ألقت الأوضاع السياسية والأمنية المتردية في
ليبيا بظلالها على قطاع إنتاج
النفط، وحالت دون استقراره وتطوره، بل كبدته خسائر فادحة حرمت الليبيين من عشرات المليارات من الدولارات، وعطلت عجلة التنمية في البلاد التي يعتمد اقتصادها أساسا على عائدات النفط.
وينظر كثير من الخبراء والمحللين إلى عرقلة إنتاج النفط في ليبيا على أنها أداة ضغط سياسي يستخدمها أطراف النزاع في ليبيا، تحت عناوين مختلفة، أبرزها التهميش، وإعادة التقسيم العادل لعوائد الثروة في عموم البلاد.
وشهد قطاع النفط في ليبيا منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، عدة إغلاقات للحقول والموانئ، من قبل مجموعات مدنية وعسكرية، يعتقد أنها مدفوعة من جهات متنفذه في إطار الصراع الدائر على السلطة في البلاد.
ماذا تعني القوة القاهرة؟
وعادة ما تعلن السلطات المختصة (المؤسسة الوطنية للنط) حالة
القوة القاهرة في الحقول التي يتوقف فيها الإنتاج، ويمثل إعلان "القوة القاهرة" تعليقاً موقتاً للعمل، وحماية يوفرها القانون للحكومة في مواجهة المسؤولية القانونية الناجمة عن عدم تلبية العقود النفطية الأجنبية، بسبب أحداث خارجة عن سيطرة أطراف التعاقد.
مؤخرا، أصدرت حكومة البرلمان برئاسة أسامة حماد، بيانًا أعلنت فيه الحجز الإداري على إيرادات النفط الليبي لعام 2022 وما بعده، وعزت الحكومة إجراءاتها إلى ما وصفته بـ"التعدي السافر على أموال الشعب الليبي من حكومة الوحدة الوطنية، وصرف المليارات بشكل مبالغ فيه، وفي غير أوجه الصرف الضرورية".
أبرز عمليات إغلاق إنتاج النفط:
13 تموز/ يوليو 2023، وهي آخر عمليات الإغلاق الجزئي لإنتاج النفط، بعد أن أوقفت مجموعة ليبية الإنتاج النفط في حقول الفيل والشرارة و108، جنوب البلاد، ردا على توقيف وزير المالية السابق فرج بومطاري بالعاصمة طرابلس.
ونشر المحتجون بيانا مصورا في الحقل 108 النفطي، هددوا فيها بتصعيد الوضع إلى أكثر من ذلك، إذا لم يتم الإفراج عن بومطاري، لكنهم عادوا بعد أيام وفتحوا تلك الحقول بعد أن أفرجت السلطات في طرابلس عن بومطاري.
1 تموز/ يوليو 2022 أعلنت المؤسسة الليبية للنفط "القوة القاهرة" على أكبر ميناءين نفطيين بالبلاد، السدرة ورأس لانوف، وقالت إن الخسائر الناجمة عن الإغلاقات في حينه تجاوزت 3.3 مليارات دولار، ما يعادل 16 مليار دينار ليبي.
18 نيسان/ أبريل 2022 أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا الاثنين حالة "القوة القاهرة" ووقف العمليات في ميناء الزويتينة النفطي شرق البلاد، متضمناً كافة الحقول والوحدات الانتاجية المرتبطة بهذا الميناء ومرافق الشحن.
وجاء التوقف بسبب دخول مجموعة من الأفراد إلى ميناء الزويتينة ومنع المستخدمين من الاستمرار في مباشرة الصادرات.
وتسبب وقف إنتاج في الميناء حينه، بوقف شامل للإنتاج في حقول أبو الطفل والانتصار والنخلة والنافورة المنتجة عبر عبر ميناء الزويتينة.
18كانون الثاني/ يناير 2020، أعلنت السلطات حالة "القوة القاهرة" بعد ضغط من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وتوقفت صادرات النفط حينها من 5 موانئ رئيسية، هي موانئ البريقة وراس لانوف والحريقة والزويتينة والسدرة"، وأدى الإغلاق إلى خسائر في الإنتاج وصلت إلى 900 ألف برميل يوميا. وفق "الوطنية للنفط".
21 تموز/ يوليو 2019، أعلنت المؤسسة الوطنية القوة القاهرة وتوقّف عمليات شحن النفط الخام بميناء الزاوية، وذلك نتيجة لتوقّف الإنتاج بحقل الشرارة النفطي بسبب إغلاق تخريبي لأحد الصمامات على خطّ الأنابيب بين منطقة الحمادة و ميناء الزاوية.
17 يوليو/ تموز 2018 أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، حالة "القوة القاهرة" في صادرات مرفأ الزاوية النفطي، بعد أن جرى إجلاء بعض العاملين في أعقاب خطف اثنين منهم على يد مجموعة مسلحة.
تموز/ يوليو 2013 إلى
أيلول/ سبتمبر 2016، وهي الفترة الأطول لإغلاقات قطاع النفط، وتسببت بها مجموعة مسلحة يقودها "إبراهيم الجضران"، وحينها تكبد الاقتصاد الليبي خسائر فادحة فاقت الـ 100 مليار دولار، فضلا عن ضرب الثقة بين مؤسسة النفط الليبية، والشركات التي تستورد النفط الليبي، فضلا عن خسائر وأضرار فنية كبيرة وقعت في المنشآت والحقول. وفق مؤسسة النفط الليبية.
"الطغمة الفاسدة"
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله الكبير أن تكرار إغلاق إنتاج النفط في ليبيا منذ ما يزيد عن 10 سنوات، تستخدمه "الطغمة الفاسدة" في البلاد عبر تحريك مكونات قبلية ومجتمعية تحت عناوين عدة، أبرزها التهميش والتوزيع العادل لعوائد الثروة.
وشدد الكبير في حديث خاص لـ
"عربي21" على أن إغلاق النفط يهدد حياة ومعيشة الناس، ويمسها بشكل مباشر، كوقف خدمات الكهرباء والماء وتعطيل القطاعات الخدمية الأخرى المختلفة، داعيا إلى تفويت الفرصة على اللعب بورقة النفط في إطار المعارك السياسية بين أطراف الصراع القائم في ليبيا.
ورأى الكبير أن السياسيين يستغلون معاناة الناس ويدفعونهم إلى رفع شعار التهميش، وتحديدا في برقة (الشرق) كسبب لعرقلة الإنتاج، مضيفا: "من يهددون بقطع النفط وقطع المياه ويزعمون أنهم حكماء وأعيان ونشطاء مجتمع مدني، مجرمون يستخدمون كورقة من قبل الأقوياء الذين يريدون الحصول على مكاسب سياسية".
واستطرد: "نعم هناك تهميش لكنه لا يختص بالمنطقة الشرقية فقط، ومناطق كثيرة في ليبيا مهمشة وتحتاج إلى إعمار وتحتاج إلى إعادة بناء".
"جريمة اقتصادية"
وأكد على أن الفاسدين الذين تتحدث عنهم تقارير ديوان المحاسبة والرقابة الادارية هم هذه الطغمة الفاسدة التي تزعم أنها تريد
توزيع الثروة على الشعب الليبي، لكنها في الحقيقة تستولي على الثروة لمصالحها الخاصة.
وذكّر الكبير أن "مجرد الحديث عن إغلاق النفط مصدر رزق الليبيين يعد في القانون الليبي منذ عهد القذافي جريمة اقتصادية وعقوبتها فادحة".
وكان الكاتب والمحلل السياسي السنوسي بسيكري كتب لـ
"عربي21" حول أزمة توزيع الثروة مؤكدا أن "جبهة طبرق" (مجلس النواب وقوات حفتر) حازت القرار التشريعي وحيدت السلطة القضائية وامتلكت القوة العسكرية لكنها فشلت في الاستحواذ على السلطة المالية ممثلة في الحكومة والمصرف المركزي.
"أداة ضغط سياسي"
"ولأن الخيار العسكري بات شبه مستحيل لاستكمال مقومات القوة والسلطة، صار الضغط السياسي هو الأداة وكذا اللجوء إلى سلاح النفط، وقد نجحت الجبهة الشرقية في لفت الانتباه الدولي لمطالبها المتعلقة بعوائد النفط". وفق بسيكري
وتعتبر ليبيا ثالث منتج أفريقي للنفط الخام، ويشكل نحو 94% من موارد البلاد التي بدأ فيها إنتاج النفط عام 1961، وبلغ إنتاجها مؤخرا ما يزيد عن 1.2 مليون برميل يوميًا، وفق بيانات مؤسسة النفط الليبية، ولكن كانت البلاد تنتنج نحو 1.6 برميل يوميا قبل عام 2011.