بعد تصاعد الهجمة على المقدسات: أين المشروع الثقافي الإسلامي؟

في لقاء عقد قبل أيام قليلة بين وفد من قيادة الجماعة الإسلامية في لبنان مع العلامة السيد علي فضل الله (نجل المرجع الديني الراحل السيد محمد حسين فضل الله) بحث الطرفان، حسب البيان الصادر عنهما، في التحديات التي تواجه المسلمين اليوم على الصعيد العالمي، ودعا السيد علي فضل الله إلى إيجاد مشروع ثقافي وتربوي إسلامي لتعميق وتأصيل الوحدة الإسلامية، وجرى الاتفاق على ضرورة التعاون في كافة المجالات من أجل مواجهة التحديات والهجمات التي يتعرض لها المسلمون اليوم، والعمل لتعزيز الوحدة الوطنية والإسلامية.

هذا اللقاء الهام هو نموذج بسيط لما يمكن أن تقوم به المرجعيات والقيادات والحركات الإسلامية في مواجهة الحملة الشرسة التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والدينية، ولا سيما في ظل انتشار الإساءات المتكررة للقرآن الكريم في السويد والدنمارك، والجهود التي تبذل على المستوى العالمي لنشر الشذوذ وضرب أسس العائلة والمجتمع، وفي ظل انتشار أشكال عديدة من التحديات المجتمعية والدينية.

وبموازاة هذه الحملة شهدنا تحركات مهمة في العديد من العواصم العربية والإسلامية للرد على هذه التحديات، وخصوصا التحركات الشعبية في أكثر من عاصمة عربية وإسلامية، والدعوة لقطع العلاقات مع السويد، إضافة للعمل من أجل التواصل مع المرجعيات الدينية والجهات الدولية في العالم للتعاون معها للرد على هذه الهجمات. وكان للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين تحرك لافت في هذا الإطار، من خلال الاجتماع الهام الذي دعا إليه في إسطنبول وأطلق خلاله برنامج عمل متكاملا في هذا الإطار.

ورغم الخلافات السياسية والأجواء المتوترة في أكثر من بلد عربي وإسلامي، فإنه كان لافتا الوحدة الإسلامية التي تجلّت عبر التحركات الشعبية من أجل الرد على الإساءات المتكررة للقرآن الكريم، إضافة إلى بدء حملة إعلامية وثقافية ودينية لمواجهة عملية نشر ثقافة الشذوذ من خلال استغلال مفهوم الجندر والذي تتولى الولايات المتحدة الأمريكية إدارة حملته في العالم بالتعاون مع جهات دولية متعددة.

ومن خلال مراقبة كل التطورات الجارية لاستهداف المقدسات الدينية عامة والإسلامية بشكل خاص، يمكن للمراقب أن يستنتج أننا اليوم في حرب ثقافية وفكرية كبرى تشبه إلى حد ما تلك المرحلة التي واجه فيها المسلمون مرحلة انتشار الشيوعية والفكر الإلحادي والعبثية في مراحل الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.

وقد واجه المفكرون المسلمون تلك الحرب بمعركة فكرية وثقافية مشتركة عبر الرد على تلك المقولات ومن خلال إصدار عشرات الكتب للرد على الفكر الماركسي أو الطروحات الإلحادية، وقد انتشرت تلك الكتب في العالم الإسلامي وشكّلت المدخل الطبيعي للصحوة الإسلامية التي شهدناها في العام 1979؛ من خلال الثورة الإسلامية في إيران، ومواجهة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، ومن ثم عبر بروز المقاومة في لبنان وفلسطين، وصولا لانتشار الحركات الإسلامية في كل العالم العربي والإسلامي.

ورغم النكسة الكبيرة التي تعرضت لها الحركات الإسلامية في السنوات الأخيرة بسبب بروز التيارات المتشددة وفشل بعض التجارب الإسلامية في الحكم، إضافة للحملة القاسية التي تعرضت لها هذه الحركات من هجمة عالمية، فإن التيار الإسلامي لا يزال هو التيار الأكثر شعبية في العالم العربي والإسلامي، وإن القوى الإسلامية لا تزال هي القادرة على تحريك الجماهير لمواجهة مختلف التحديات الفكرية والسياسية والاجتماعية، طبعا مع تغير الظروف وأدوات العمل ما بين القرن العشرين إلى اليوم.

لكن العامل الأهم والأساس من أجل نجاح القوى والحركات الإسلامية في مواجهة التحديات الجديدة ينطلق من عامل الوحدة والتعاون المشترك، إضافة للانفتاح على بقية التيارات الفكرية التي تعتبر أن هذه التحديات تستهدفها أيضا، وخصوصا على المستوى القيمي والاجتماعي وعلى صعيد المقدسات الدينية. كما أن هذه المعركة القاسية لا يمكن أن تقتصر على الحركات والقوى الإسلامية الحركية، بل لا بد أن تشمل كافة المرجعيات والمؤسسات الدينية الرسمية والتقليدية، إضافة للانفتاح على المرجعيات الدينية في العالم والكنائس المسيحية التي تتبنى هذه المعركة.

نحن اليوم أمام تحديات جديدة فكرية ومجتمعية وسياسية، وهناك استهداف واضح للمقدسات الدينية عامة والمقدسات الإسلامية خاصة، إضافة إلى إطلاق حرب كبرى لنشر قيم مجتمعية تتناقض مع القيم الدينية، وهذه المعركة هي الوجه الآخر للمعركة السياسية والعسكرية والتي نشهدها في مواجهة قوى المقاومة وخصوصا في فلسطين ولبنان، كما أنها لا تختلف عن بقية التحديات الاقتصادية والتنموية ومحاولات نشر الفتنة والصراعات المذهبية والعرقية في بلادنا.

إنها معركة شاملة تتطلب التعاون والتنسيق بين كافة المرجعيات والقيادات الدينية الإسلامية والمسيحية، واستنفار كافة الحركات الإسلامية والعودة إلى أجواء العمل المشترك والوحدوي ووضع مشروع ثقافي إسلامي موحد، كما أشار إلى ذلك العلامة السيد علي فضل الله في لقائه مع وفد الجماعة الإسلامية في لبنان.

والمعروف أن التيار الذي يمثله المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله كان التيار الأكثر تفاعلا مع دعوات الوحدة الإسلامية في العالم، وقد يكون الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين أحد تجليات هذا التعاون، ومن هنا أهمية إعادة تفعيل عمل الاتحاد الوحدوي إلى جانب بقية الهيئات الإسلامية الوحدوية في العالم، سواء كانت رسمية مثل منظمة التعاون الإسلامي، أو كانت شعبية وحركية كالتجمعات والهيئات العلمائية المنتشرة في أكثر من بلد أو مؤسسات التقريب والتعاون بين المذاهب الإسلامية.

نحن اليوم أمام مرحلة جديدة تتطلب تجاوز كل الخلافات السابقة والعمل لوضع آليات جديدة للعمل المشترك في كافة المجالات، سواء في معركة تحرير فلسطين ومواجهة العدوان الصهيوني أو في المعارك الثقافية والاجتماعية وللدفاع عن المقدسات الإسلامية والدينية.

فهل يستجيب القيمون على الحركات والمؤسسات الإسلامية لوضع مشروع ثقافي وحدوي مشترك؟ أم أن الخلافات الفكرية والمذهبية والسياسية ستقف عائقا دون ذلك؟

twitter.com/kassirkassem