عادت ورقة إغلاق إنتاج
النفط إلى الواجهة من جديد، بعد أطلقت حكومة البرلمان الليبي، تهديدات أيدها اللواء المتقاعد خليفة
حفتر، لإعلان القوة القاهرة في الحقول النفطية الواقعة تحت سيطرة جبهة الشرق، تحت ذريعة إعادة التوزيع العادل للثروة في عموم البلاد التي يعتمد اقتصادها أساسا على عائدات الذهب الأسود.
وتدار عائدات النفط من قبل المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي الليبي ومقرها العاصمة طرابلس، حيث يقع مقر حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من الأمم المتحدة بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
وقبل نحو أسبوعين، أصدرت حكومة البرلمان بيانًا أعلنت فيه الحجز الإداري على إيرادات النفط الليبي لعام 2022 وما بعده، بهدف "منع العبث بها" مشيرة إلى أنها ستتخذ الإجراءات القانونية باللجوء للقضاء الليبي، لتعيين حارس قضائي على الأموال المحجوزة، محذرة من أنها قد تصعد وترفع الراية الحمراء وتمنع تدفق النفط والغاز وتوقف تصديرهما.
وعزت الحكومة غير المعترف بها دوليا إجراءاتها إلى ما وصفته بـ"التعدي السافر على أموال الشعب الليبي من حكومة الوحدة الوطنية، وصرف المليارات بشكل مبالغ فيه، وفي غير أوجه الصرف الضرورية"، مشيرة إلى أن المؤسسة الوطنية للنفط مكنت حكومة عبدالحميد الدبيبة، من الاستحواذ على 16 مليار دولار، خلافًا للقانون واللوائح المعمول بها في
ليبيا.
حفتر بدوره أيد بيان حكومة البرلمان وقال في تصريحات له، إن قواته في شرق ليبيا ستمنح مهلة أقصاها نهاية آب/ أغسطس لما سماه "التوزيع العادل للثروة النفطية في ليبيا".
وحذر حفتر، من أنه حال تعذر عمل اللجنة، فإن "الليبيين سيكونون في الموعد للمطالبة بحقوقهم المشروعة من ثروات النفط"، في إشارة إلى عودة سيناريو إغلاق حقول النفط، مهددا في الوقت نفسه بتدخل قواته لدعم هذه الإجراءات حين قال: "القوات المسلحة ستكون على أهبة الاستعداد للقيام بالمهام المنوطة بها في الوقت المحدد".
لجنة من المجلس الرئاسي
وفي محاولة لاحتواء الموقف، أصدر المجلس الرئاسي قراراً بتشكيل لجنة مالية عليا برئاسة محمد المنفي، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة نائباً له، وعضوية 16 آخرين بينهم مسؤولون ووزراء.
وأوضح في قراره أن اللجنة تهدف لاعتماد ترتيبات مالية ومتابعة الإنفاق الحكومي إلى جانب ضمان توزيعه العادل، بين أقاليم ليبيا الثلاثة "برقة- طرابلس- فزان"، على أن تختص اللجنة بإقرار أوجه الإنفاق العام وأبواب الصرف وفقاً لمبدأ الرشد المالي والتوزيع العادل.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، فرج دردور أن التهديد بقفل النفط والتلويح بالحرب "أمر جربه حفتر سابقا ونجح فيه في كل المرات، حيث تحصل على أموال سائلة بدون أي رقيب أو حسيب، وبالتالي هذا جوهر الهدف من وراء التلويح بورقة إغلاق النفط".
وحول مدى قبل الشرق بمخرجات اللجنة، قال دردور في حديث خاص لـ"عربي21"، إن حفتر، ورئيس البرلمان عقيلة صالح قد يكونان غير راضيين عن اللجنة، على الرغم من أن لديهما فيها أعضاء وممثلين، فضلا عن أن رئيس المجلس الرئاسي (أمر بتشكيل اللجنة) يعتبر محايدا ويزور المنطقة الشرقية ويتقابل مع حفتر وغيره، لكن لربما يهدف حفتر إلى إدخال عناصر موالية له بما يؤثر على عمل اللجنة، وأتوقع أن يتدخل عقيلة صالح أيضا ويقدم مقترحات للجنة، وبالتالي سوف تستمر ليبيا في هذا النهج للأسف الشديد، وسيتواصل صرف المال العام خارج الإطار المالي القانوني للدولة، والمتضرر الوحيد هو المواطن الليبي".
ماذا بشأن المواجهة العسكرية؟
لكن دردور استبعد وقوع حرب أو مواجهة عسكرية بين حفتر وخصومه، كما استبعد أيضا إغلاق حقول النفط، خاصة أن "المنطقة الغربية" استجابت لهذه التهديدات، وتم المضي بتشكيل لجنة عليا لمراقبة المصروفات المالية ورعاية المال العام.
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي، السنوسي بسيكري، إن الجبهة الغربية، نجحت بشكل مؤقت، في الالتفاف على الضغوط المتعلقة بالمركزية والتحكم في القرار المالي في العاصمة، من خلال تشكيل لجنة بقرار من المجلس الرئاسي لمتابعة الحكومة والمصرف المركزي في تعاملها مع الإيرادات النفطية وأوجه صرفها.
"اللجوء لسلاح النفط"
وكتب بسيكري لـ"عربي21" حول أزمة
توزيع الثروة مؤكدا أن "جبهة طبرق" (مجلس النواب وقوات حفتر) حازت القرار التشريعي وحيدت السلطة القضائية وامتلكت القوة العسكرية لكنها فشلت في الاستحواذ على السلطة المالية ممثلة في الحكومة والمصرف المركزي، ولأن الخيار العسكري بات شبه مستحيل لاستكمال مقومات القوة والسلطة، صار الضغط السياسي هو الأداة وكذا اللجوء إلى سلاح النفط، وقد نجحت الجبهة الشرقية في لفت الانتباه الدولي لمطالبها المتعلقة بعوائد النفط.
وحول تهديد حفتر بإغلاق النفط، لا يعتقد بسيكري أن حفتر قادر الآن على تنفيذ تهديده بالتحرك نهاية الشهر القادم بعد قرار المجلس الرئاسي، وإن فعل فسيورط نفسه أكثر.
في المقابل، فإن اللجنة لن تكون قادرة على احتواء حالة السيولة في المشهد الليبي والهدر والفساد في إدارة المال العام حتى في المدى القصير، فالحلول الترقيعية لن تغني عن الانتقال والتحول الصحيح والمأسسة وما يصحبها من روافد أساسية أهمها الدستور وتحقيق مبدأ سيادة القانون وإعادة ترتيب المنتظم العسكري والأمني ضمن أطر مؤسسية منضبطة ودور فاعل وواعي للمجتمع المدني بمختلف مكوناته وأدواته. وفق بسيكري.
ما التوقعات بشأن عمل اللجنة؟
ويعتقد دردور أن عمل اللجنة سيقتصر على تخصيص مبلغ مالي ضخم لما يسمى "القيادة العامة"، تخضع لتصرف حفتر وأبنائه، دون الخضوع إلى الأجهزة الرقابية والمالية، أما شعار "تقاسم الثروة فهو شماعة، ففي السابق "جرى تخصيص 400 مئة مليون دولار شهريا لحفتر وانتهى الأمر عند هذا الحد". وفق قوله.
واستدرك دردور بالقول: "قد يتكرم حفتر بجزء من هذا المال ببناء مدرسة أو رصف طريق معين أو صيانة مبنى أو شيء من هذا القبيل حتى يقوم بالدعاية لنفسه، وتبرير عمليات الصرف" .
ويطلق مصطلح "القوة القاهرة" على وقف عمليات إنتاج النفط في حقل نفطي أو ميناء تصدير الخام، بشكل مؤقت، لحين انتهاء مختلف الأسباب التي تعيق عمله.
وتكررت عمليات إغلاق الحقول والموانئ النفطية طيلة السنوات الماضية بسبب احتجاجات عمالية أو تهديدات أمنية أو حتى خلافات سياسية، والتي تسببت في خسائر تجاوزت 100 مليار دولار العام الماضي، بحسب البنك المركزي الليبي.