كشفت
صحيفة
معاريف العبرية جوانب من فشل
الموساد في محاولة اغتيال نفذها قبل 50 عاما،
لقتل أحد المسؤولين عن
عملية ميونخ التي قتل فيها رياضيون إسرائيليون مشاركون في
الألعاب الأولمبية التي عقدت هناك.
وأشارت
الصحيفة إلى "انتكاسة" في ما حدث بـ"ليلة ليلهامر" في
النرويج، حين فكر الموساد بالانتقام من منفذي عملية ميونيخ في أوائل السبعينات،
حيث طارد قادة منظمة "أيلول الأسود" المسؤولين عن قتل الرياضيين
الإسرائيليين، ورغم بدئه بسلسلة اغتيالات لكبار مسؤولي المنظمة، لكنه انتهى بواحدة
من أكبر الفضائح المهينة في تاريخه.
مايا
باوينس، مراسلة صحيفة معاريف، ذكرت أنه "بعد خمسين عاما على فشل الموساد في
تنفيذ واحدة من أخطر اغتيالاته في النرويج التي استهدفت علي حسن سلامة، فقد عاد
المحققون في القضية لتلك الأحداث الدرامية، وسبب تلقي الجنود أمرا بإطلاق النار
رغم تقديرهم أنه ليس "الأمير الأحمر"، وكيف يمكن تفسير سلسلة الأخطاء
الهائلة، وبالتالي فلم يخطر ببال أحد من الإسرائيليين أن هذه المدينة النرويجية
ذات المناظر الطبيعية الخلابة تكون بمثابة خلفية لواحدة من أكبر الفضائح في
الموساد، المسماة الليلة المريرة في صيف 1973".
وأضافت في
تقرير ترجمته "عربي21" أنه "بعد بضعة أشهر من عملية ميونيخ في
1972، شرعت دولة
الاحتلال بقيادة رئيسة الوزراء غولدا مائير في عملية أسمتها غضب
الله بهدف القضاء على قادة منظمة أيلول الأسود منفذي تلك العملية، وأسندت المهمة
للموساد بقيادة تسفي زامير، وفي غضون أشهر تم اغتيال تسعة منهم في قبرص وأثينا
وروما وباريس، وحتى في بيروت ضمن "ربيع الشباب" باغتيال قادة حركة فتح،
لكن فريقا من الموساد وصلت مدينة ليلهامر النرويجية للقضاء على علي حسن سلامة
الملقب بالأمير الأحمر، لكنها عملية رافقتها سلسلة هائلة من الأخطاء، انتهت
بالقضاء على الشخص الخطأ، واعتقال ستة من أفراد الموساد".
وأشارت إلى أن "اطلاق النار على الشخص الخطأ وضع علامات استفهام أمام هذا الفشل المريع
للموساد: فهل نشأت عن حكم خاطئ، أو فشل في القيادة، ولماذا لم يتعاون النرويجيون
مع إسرائيل، وهل استخلص الموساد الدروس من هذا الإخفاق غير المسبوق، لأن الجنرال
موشيه إلعاد أوضح أن "سلامة كان قائدا فلسطينيا ورجلا ذا مآثر كثيرة، له قدر
من العظمة كانت ستجعله يحل محل ياسر عرفات كرئيس لمنظمة التحرير"، فيما يؤكد
المؤرخ وعضو الكنيست السابق البروفسور ميخائيل بار زوهار أن "عرفات رآه خليفة
له".
وأكدت أنه
"قبل ذلك الفشل في تلك الليلة تأكد الموساد أنه من بين جميع قادة أيلول
الأسود، كان الوحيد الذي لم يُقبض عليه، ولم يُقض عليه، هو علي حسن سلامة، وحتى
عندما عملت دورية هيئة الأركان في بيروت، عرفت أنه ليس بعيدًا عنها، مع العلم أن
تسفي زامير رئيس الموساد، وأهارون ياريف الرئيس السابق للجهاز الاستخبارات
العسكرية- أمان، أخبرا غولدا مائير أنها إذا أرادت محاربة منظمة أيلول الأسود،
فيجب أن تدوس رأس الأفعى بحيث تتوقف المنظمة عن الوجود".
وكشفت أن
"خطأ الموساد في اغتيال الشخص المستهدف دفع بتأليف العديد من الكتب وإنتاج
الأعمال السينمائية التي حاولت البحث في أسباب إخفاقه، لاسيما وأن سلامة تحدث
العديد من اللغات، ليس من بينها السويدية والنرويجية، مما أفسح المجال للاعتراف
بالخطأ في تحديد الهوية، مما أعاد لأذهان الإسرائيليين الفشل في حرب أكتوبر 1973،
ولعل شعور الموساد وقادته بأنهم اعتادوا على النجاحات في تنفيذ الاغتيالات الأخيرة
دفعهم لان يعيشوا درجة من الهوس والإعجاب بالنفس، لكن من الواضح أن كلا منهما نجح
بخداع الآخر، لأنه بعد 15 دقيقة من الإعلان عن اغتيال سلامة، وصل تقرير يفيد بأنه
تم رؤيته يتدرب في فندق ببيروت".
وأوضحت أن
"التخطيط لعملية الاغتيال كان معيبًا، فقد اتضح في اللحظة الأخيرة أنه لا
توجد طرق لفرار عناصر الموساد الذين تم اعتقالهم في النرويج، رغم وردود أنباء أن
علي حسن سلامة سيسافر إلى أوسلو على متن الخطوط الجوية السويسرية، ورغم توفر رقم
الرحلة والتاريخ والوقت، لكن المعلومات تم إلحاقها بكلمة "ربما"، فهل
مثل هذه البلاغات الاستخبارية التي تصل الموساد يجوز أن تنتهي بكلمة ربما، ودون
الحديث عن المصدر، وبقي الموساد سبعة أشهر دون أن يغادر بيروت، مما يكشف عن حجم
الخطأ الجسيم الذي وقع فيه الموساد، وشكل لاحقا وصمة عار أخرى في تاريخه".
وأشارت إلى أن "الموساد يستخلص بسرعة الاستنتاجات والدروس، لكنه لا ينشرها، مما يجعل
من فشل ليلهامر يمثل بشكل لا لبس فيه نقطة فاصلة في الجهاز، وقد حاول طوال السنود
والعقود الماضية التكفير عن هذا الخطأ، لأنه في البداية اختفى سلامة، عندما اندلعت
حرب أكتوبر، ولم يتم العثور عليه، كما أوقفت غولدا مائير جميع الأنشطة التي أعقبت
هذا الفشل، ورغم وقوع العديد من الاغتيالات من المستويين الثالث والرابع، لكن
النشاط المنظم لفريق الاغتيال ذاته توقف، بل إنه بعد حرب يوم الغفران، تم تعيين
سلامة قائداً للقوة 17 الخاصة بياسر عرفات، وأصبح حرفياً يده اليمنى تدريجياً
وسافر معه إلى الأمم المتحدة وموسكو، ونتيجة لذلك اكتشفه الأمريكيون، وحاولوا
إقناعه بالعمل معهم، لكنهم فشلوا".
وكشفت أن
"السرّ في اغتياله أخيرا وصل إلى المثل الفرنسي ابحث عن المرأة، ففي 1971
أقيمت مسابقة ملكة جمال الكون في ميامي، وتم اختيار فتاة مسيحية من بيروت اسمها
جورجينا رزق، التي ظهرت كعارضة أزياء في الأفلام والتلفزيون، وتقضي وقتها في
النوادي، وفي حفل عشاء ما يراها علي حسن سلامة، ويقع في حبها، ثم تزوجا، ودعتهم
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لقضاء شهر العسل على نفقتها في الولايات
المتحدة، وذهبا إلى ديزني لاند، وكان ذلك بين عامي 1974-1975، وقد رأى الأمريكيون
فيه مصدرا غير عادي، يمكنه إقامة صلة مباشرة وراء الكواليس بينهم وبين
عرفات".
وأكدت أنه
"في سنوات لاحقة، باشر الموساد برصد سلامة، وتحديد مساره، وتنقله من صالة
الألعاب الرياضية، ومقرّ عرفات، ثم يعود للمكتب، لكنه ارتكب خطأ لا يجب أن يرتكبه،
وهو أن يسافر ويعود على نفس الطريق كل يوم، رغم أن لديه دائمًا قافلة تحرسه، أمامه
جيب لاند روفر مع 4-5 حراس، ويقود سيارة أمريكية مزدحمة بين حارسين شخصيين، وخلفه
سيارة جيب مزودة بمدفع رشاش، يحيط بها حراس من جميع الاتجاهات، لكن الموساد قرر
القضاء عليه في الطريق، وهو ما تم في 22 يناير 1979، حين تم تفجير سيارة فولكس
فاجن بجانب سيارة سلامة، لتنتهي بذلك مطاردة الأمير الأحمر".
وتكشف هذه
المعلومات الحصرية عن مزيد من الإخفاقات الأخرى التي أحاطت بفشل اغتيال سلامة في
النرويج، وتطرح أسئلة صعبة حول تأثيرات هذا الإخفاق، وتبعاته على الفشل المدوي
لحرب أكتوبر ذاتها، وتسلط الضوء على الإشكاليات الكبرى التي تحيط بعمل أجهزة الأمن
الإسرائيلية.
مع العلم أن الرواية التي أخرجها الموساد في حينه اقتصرت
على خطأ القوة المنفذة في تشخيص سلامة، ولم يأتوا على ذكر قصة المعلومة التي
وصلتهم من بيروت، ولذلك فإن الخطأ الحقيقي في عملية الاغتيال الفاشلة لم يكن خطأ
في التشخيص فقط، وإنما عدم إيصال المعلومة في وقتها الصحيح، حيث وصلت قيادة
الموساد قبل تنفيذ الاغتيال بـ40 دقيقة.