قالت صحيفة "
الغارديان" إن أدلة
جيش
الاحتلال الإسرائيلي أقل بكثير من أن تكون قادرة على إثبات أن مستشفى الشفاء هو
مقر رئيسي لحماس كما كانت تدعي.
وأضافت في تقرير لمحرر الشؤون الدولية جوليان
بورجر ،أن غياب الأدلة بدأ يعيد إلى الأذهان إخفاقات الاستخبارات الأمريكية السابقة، خاصة تلك التي سبقت غزو العراق، وذلك بعد أن تحدثت الإدارة الأمريكية كذلك عن
المستشفى، وأنه يستخدم كمركز قيادة لحماس، وذلك بناء على معلوماتها الاستخبارية
المستقلة.
وجاء في التقرير أنه قبل اقتحام
مجمع الشفاء
الطبي، بذلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي جهودًا كبيرة لتصوير المجمع كمقر لحركة حماس،
حيث تم التخطيط لهجماتها على "إسرائيل".
لكن الأدلة المقدمة حتى الآن أقل بكثير
من أن تثبت ذلك. ولم تظهر مقاطع فيديو الجيش الإسرائيلي سوى مجموعات متواضعة من الأسلحة
الصغيرة، معظمها بنادق هجومية، تم انتشالها من المجمع الطبي الواسع، وفق الصحيفة.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا "يشير إلى وجود
مسلح، ولكن ليس ذلك النوع من المركز العصبي المتقن الذي تم تصويره في الرسوم المتحركة
التي تم تقديمها إلى وسائل الإعلام قبل الاستيلاء على الشفاء، والتي تصور شبكة من الغرف
الجوفية المجهزة تجهيزاً جيداً".
وحتى مقاطع الفيديو التي عرضها
الاحتلال حتى الآن أثارت العديد من التساؤلات.
ووجد تحليل أجرته هيئة الإذاعة البريطانية
(بي بي سي) أن اللقطات التي بثها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي تظهر
الاكتشاف الواضح لحقيبة تحتوي على مسدس خلف جهاز مسح التصوير بالرنين المغناطيسي، قد
تم تسجيلها قبل ساعات من وصول الصحفيين الذين كان من المفترض أن يتم عرضها عليهم.
وفي مقطع فيديو تم عرضه لاحقًا، تضاعف عدد
الأسلحة الموجودة في الحقيبة.
وزعم جيش الاحتلال أن مقطع الفيديو الذي
عثر عليه في المستشفى تم تصويره في لقطة واحدة ولم يتم تحريره، لكن تحليل "بي
بي سي" أثبت أنه تم تحريره.
وتقول قوات الاحتلال إنها لا تزال تستكشف
الموقع بعناية.
وأظهر عرض الفيديو الخاص بمجمع الشفاء أن
المرافق الرئيسية تقع في أعماق الأرض، ومن المحتمل أن الجنود الإسرائيليين لم يصلوا
إليها بعد، لذلك قد يكون هناك المزيد في المستقبل. وتعلق الصحيفة على ذلك بالقول:
"لكن محاولة تقديم ما تم العثور عليه حتى الآن على أنه مهم لا بد أن يؤدي إلى
إثارة الشكوك حول كل ما سيتم تقديمه لاحقًا".
وتضيف الصحيفة أن هناك تساؤلات حول مدى
اعتماد العرض التصويري للشبكة تحت مجمع الشفاء على ما عرفته إسرائيل بالفعل، وكان المهندس
المعماري الخاص بها قد بنى منطقة سفلية واسعة هناك في المرة الأخيرة التي احتلت فيها
إسرائيل
غزة بشكل مباشر، حتى عام 2005.
تقول الصحيفة إن كل هذه الأمور مهمة بموجب
اتفاقيات جنيف، التي تحظر العمليات العسكرية ضد المستشفيات ما لم "تستخدم في ارتكاب
أعمال ضارة بالعدو، خارج نطاق واجباتها الإنسانية". وهذا الاستثناء، المنصوص عليه
في المادة 19 من اتفاقية جنيف الرابعة، ينص على وجه التحديد على ما يلي: "...
إن وجود أسلحة صغيرة وذخائر مأخوذة من هؤلاء المقاتلين ولم يتم تسليمها بعد إلى الخدمة
المناسبة، لا يعتبر من الأعمال الضارة بالعدو".
وصدقت "إسرائيل" على اتفاقيات
جنيف في عام 1951، وتزعم أنها تراعي مبدأ التناسب بموجب القانون الإنساني الدولي، الذي
بموجبه تفوق الميزة العسكرية المباشرة المتوقعة من عملية عسكرية الضرر المدني الذي
يمكن توقعه بشكل معقول نتيجة لذلك. "إن احترامها لتلك المبادئ هو ما هو محل شك"،
بحسب الصحيفة.
وتنقل الصحيفة عن مي السعدني، محامية حقوق
الإنسان والمديرة التنفيذية لهيئة التحرير في معهد سياسات الشرق الأوسط في واشنطن
قولها: "لقد فشلت إسرائيل في تقديم أي دليل قريب من مستوى الأدلة المطلوبة لتبرير
الاستثناء الضيق الذي بموجبه يمكن استهداف المستشفيات بموجب قوانين الحرب".
"في الحالة النادرة التي يتم فيها
رفع الحماية، سيتعين على إسرائيل أن توفر للمدنيين فرصة حقيقية للإخلاء، وحتى مع ذلك،
فإن أي مدني يبقى في المستشفى بعد أمر الإخلاء سيظل محميًا بموجب قواعد التناسب".
وأضافت السعدني: "في كل مرحلة من هذا التقييم القانوني، فشلت إسرائيل إلى حد كبير.
لقد قدمت صورًا ولقطات فيديو لا تتناسب على الإطلاق مع مطالباتها الأولية".
وفي مرحلة ما، يمكن تقديم هذه القضايا إلى
المحكمة الجنائية. ولا تعترف "إسرائيل" بالمحكمة الجنائية الدولية، لكن المحكمة
تعترف بفلسطين عضوا، وتجري تحقيقا في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية المحتملة في الأراضي
الفلسطينية المحتلة منذ عام 2021.
ورغم أن أي حكم للمحكمة الجنائية سيكون
بعد سنوات، فإن تفاصيل اقتحام الشفاء لها تأثير على المناخ الدولي الذي تخوض فيه
"إسرائيل" حربها. "فقد قاومت دول مثل المملكة المتحدة وألمانيا، والأهم
من ذلك الولايات المتحدة، الدعوات لوقف إطلاق النار على أساس أن تصرفات إسرائيل تشكل
دفاعاً مشروعاً عن النفس. وكل يوم دون وجود أدلة مقنعة يجعل من الصعب متابعة هذه الحجة".
في المقابل، لم تدافع إدارة بايدن عن العمليات
الإسرائيلية فحسب، بل قدمت ادعاءات مستقلة بناءً على معلوماتها الاستخبارية حول المستشفى.
وقد قام جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، بتصوير منشأة حماس المزعومة
هناك على أنها "عقدة" قيادة وليس مركزًا، ومخزن أسلحة محتمل.
وتختم الصحيفة تقريرها بالقول إن "غياب
الأدلة حتى الآن، بدأ يعيد إلى الأذهان إخفاقات الاستخبارات الأمريكية السابقة، خاصة
تلك التي سبقت غزو العراق. فهو يزيد من عزلة واشنطن على المسرح العالمي، ويعمق الخلافات
الكبيرة بالفعل داخل الإدارة نفسها".