حينما يتحدث بعض المسؤولين الأمريكيين عن العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، تنتابك الدهشة في بعض اللحظات وتسأل نفسك: هل هذا المسؤول يتحدث باسم بلاده أم باسم إسرائيل؟!
هذه الخلاصة ليست مجرد انطباع شخصي، بل هي تراود العديد من المتابعين، وربما هذا الشعور هو الذي دفع مراسلة إحدى القنوات الفضائية العربية في واشنطن لسؤال جون
كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي قائلة له: هل أصبحتم متحدثا باسم إسرائيل؟!
بالطبع كيربي رد بالنفى وقال؛ إنه المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، لكن السؤال كان يعكس الشعور الذي وصل للمراسلين المعتمدين في البيت الأبيض وغالبية المتابعين للعدوان الإسرائيلي. منذ بداية العدوان في ٧ تشرين الأول/أكتوبر، فإن كيربي يتصرف ويتحدث ويعلق وكأنه الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية ومجلس الحرب هناك، بل وباسم الجناح المتطرف فيها.
وفي كل مرة يسأل صحفي كيربي عن سر عدم مطالبة الولايات المتحدة لإسرائيل بوقف إطلاق النار، يسارع إلى القول: «لا.. نحن لا نريد أن يتوقف إطلاق النار؛ لأن حدوث ذلك يعني مكافأة حركة حماس، وإعطاءها فرصة لالتقاط أنفاسها، والاستعداد لمواجهة إسرائيل مرة أخرى.
والغريب أنه حينما قال الرئيس الأمريكي جو بايدين؛ إن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تفقد الدعم العالمي بسبب القصف العشوائي، الذى أدى لسقوط آلاف المدنيين، فإن كيربي سارع بمحاولة تخفيف حدة هذه الانتقادات.
والأكثر غرابة، أن كيربي خرج على الصحفيين قبل أيام وقال؛ إن الخطوات التي اتخذها الجيش الإسرائيلي لمنع سقوط ضحايا من المدنيين الفلسطينيين في غزة، قد تذهب أبعد مما كانت ستفعله الولايات المتحدة لو كانت في مكان إسرائيل!!
ويومها، أشار كيربي إلى الخريطة التي نشرها الجيش الإسرائيلي لتنبيه المدنيين بشأن الأحياء التي يخطط لمهاجمتها، حتى يتمكنوا من الإخلاء مسبقا. وأضاف نصا: «هناك عدد قليل جدا من الجيوش الحديثة التي تفعل ذلك، ولا أعرف ما إذا كنا نحن في أمريكا سنفعل ذلك!
وبالطبع، فإن كيربي نسي أن هذه التنبيهات شكلية؛ لأنه بعد الإخلاء تقوم إسرائيل بتدمير كامل الأحياء، وحتى حينما يحاول الفلسطينيون العودة إلى بيوتهم، تقوم إسرائيل بقصفهم مرة أخرى.
وخلال هذا المؤتمر الصحفي الذي انحاز فيه كيربي لإسرائيل حتى على حساب بلاده، فقد ارتدى قلادة كتب عليها «أعيدوهم إلى الوطن الآن»، وهو الشعار المنتشر في إسرائيل؛ لمطالبة الحكومة الإسرائيلية بإعادة الأسرى الموجودين لدى المقاومة الفلسطينية في غزة.
انحياز كيربي لإسرائيل أمر غريب حتى بالمقارنة مع بعض المسؤولين الإسرائيليين، خصوصا مثل إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الذي يطالب بوقف إطلاق النار فورا؛ للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين وإسقاط حكومة نتنياهو.
كيربي ليس وحده الذي يدافع عن إسرائيل أكثر حتى من بعض الإسرائيليين أنفسهم، فوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حينما نفذت المقاومة عملية طوفان الأقصى في ٧ تشرين الأول/أكتوبر الماضي في مستوطنات غلاف غزة، جاء مسرعا إلى إسرائيل ليقول لهم متباهيا: «جئت إليكم باعتباري يهوديا، قبل أن أكون وزيرا للخارجية الأمريكية».
وقبل بلينكن وكيربي، فإن الرئيس الأمريكى جو بايدن جاء إلى إسرائيل بعد ساعات من «طوفان الأقصى»؛ ليعلن تضامنه مع إسرائيل ويرسل لها حاملات الطائرات والسفن النووية وجسرا مفتوحا من الأسلحة والمساعدات المالية العالية، وقال بعدها: «لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعناها»، كما أنه وفر لها الدعم الدبلوماسي واسع النطاق، واستخدم حق النقض الفيتو ٣ مرات لإجهاض مشروعات قرارات لوقف إطلاق النار.
ونتذكر أن بايدن قال قبل شهور؛ إن والده قال له ذات يوم: «لا يتطلب الأمر أن تكون يهوديا لتصبح صهيونيا»، وفي ٦ كانون الأول/ديسمبر، كرر بايدن هذه المقولة، وأضاف عليها: أنا صهيوني، وهذه حقيقة لا أعتذر عنها، وأنه من دون وجود إسرائيل حرة وآمنة، لا أعتقد أن يهوديا واحدا سيكون آمنا تماما».
أدرك أن هناك مصالح ثابتة للولايات المتحدة، لكن حينما يتعلق الأمر بإسرائيل يصاب المرء بالارتباك والحيرة والدهشة، التي تجعل أمريكا تضحي بمصالحها وصورتها الذهنية وما تقول إنه مبادئها، من أجل حماية ودعم العدوان الإسرائيلي!
(الشروق المصرية)