نشرت مجلة "
إيكونوميست" تقريرا حول رد الشارع العربي على العدوان المتواصل على قطاع
غزة، الذي تكررت منذ يومه الأول مشاهده المروعة على قنوات الأخبار، مشيرة إلى أن بعض القادة العرب قد ينظرون إلى "الحرب الدائرة على أنها تهديد لوجودهم".
وقالت المجلة؛ إن
حماس حملت الاحتلال مسؤولية المجزرة في المستشفى الأهلي المعمداني، فيما نفى الاحتلال لاحقا أنه نفذ غارات على المنطقة، وقال؛ إن "الانفجار نجم عن صاروخ خرج عن مساره أطلقته حركة الجهاد الإسلامي"، لكن الكارثة أشعلت غضبا في الضفة الغربية وعمان وحتى العاصمة التونسية.
وأشارت إلى أنه من الصعب التعميم حول
العالم العربي الذي يعيش فيه 450 مليون نسمة، ويمتد على مساحة آلاف الكيلومترات، لكن من الصواب القول؛ إن معظم العرب لا يزالون يتعاطفون مع القضية الفلسطينية، فتهجيرهم لا يزال حدثا سياسيا زلزاليا حول الشرق الأوسط ويحشد الغضب الشعب والاحتجاج أكثر من أي شيء آخر.
وتابعت بأن الحرب بين الاحتلال وحماس، في يومها الـ 12، ليست مختلفة، ويتم تغطيتها على مدار الساعة في أخبار التلفزة، وتناقش بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، ومقارنة مع الحرب التي استمرت خمسين يوما في 2014 فهناك اختلاف قليل. أحدها، جيوسياسي ويتعلق بالتطبيع العربي مع إسرائيل، حيث أقامت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب علاقات عرفت باتفاقيات إبراهيم، 202، إلى جانب مصر والأردن، في وقت كانت هناك مبادرة أمريكية لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وقد غيرت الطريقة التي يقوم فيها الإعلام العربي بتغطية الحرب.
وأشارت إلى أن قناة الجزيرة أعطت أصوات حماس مساحة، مقارنة مع القنوات السعودية والإماراتية التي تمشي بحذر، ولا تسمح أو تقابل أصواتا داعمة لحماس أو قادتها، في وقت تعطي المتحدثين بالعربية من اليهود الإسرائيليين فرصة وتستضيفهم وبشكل مستمر، كما أن هناك نقاشا حول المصطلح، فهي لم تعد تستخدم مصطلح "جيش الاحتلال" واستبدلته بالجيش الإسرائيلي.
وأردفت أن الفرق الثاني فيمكن في أن الحرب هذه المرة تحمل مخاوف من التوسع الإقليمي، مقارنة مع حرب 2014 التي انحصرت في الأرض المقدسة، وعقدت النقاش، على الأقل بالنسبة للدول القريبة من إسرائيل. ففي حالة مصر، حثت الولايات المتحدة ودول عربية على فتح معبر رفح الحدودي، وهو المعبر الوحيد المتوفر لغزة إلى العالم الخارجي، لكن قطاعا واسعا من المصريين مصمم على ضرورة مقاومة بلدهم الضغوط المفروضة عليها.
ونقلت أن المعلق المؤيد للحكومة إبراهيم عيسى قال: "لماذا تريد فرض الحرب علي؟"، وهي رسالة موجهة لحماس "وتريدون منا المخاطرة بمئة مليون مصري من أجلكم؟"، وأطلق معلقون نفس التصريحات، لكن الواحد قد يعتبرهم مجموعة من أبواب السلطة، إلا أنها تعكس الرأي العام، بحسب تعبيرها.
وذكرت المجلة أن نفس الخطاب يحضر في لبنان، الذي يعيش سنته الرابعة من أسوأ أزمة اقتصادية، وهناك مخاوف من أن يفتح حزب الله، المليشيا القوية جبهة مع جديدة مع إسرائيل، بشكل يجر البلد إلى حرب مدمرة أخرى كما في 2006. وكتبت الصحفية ديما صادق "لا تأخذونا للجحيم"، حيث تدعم الفلسطينيين، ولكنها ناقدة لحزب الله.
ويمكن الحديث عن تحول آخر، بحسب المجلة، وهو أن العالم العربي مستقطب اليوم، فالكثير من السوريين يشعرون بالرعب من مشاهد الحصار في غزة، التي تذكرهم بأساليب بشار الأسد، لكنهم، كما تزعم المجلة لا يرغبون بالتصفيق لحماس التي تدعمها إيران، البلد الذي فعل الكثير لتدمير بلدهم (لم تذكر المجلة أن حماس غادرت سوريا بعد الانتفاضة ووقفت مع الشعب السوري).
وقالت المجلة أيضا؛ إن السوريين غاضبون من المعلقين العرب الذين يشجبون الجرائم الإسرائيلية، لكنهم صفقوا لبشار الأسد. وأضافت أن الأمر نفسه في لبنان، فمهما كانت آراؤهم من إسرائيل فهم يأملون أن يخرج حزب الله وداعمته إيران من الحرب ضعيفين.
وأشارت إلى تسجيل يوثق حديثا غير رسمي حول أحداث الـ 12 يوما، تحدث بعض المسؤولين العرب عن حماس وغزة بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي يتحدث المتطرفون في إسرائيل عنها، فهم لا يحملون أي تعاطف مع الجماعة الإسلامية، إلا أنهم لا يتجرؤون على التعبير علنا.
وبحسب المجلة، فالانفصام بين الرأي العام والقصر يكشف الطريقة الباردة التي رحب بها بأنتوني بلينكن في دبلوماسيته المكوكية، فقد تركه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ينتظر وحاشيته لساعات من أجل مقابلة ليلة السبت ولم يستقبله إلا صباح الأحد. ومعروف عن ولي العهد بأنه يسهر بالليل ويترك زواره ينتظرون، لكن تعامله مع مسؤول أمريكي كبير كانت رسالة.
وعندما هبط في القاهرة، قدم له عبد الفتاح السيسي محاضرة تحسر فيها على محنة الفلسطينيين. ولم يحصل جو بايدن على الترحيب البارد، فقد تراجع السيسي عن لقائه بعد حادث المستشفى ثم ألغى الأردن قمة رباعية، فقادة العرب لا مزاج لهم للاستماع إلى ما كان بايدن يخطط لقوله لهم، وفقا لتقرير المجلة.
وقال التقرير؛ إن الموقف هناك خلف عدم ارتياح عميق، فمنذ السابع من تشرين الأول /أكتوبر قارن المعلقون بين حرب غزة وحرب الغفران، وهي المرة الأخيرة التي عانت فيها إسرائيل من فشل كارثي، مع أن هناك خلافا أعمق مع تلك اللحظة. ففي 1973 شنت الدول العربية حربا اعتبرتها إسرائيل وجودية، حيث ناقش المؤرخون هذا الرأي منذ ذلك الوقت، ولكنها بدت كذلك لدرجة أن وزير الدفاع موشي ديان فكر باستخدام السلاح النووي. وبعد نصف قرن، جرت إسرائيل للحرب من قبل "جماعة متشددة"، وسط مخاطر حول توسعها في المنطقة.
وبالنسبة للدول العربية، فهم متفرجون قلقون وفقا للمجلة التي أشارت إلى أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي كان واضحا عندما قال: "هذه القرارات ليست بيدي"، ونوهت إلى قادة مصر والأردن يخشون من تداعياتها المزلزلة على النظامين الهشين. أما دول الخليج، فهي خائفة من إغضاب إيران، وقد لا تكون لحظة تهدد وجود إسرائيل، لكن بعض القادة العرب يخشون من أن تكون كذلك بالنسبة لهم، بحسب تعبير المجلة.