلين عن العمل قبل خمسة أشهر. وفي جميع أنحاء الضفة الغربية، وصل معدل البطالة إلى 29 في المئة بحلول نهاية عام 2023، مما تسبب في انخفاض حاد في الناتج المحلي الإجمالي"، وفقا لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني.
"لقد مارست إسرائيل منذ فترة طويلة سيطرة كبيرة على حياة وحركة الفلسطينيين هنا. وكانت قد استولت على الضفة الغربية من الأردن في عام 1967، وحكمت لعقود من خلال الاحتلال العسكري وبناء مستوطنات مترامية الأطراف للمواطنين الإسرائيليين" بحسب التقرير نفسه.
وتابع: "في التسعينيات، بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى، منحت اتفاقيات أوسلو السلطة الفلسطينية حكما ذاتيا محدودا في الشؤون المدنية، بما في ذلك الاقتصاد، كخطوة نحو السلام. لكن هذا السلام لم يتحقق قط، وما زال الفلسطينيون يعتمدون بشكل كبير على إسرائيل في توفير الوظائف، والوصول إلى الأسواق، وجباية الضرائب، واستيراد المواد الخام والسلع الأساسية".
وأكّد أنه "على مرّ السنين، شكل العمال الفلسطينيون العمود الفقري لصناعة البناء في إسرائيل وأصبحوا مصدرا موثوقا للعمالة الرخيصة لقطاعي الزراعة والسياحة المزدهرين. ويمكن للعمال من غزة والضفة الغربية أن يكسبوا في إسرائيل ثلاثة أضعاف ما يمكنهم الحصول عليه في الأراضي الفلسطينية"، وفقا للبنك الدولي.
واسترسل: "لكن بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عندما قتلت حماس ومسلحون آخرون نحو 1200 شخص، فرضت السلطات حظرا شبه كامل على الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل أو في مستوطناتها في الضفة الغربية". فيما قال البنك الدولي إن "الحكومة ألغت تصاريح العمل لأكثر من 170 ألف عامل فلسطيني. عشرات الآلاف الآخرين الذين عملوا في إسرائيل بشكل غير قانوني أصبحوا الآن عاطلين عن العمل، وفقا لشاهر سعيد، الأمين العام للاتحاد العام لنقابات العمال الفلسطينيين".
وقال أوفير فولك، مستشار السياسة الخارجية لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: "إن مسألة تصاريح العمل للفلسطينيين تعتمد على اعتبارات أمنية مستمرة وشاملة". مضيفا بأن "إسرائيل يقظة بشأن هذه القضية من أجل منع المزيد من الإرهاب الفلسطيني".
بالنسبة لعبد الله خيزران (29 عاما)، فإن "المال الذي حصل عليه كعامل صيانة في تل أبيب سمح له بالزواج وتكوين أسرة. وهو الآن عاطل عن العمل ويقضي أيامه في النوم أو لعب الورق، ويعاني من مخاوف أنه لن يتمكن من إعالة زوجته وأطفاله".
وأشار خيزران الذي كان يقف على زاوية شارع مجاور "عند دوار نابلس، يبيع تيسير الدبيك، 53 عاما، البقدونس والخس. وكان يجني ما بين 85 و110 دولارات يوميا من طلاء المنازل في تل أبيب. وهو الآن يكسب 15 دولارا فقط يوميا لشراء الضروريات لأسرته المكونة من ستة أفراد"، مردفا: "كان الله في عوننا".
إلى ذلك، أبرز التقرير أنه: "حتى الحصول على المنتجات الطازجة أو غيرها من السلع، بما في ذلك من مدن الضفة الغربية، أمر مكلف ومرهق. أما الضفة الغربية، وهي أصغر قليلا من ولاية ديلاوير، فقد تم تقسيمها بالفعل بواسطة نقاط التفتيش وحواجز الطرق، بما في ذلك جدار يبلغ طوله 450 ميلا يتسلل عبر الأراضي الفلسطينية".
وأشار: "على مدى الأشهر الخمسة الماضية، أقامت إسرائيل العشرات من نقاط التفتيش العسكرية الجديدة ومنعت البلدات والقرى من الوصول إلى الطرق الرئيسية، وفقا لمنظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية". وقال البنك الدولي إن "القيود المتفاقمة أدت إلى خنق التجارة والإنتاج المحليين، وهما ركائز أساسية لاقتصاد الضفة الغربية، ومنعت 67 ألف فلسطيني آخرين من العودة فعليا إلى أماكن عملهم".
"وفي نابلس، وهي الواقعة في واد في الجزء الشمالي من الضفة الغربية، أقامت القوات الإسرائيلية منذ فترة طويلة نقاط تفتيش على مخارج المدينة الأربعة. بينما أغلق الجيش اثنتين منها في الخريف، مما يعني منع حركة المرور من الدخول والخروج" يؤكد التقرير.
وأضاف القاضي أن "قوات الاحتلال قامت أيضا بتركيب العشرات من البوابات المعدنية والأكوام الترابية لإغلاق الطرق حول نابلس، مما أدى إلى قطع الطرق المؤدية إلى القرى المجاورة. ولم تستجب متحدثة باسم تنسيق الأنشطة الحكومية في الأراضي، وهي الهيئة الحكومية الإسرائيلية المكلفة بالإشراف على السياسة المدنية في الضفة الغربية، لطلبات التعليق".
ويبقى السائقون الآن عالقين لساعات وهم يحاولون مغادرة المدينة. الطلاب المسجلون في جامعة نابلس، ولكنهم يعيشون خارج المدينة، يتركون دراستهم. وكان المواطنون الفلسطينيون في دولة الاحتلال الإسرائيلي يسافرون إلى نابلس للتسوق أو لزيارة أقاربهم. لكنهم الآن يقيمون في منازلهم، ويحتفظون بالأموال خارج الاقتصاد المحلي.
وانهارت صناعة الأثاث التي كانت مزدهرة في نابلس في السابق بسبب الصعوبة الهائلة في نقل البضائع من وإلى الضفة الغربية. فيما تُواجه عائلة تيتي نفس المشكلة مع بذور السمسم التي تستوردها لصنع البهارات الشعبية، الطحينة، والتي تبيعها من خلال سلسلة متاجرها. وقالت الأسرة إن التكاليف المرتفعة قد تجبر الأسرة على إغلاق متجر واحد على الأقل.
وقال المستشار السابق لمكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية، مايكل ميلشتاين، إنه "إذا مر الوقت ولم يكن هناك راحة، فإن احتمال الانفجار يصبح أكبر".
ويؤدي فقدان الدخل على نطاق واسع إلى اليأس وتصاعد التوترات الاجتماعية، خاصة في مخيمات اللاجئين المزدحمة في الضفة الغربية، حيث يقول القادة المحليون والسكان إن النزاعات المنزلية أصبحت أكثر تكرارا، ويقوم بعض الآباء بسحب أطفالهم من المدارس لتشغيلهم.
وفي أحد الأيام، كان هناك امرأة تتجول في أزقة بلاطة الضيقة، من أجل جمع علب الألمنيوم لإعادة بيعها كخردة معدنية لإطعام أطفالها الأربعة. قال متطوعون في مطبخ الطعام المحلي إنهم يستعدون لخدمة ضعف عدد الأسر هذا العام خلال شهر رمضان المبارك الذي بدأ يوم الاثنين.
وقال نائب رئيس بلدية نابلس، حسام الشخشير، إن "الشباب في المخيم يتعرضون لضغوط كبيرة والبطالة مرتفعة للغاية هناك، لكنهم لا يلجأون عادة إلى الإجرام"، كما قال، بل "يثورون ضد الاحتلال".
وقال ذوقان، وهو مسؤول مخيم بلاطة، إنه لاحظ بالفعل شبانا يحملون السلاح بعد أن فقدوا وظائفهم. بينما كان أبو حسام، 28 عاما، يكسب حوالي 100 دولار يوميا من العمل في البناء في "تل أبيب". لكن دولة الاحتلال الإسرائيلي قد ألغت تصريح عمله العام الماضي، بعد أن علمت بأنشطة شقيقه المسلحة.
وقال أبو حسام، الذي طلب تعريفه فقط باسمه المستعار خوفا من انتقام السلطات، إنه "لم يتمكن من العثور على عمل محليا وانتهى به الأمر بالانضمام إلى كتيبة محلية من المقاتلين".
مخيم بلاطة هو المكان الذي يقدر المقاومة المسلحة؛ حيث يرتدي الأطفال صورا مصغرة للمسلحين الذين سقطوا حول أعناقهم، ويركبون الدراجات الهوائية، غير منزعجين، بينما يهدر رجال يحملون بنادق آلية على دراجات نارية. تصطف على جدران غرفة معيشة أبو حسام ملصقات لرفاقه الذين قتلوا في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية.
وقال: "المقاومة حقّنا". لكن أبو حسام كان يتلقى أيضا صدقات نقدية منتظمة من قائد شعبي يدعى زوفي، الذي قتلته دولة الاحتلال الإسرائيلي في تشرين الثاني/ نوفمبر.
وقالت مديرة مركز المرأة في بلاطة، أمل الطيراوي، عن العمال الذين فقدوا وظائفهم في إسرائيل: "ماذا تتوقعين أن يفعلوا؟.. هناك خريجون جامعيون بين المسلحين"، مُستطردة: "لا توجد أم تريد أن ترى أبناءها يقتلون أو يصابون".