تتواصل الاتفاقيات الإماراتية مع
مصر لإدارة موانئها البحرية على البحرين الأحمر والمتوسط، ما يثير مخاوف مراقبين من سيطرة الدولة العربية الخليجية صاحبة التوجهات التوسعية على القطاع الاستراتيجي والحيوي في مصر، خاصة مع ما لها من شراكات وكيانات دولية وبينها إسرائيلية.
ووافق مجلس النواب المصري، الثلاثاء، على مشروع قانون يمنح مجموعة "أبوظبي للموانئ"، التزام بناء وتطوير وإعادة تسليم محطة متعددة اﻷغراض بميناء سفاجا البحري، مع إدارتها وتشغيلها وصيانتها، لمدة 30 عاما، وذلك عبر شركة "سفاجا لتشغيل المحطات" التي تستحوذ الشركة الإماراتية على النصيب الأكبر بها.
ويشمل اتفاق تطوير ميناء سفاجا، استثمارات بنحو 200 مليون دولار لتطوير المحطة البحرية بمساحة 810 آلاف متر مربع، وافتتاحها بالربع الثاني من 2025، ما يمكنها من مناولة 5 ملايين طن بضائع عامة وجافة، ومليون طن بضائع سائلة، و450 ألف حاوية، و50 ألف مركبة، وذلك وفق ما نقلته وكالة "
بلومبيرغ".
ومن المثير في ذلك الاتفاق، هو إعلان "موانئ أبوظبي" أنه من غير المتوقع أن تواجه المجموعة أية مخاطر تتعلق بتقلب أسعار العملات الذي تشهده مصر، وأنه سيتم تحويل جميع الإيرادات إلى الدولار.
وذلك في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية ومالية طاحنة، وسط عجز عن توفير العملات الصعبة وبينها الدولار لاستيراد السلع الأساسية والاستراتيجية وقطع الغيار والآلات، ما أثر على ملايين المصريين برفع الأسعار وتوقف وتراجع أعمالهم وعمليات التصنيع.
"توغل إماراتي"
ويأتي إقرار البرلمان المصري لاتفاقية "موانئ أبوظبي"، بامتياز تطوير وتشغيل ميناء سفاجا المصري في ظل توجه من الشركة الإماراتية لتوقيع اتفاقيات إدارة العديد من
الموانئ المصرية.
وذلك وفق مراقبين، بتغول إماراتي على القطاع طال حتى الآن موانئ "سفاجا" و"العين السخنة" و"الغردقة" و"شرم الشيخ" بالبحر الأحمر، وكذلك "بورسعيد" و"العريش" بالبحر المتوسط.
وفي آذار/ مارس الماضي، وقعت "موانئ أبوظبي" 5 اتفاقيات تشمل موانئ مصرية تطل على البحرين الأحمر والمتوسط، بينها امتياز لتطوير وتشغيل ميناء سفاجا، واتفاقيتان لإنشاء محطتين بميناء العريش وميناء غرب بورسعيد لمناولة الأسمنت.
تلك الاتفاقيات المبدئية حينها تهدف إلى توفير موانئ متعددة الأغراض، وخطوط السفن السياحية، وتعزيز القدرات اللوجستية بسفاجا والعين السخنة وبورسعيد والغردقة وشرم الشيخ والعريش.
ووقعت المجموعة الإماراتية اتفاقية لمدة 15 عاما مع "هيئة تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس"، لإنشاء محطتين بكل من ميناء العريش وغرب بورسعيد لمناولة الأسمنت السائب باستثمار مليار جنيه مصري (حوالي 33 مليون دولار حينها).
وكذلك إنشاء صوامع بسعة تخزينية 60 ألف طن بالعريش، و30 ألف طن بشرق بورسعيد، وذلك بجانب تطوير 3 محطات، لسفن الدحرجة والسفن السياحية وأخرى متعددة الأغراض.
أيضا عقدت موانئ أبوظبي، اتفاقية مع "هيئة موانئ البحر الأحمر"، لإدارة وتشغيل محطة للسفن السياحية بميناء الغردقة، مع تطوير وإدارة وتشغيل محطة السفن السياحية بميناء شرم الشيخ، مع اتفاق لتطوير محطة متعددة الأغراض ومنطقة لوجستية واقتصادية شرق بورسعيد.
وفي تموز/ يوليو 2022، أعلنت "موانئ أبوظبي"، الاستحواذ على 70 بالمئة من حصص الشركة "التابعة الدولية لنقل البضائع"، (TCI) المالكة لشركتي "ترانسمار" للنقل البحري، و"ترانسكارجو، بـ 140 مليون دولار.
ويأتي عقد مجموعة أبوظبي كل تلك الاتفاقيات في وقت قصير في ظل تركيز إماراتي على قطاع الموانئ وسط توجه استراتيجي للسيطرة على موانئ من الخليج العربي، مرورا ببحر العرب ومدخل البحر الأحمر، وحتى قناة السويس، والبحر المتوسط شمالا، عبر العملاقين "موانئ دبي العالمية" و"موانئ أبوظبي".
"تفريط.. واستغلال"
وكانت حكومة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، قد أعلنت في حزيران/ يونيو 2022، عن "وثيقة ملكية الدولة"، التي تتضمن خططا لبيع 65 بالمئة من الأصول الحكومية للقطاع الخاص خلال 5 سنوات، ما اعتبره مراقبون خطة كارثية للتفريط في أصول البلاد.
وبالطبع كانت الإمارات هي المستفيد الأكبر من التوجهات المصرية، حيث تمثل ثاني أكبر شريك تجاري لمصر بالشرق الأوسط، والأولى من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 29 بالمئة، فيما تعد مصر خامس شريك عربي تجاري لها من حيث التجارة غير النفطية، بنسبة 7 بالمئة، وفق بيان حكومة أبوظبي.
وفي أيار/ مايو 2022، أعلن رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، عن "دمج أكبر 7 موانئ مصرية في شركة واحدة وطرحها في البورصة"، مع توجيه لجنة حكومية لدراسة طرح الموانئ المصرية في البورصة للمستثمرين العرب والأجانب.
وتعد "موانئ دبي" العالمية، أول من حصلت على موطئ قدم في منطقة قناة السويس المصرية عام 2018، عبر الاستثمار في ميناء "العين السخنة" المصري، على البحر الأحمر.
وتواصل "موانئ دبي" استحواذها على مشروعات هامة بمحور قناة السويس، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، حصلت على أرض صناعية بالمنطقة الصناعية هناك مساحتها 35 كيلومترا.
وكشف موقع "
Africa Intelligence" الفرنسي، عن حالة غضب كبيرة لدى الجيش والمخابرات المصرية من تغول الاستحواذات الإماراتية على قطاعات واسعة من الاقتصاد المصري وخاصة بقناة السويس، الممر الاستراتيجي الهام مصريا وعالميا.
وفي تقرير نشره 19 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أكد الموقع، أن رئيس النظام عبد الفتاح السيسي يتعرض لضغوط من حليفه رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، للاستحواذ على أراض ومشروعات جديدة في المنطقة الاقتصادية من قناة السويس.
وهنا يظل السؤال حاضرا بشأن خطورة منح موانئ أبوظبي حق إدارة وتشغيل وإنشاء مشروعات بـ6 موانئ مصرية، ومن قبلها اتفاقيات "موانئ دبي"، وحجم خسائر مصر المباشرة وغير المباشرة من إسناد شركات أجنبية إدارة موانئها، ومدى اعتبار مدة 30 عاما نوعا من أنواع البيع غير المباشر لذلك الميناء.
"حبر على ورق"
وفي إجابته على تساؤلات "عربي21"، قال الخبير الدولي في الصناعات البحرية، إبراهيم فهمي: "في ظل تغييرات قادمة في إقليم الشرق الأوسط يعتبر كل ذلك حبرا على ورق ليس له ثمن".
وأضاف أن "الحالة الوحيدة التي تقوم عليها هذه الشراكات هي استقرار الأنظمة والقضايا الكبرى لمدة 30 سنة قادمة، وهذا غير ممكن عمليا وفق سيناريوهات متعددة تميل إلى تغييرات كبيرة في غضون سنوات قليلة وربما أقل".
أما بخصوص خسائر مصر الحالية والمستقبلية من هذا التغول الإماراتي على موانئها، كرر تأكيده بأن "هذه عقود باطلة وفاسدة وتُعرض كل من وقًع عليها وأجازها تحت طائلة القوانين طال الزمن أو قصر".
وشدد على أن "التغيرات القادمة في الإقليم مع تضارب مصالح لقوى متعددة ستضع نهاية لهذه الشراكات، سواء بالتراضي أو أمام القانون، أو أمام غضبة الشعوب، أو بيد نظام جديد حتى ولو رشيد جزئيا، أو كتسوية شاملة تتعلق بتوازن جديد لقوى الإقليم تعيده من تمدد إلى وضعه الطبيعي".
وعن خطورة وجود شراكات أجنبية قد تكون إسرائيلية مع الشركات الإماراتية المستحوذة والتي تدير الموانئ المصرية، أكد الخبير الدولي المصري، أنه "بصرف النظر عن الشركاء الظاهرين أو الشركاء الأصليين ممن لا يظهرون حاليا، فهذه عقود باطلة وفاسدة وتعرض كل من وقع عليها وأجازها تحت طائلة القوانين طال الزمن أو قصر"، مكررا تأكيده السابق.
"تأثير سلبي.. ولا خطورة"
وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، في حديثه لـ"عربي21": "كما هو معروف أن مصر تعاني مشاكل اقتصادية متعددة، لكن أسوأ هذه المشاكل عدم وجود من النقد الأجنبي على الأقل ما يكفي لسداد الالتزامات المفروضة على الاقتصاد المصري".
وأضاف: "إذا كنا نتحدث عن سداد أقساط وفوائد لـ(ديون خارجية تصل 165 مليار دولار)، فلنتحدث عن تمويل الواردات المهمة، وأيضا عن تمويل الواردات الاستهلاكية التي أدى نقصانها في السوق المصري إلى ارتفاع الأسعار".
وأوضح وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية، أنه "من هنا فإن مصر منذ فترة تطرح ما يسمى ببيع جزء من الأصول العامة في سبيل توفير كميات من النقد الأجنبي تساعد على إعادة حركة الاقتصاد المصري من جديد، وجزء من هذه الخطة يشمل التأجير والبيع للأصول".
وأكد أنه "عندما نتحدث عن تأجير موانئ، لموانئ أبوظبي، فهو ليس بأمر جديد، ومنذ فترة طويلة كانت هناك اتفاقيات بين مصر وموانئ أبوظبي، لإدارة بعض الموانئ المصرية"؛ معتقدا أنه "ليس نهجا جديدا، وأراها محاولات من الحكومة المصرية لأجل توفير كميات من النقد الأجنبي على الأقل تكفي لسداد الالتزامات المطلوبة نهاية هذا العام".
ويرى الخبير المصري، أن "محاولة بعض الشركات مثل أبوظبي أو حتى موانئ سنغافورة لإدارة مثل هذه الموانئ هي عمليات استحواذ أو استثمار عادية صحيح أن هذا النوع من الاستحواذات قد يؤثر على قدرة الاقتصاد المصري على الاستفادة أو تعظيم الاستفادة من موارده والاكتفاء بمبلغ الإيجار".
واستدرك: "لكن ما نراه حاليا أن الحكومة المصرية لا تمتلك القدرة أو حتى الرغبة في الاستفادة القصوى من هذه الموارد، ونتحدث هنا عن الموانئ البحرية التي تمتلكها مصر وتفضل أن تقوم بذلك إدارة أجنبية قد يكون لها من الكفاءة وتوفر التكنولوجيا ما يعظم الاستفادة من هذه الموارد".
وتابع: "ومن هنا ففي اعتقادي أن هذا الأمر وإن كان يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد المصري ولكنه لا يمثل الخطورة أو لا يستحق التخوف الكبير منها".
"الأهمية.. والمكاسب والخسائر"
ولفت إلى أن "وجود أكثر من طلب على تأجير وإدارة الموانئ المصرية أمر أراه عاديا، لأن مصر تمتلك مجموعة كبيرة من الموانئ تمثل شرايين حيوية تخدم حركة التجارة بين الشرق الأوسط وأوربا وجنوب شرق آسيا، وربما جزء مهم من حركة التجارة بين موانئ شرق آسيا وموانئ أفريقيا".
وأضاف: "جزء من هذه التجارة يمر عبر مصر، إذا كنا نتحدث عن تجارة دول شمال أفريقيا حتى المغرب وربما حتى منها إلى أسبانيا، وكذلك الحركة الواردة من أفريقيا والدول العربية، ومن الخليج العربي وشرق آسيا إلى أوروبا".
وعن تقدير الخسائر والمكاسب قال عبد المطلب، إنه "أمر يحتاج إلى مجموعة بيانات حتى يمكن دراسة الأمر، ولأجل تقدير أولي للخسائر يجب معرفة حجم التعاقد وشكله، وهل هناك نصوص على الاستعانة بعمالة مصرية أم لا؟".
"يعني أن كما كبيرا من المعلومات يجب أن يتوافر حتى يمكن عمل نموذج أو تقدير حسابات الخسائر والأرباح"، بحسب الخبير المصري، الذي أضاف: "ومن هنا نستطيع القول إن المميزات أو ما يمكن أن تحصل عليه مصر نتيجة هذا الاتفاق يتم تقديره، وبالعكس يتم تقدير الخسائر المتوقعة".
وفي تقديره يرى "أن هذه البيانات صعب إتاحتها، ولذا فإن تقدير الخسائر والمكاسب صعب جدا، لكن على الأقل فإنه خلال المرحلة الأولى من التشغيل ربما تبدأ بعض الأمور في الظهور عندها يمكن البناء عليها للوصول إلى نموذج تقريبي يحدد المكاسب المتوقعة أو الخسائر المحتملة".
"إنفاق مفرط"
المثير للجدل أن موجة تأجير الموانئ وإسناد إدارتها لشركات إماراتية وأخرى من جنسيات أخرى، يأتي في ظل ما تنفقه مصر على تطوير تلك الموانئ، ما يدفع للتساؤل عن أسباب صرف مليارات الدولارات بقروض خارجية ثم ترك إدارتها لشركات أجنبية تجني الثمار، وتتحمل خزينة البلاد سداد قروض التطوير.
وفي مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وجه رئيس النظام عبد الفتاح السيسي الحكومة إلى ضرورة الانتهاء من مشروعات التطوير في الموانئ ومنها ميناء الإسكندرية في موعد غايته عام 2025، وليس 2030.
وتقوم الحكومة المصرية بإنفاق هائل لتطوير الموانئ المصرية مثل محطات الحاويات متعددة الأغراض بموانئ سفاجا والدخيلة والسخنة ودمياط وغيرها، بجانب تشغيل محطة تحيا مصر متعددة الأغراض بميناء الإسكندرية والذي يستوعب 60 بالمئة من التجارة الخارجية لمصر.
ويصل إجمالي التقديرات الاستثمارية للهيئات الاقتصادية بوزارة النقل للعام المالي (2023-2024) وبينها القطاع البحري نحو 186 مليار جنيه، مقسمة إلى 98 مليار جنيه قروضا خارجية، و85 مليار جنيه قروضا محلية، و1.87 مليار جنيه تمويلا ذاتيا، و0.05 مليار جنيه مساهمات من الخزانة العامة، و0.09 مليار جنيه منحا أجنبية، وفق موقع "البورصة" في حزيران/ يونيو الماضي.