تسلط صحيفة
"نيويورك تايمز" في تقرير لها الضوء على حركة إندونيسية تدعو إلى الالتزام
بالتعاليم والشريعة الإسلامية خصوصا في ما يتعلق بعلاقة الرجال بالنساء، فيما تصفها
الصحيفة بالحركة المحافظة التي تثير قلق المسؤولين هناك.
وترى
الصحيفة الأمريكية أن النزعة المحافظة الإسلامية تتزايد في إندونيسيا منذ سنوات، حتى
في الوقت الذي حاولت فيه الحكومة منذ فترة طويلة الحفاظ على مجتمع علماني ومتنوع دينيا.
في
التقرير الذي أعدته سو لي وي تقول إنه في مهرجان
سنوي في بادانج في إندونيسيا كانت فرقة فتية يردد أفرادها أناشيد في حب النبي محمد صلى
الله عليه وسلم. وتأثرت شابة ترتدي النقاب بإيمان المتحولين الجدد فسالت دموعها. وفي
وقت لاحق، صفق الحشد عندما اعتنقت فتاة تبلغ من العمر 15 عاما الإسلام أمام أعينهم. ونشر الكثيرون صور سلفي على وسائل التواصل الاجتماعي، مبتهجين بدينهم المشترك.
وكان
المشهد عبارة عن مهرجان سنوي وهو جزء من حركة إسلامية محافظة جديدة في إندونيسيا تُعرف
باسم "الهجرة" تجتذب ملايين المؤمنين، وكثير منهم من
الشباب، جذبهم دعاة
مشهورون على إنستغرام.
تتميز
النسخة الحالية من "
حركة الهجرة" باستخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي
لنشر الكلمة، وفي جاذبيتها للشباب. وتثير شعبيتها قلقا بين المسؤولين الحكوميين والدينيين،
الذين يخشون أن تؤدي إلى تآكل نمط أكثر اعتدالا من الإسلام.
وقال
قمر الدين أمين، المدير في وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية، إن دائرته بدأت سردية مضادة
لتحدي زخم "حركة الهجرة". وقال إن طابع المحافظة الذي تروج له "ليس
جيدا للإسلام في السياق الإندونيسي".
وقال
دادي دارمادي، الأستاذ في جامعة سيريف هداية الله الإسلامية في جاكرتا، إنه من وجهة
نظر الحكومة فإن وراء حركة الهجرة "أيديولوجية خطيرة للغاية تسمى الوهابية"
التي نشأت في السعودية. وأطلق على أتباع "الهجرة" وصف "المسلمين المولودين من جديد".
لكن
ديري سليمان، وهو داعية مسلم تحدث في المهرجان، قال في مقابلة إن الأتباع أسيء فهمهم. وقال: "نحن لا نتحدث عن التطرف. نحن لا نقاتل الحكومة، نأتي فقط للاستماع إلى تجارب
الجميع حول شعورهم بعد الإسلام".
لا توجد
أرقام واضحة عن عدد أتباع "حركة الهجرة" - وكثير منهم يعتبر نفسه مع الحركة
- لكن العدد يُقدر بعشرات الملايين على الأقل، بناء على متابعة وسائل التواصل الاجتماعي لخطباء
الحركة المشهورين.
وبدأت
الحركة بالظهور بينما أصبحت الأحزاب الإسلامية المعارضة أكثر صراحة، فهي على سبيل المثال، حشدت مئات الأشخاص في احتجاجات ضد بناء الكنائس المسيحية. وفي العام الماضي، ساعدت في تمرير قانون يحظر ممارسة الجنس خارج الزواج في إندونيسيا.
وأظهر
استطلاع أجري عام 2019 على جيل الألفية وشباب الجيل زد [المولودين بين منتصف التسعينيات
من القرن الماضي إلى بداية عشريات القرن الحالي]، أجرته شركة الأبحاث "ألفارا"
ومقرها جاكرتا، أن 60% من حوالي 1500 مشارك شملهم الاستطلاع في 34 مقاطعة تم تحديدهم بأنهم "متشددون ومحافظون للغاية". وأظهرت حصيلة حسابات "إنستغرام"
لـ 12 من أبرز دعاة الهجرة في إندونيسيا أن هناك ما لا يقل عن 45.8 مليون متابع.
أن تكون
في "حركة الهجرة" يعني أنك تعيش حياة إسلامية أكثر؛ تشمل كل شيء من اللباس
إلى العلاقات، ما يعني أن المزيد من النساء يرتدين الحجاب، أو النقاب. ويطلق المزيد
من الرجال اللحى ويلبسون الملابس الدينية. يرفض دعاة الحركة أي شيء يحتمل أن يكون حراما
أو ممنوعا بموجب الشريعة الإسلامية، مثل الصداقات بين الجنسين، وأحيانا الموسيقى العلمانية.
واستخدم
الممثلون والموسيقيون الذين يعرّفون أنفسهم بالانتماء لحركة الهجرة حساباتهم على وسائل
التواصل الاجتماعي للاحتفال علنا بإعادة اكتشاف عقيدتهم. وأصبح الشباب من أنصار حركة
"إندونيسيا بلا مواعدة [بين الشباب والشابات]"، التي تروج للزواج المرتب.
تتناسب
الحركة مع ثقافة دينية غنية في إندونيسيا. وعلى الرغم من أن البلاد هي أكبر دولة إسلامية
في العالم من حيث عدد السكان، فإن لديها خمس ديانات رسمية أخرى وأكثر من 200 ديانة
غير رسمية. ويمارس معظم المسلمين في إندونيسيا البالغ عددهم 230 مليونا شكلا من أشكال
الإسلام يجمع بين الدين والطقوس المحلية، مثل زيارة قبور الأجداد.
وقالت
نيسا أوكتا ميرزا، البالغة من العمر 27 عاما إنها أصبحت جزءا من "حركة الهجرة"
في عام 2014. وعندما ارتدت الحجاب، اعترض والداها لأنه لا يوجد أحد في عائلتها يرتدي
الحجاب. وتذكرت كيف انتقدها أحد أقاربها وسألها "هل أنت داعشية؟".
قالت
نيسا إنها، متأثرة بدعاة الحركة الذين لا يشجعون على الاتصال بين الرجال والنساء خارج
إطار الزواج، فستتوقف عن ركوب الدراجات النارية التي يقودها الرجال بعد الآن. وأوضحت
أنها توقفت أيضا عن مشاهدة المسلسلات الكورية بنهم لأنها كانت تقطع نومها وتؤثر على نوعية
حياتها، وهو ما يتعارض أيضا مع دينها.
في وقت
لاحق من هذا العام، هي تخطط لإرسال سيرتها الذاتية إلى صديقة لمساعدتها في "التعارف"،
وهي الكلمة المستخدمة لوصف ممارسة الزيجات المرتبة.
ومع
ذلك، تشعر الحكومة بالقلق إزاء بعض هذه الممارسات، خشية أن تؤدي إلى قلب المجتمع متعدد
الأديان في البلاد. وقال قمر الدين، من وزارة الشؤون الدينية، إن مكتبه شجع الدعاة المسلمين
الشباب على التأكيد على أن الإسلام يجب أن "يقدر التنوع". وأشار إلى أن بعض
أتباع الحركة قاموا ببناء مساكن للمسلمين فقط، أو انتقدوا النساء لعدم ارتدائهن الحجاب.
أدى
صعود التطرف الإسلامي في إندونيسيا إلى تفاقم مخاوف الحكومة. وفي السنوات الأخيرة، حظرت
حكومة الرئيس جوكو ويدودو مجموعات مثل حزب التحرير وجبهة المدافعين عن الإسلام، التي
دعت إلى الخلافة الإسلامية في إندونيسيا.
وقال
عليل أبشر عبد الله، أحد كبار المسؤولين في نهضة العلماء، أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا،
إن أتباع "حركة الهجرة" يريدون "أن يكون الإسلام هوية مغلقة، وعلامة
ثقافية تجعلهم منفصلين عن بقية المجتمع". وقال: "نحن لا نعطيهم الضوء الأخضر
للتحدث باسم الإسلام، ليكونوا الممثلين الوحيدين للإسلام".
ودعت
المجموعة الحكومة إلى حظر المهرجان السنوي في بادانج، المعروف باسم "مهرجان الهجرة". وفي العام الماضي، اشتكت من أن منظمي الفعالية استخدموا شعاراتها دون إذن، ما أدى إلى
إلغاء مفاجئ للمهرجان.
"الهجرة"
هي كلمة عربية للرحلة، وهذا المصطلح يرتبط ارتباطا وثيقا بهجرة النبي محمد إلى المدينة المنورة
هربا من الاضطهاد في مكة. غالبية الأشخاص الذين يشكلون الحركة هم من المسلمين بالولادة،
ويعيدون تكريس أنفسهم لدينهم.
قال
آري أونتونغ، مؤسس "مهرجان الهجرة" لتلفزيون "MTV" إن الجماعة تعرضت لانتقادات متكررة
من قبل مسلمين آخرين لأنها لم تكن متزمتة بما فيه الكفاية: "أعتقد أننا ذاهبون
إلى نفس الوجهة ولكن على عربات مختلفة". ووصف المهرجان بأنه حدث تجاري في المقام
الأول، وليس حدثا دينيا.
في حدث
هذا العام، روج مندوبو المبيعات لمستحضرات التجميل الحلال وخدمات تحفيظ القرآن. كان
على جميع الحاضرين، بغض النظر عن الدين، أن يرتدوا ملابس محتشمة. وتم الفصل بين الرجال
والنساء المسلمين في الغرفة. قال أحد الدعاة إنه سيعلم الناس دعاء لمنع وقوع أي من
عائلاتهم في براثن المثلية.
وكان
نطا رضا، مغني الفرقة الإسلامية البارز، من أبرز النجوم. وكان تقدم لخطبة زوجته في عام
2017، بعد ساعات من اكتشاف حسابها على "إنستغرام".. تزوجا بعد فترة وجيزة وأصبحا
الآن مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي يروجان للزواج المرتب.
وقال
نتا إن السنوات التي قضاها في المواعدة "لم تكن جيدة". قال من على خشبة المسرح:
"آمل أن يكون هذا درسا للعزاب". وقال: "لا تكن شخصا غبيا مثلي، يعتني
برفيق روح شخص آخر"، في إشارة إلى حياته التي قضاها في المواعدة قبل أن يصبح مؤثرا
في "حركة الهجرة".
ارتفع
صوت الحشد بالتأييد بينما كانت زوجته تضحك من وراء حجابها.
كان
الواعظ الذي تحدث، ديري، 44 عاما، عازف غيتار في فرقة "Betrayer"، وهي فرقة
موسيقى "heavy
metal" الشهيرة. وقال إنه خلال ذلك الوقت، كان يحتفل
كل ليلة وكان لديه "العديد من الصديقات". في عام 1998، مثل غيره من الموسيقيين
الإندونيسيين الذين اكتشفوا "الهجرة"، ترك فرقته وبدأ في تأليف موسيقى إسلامية
بعد أن طلب منه زميله الموسيقي العودة إلى دينه.
الآن،
أنشأ محتوى "TikTok"، قائلا إنه "يجب أن يجلب المشاعر الإيجابية" للمؤمنين
الشباب. في الليلة الأخيرة من مهرجان الهجرة، اختتم ديري المساء بإمامة دعاة المسلمين
الآخرين في دعاء للتوبة.
لقد
بكى هو وكثيرون آخرون من الجمهور وهم يتذكرون خطاياهم.