أثارت موافقة مجلس الوزراء
العراقي، الاثنين،
على موازنة ثلاث سنوات مالية (2023، 2024، 2025) وإحالتها للبرلمان، الكثير من
الجدل السياسي في البلاد، ولاسيما أن
حكومة محمد شياع
السوداني، كانت قد تعهدت
إبان تشكيلها عام 2022 بإجراء انتخابات برلمانية خلال سنة من تشكيلها.
وعزا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال
مؤتمر صحفي، الاثنين، أهمية الخطوة الحكومية إلى أنها تكمن في "دعم الاستقرار
المالي"، لافتا إلى أن "الوزارات السابقة كانت في العادة تدخل بمرحلة من
السُبات في نهاية السنة وبدايتها لحين إقرار الموازنة، وبذلك يتوقف العمل".
ولعل أغلب الجدل الحاصل بخصوص الموازنة يتعلق
في مدى قانونية الخطوة الحكومية في إقرار ثلاث موازنات سوية، وفي ما إذا كانت ثمة
أهداف سياسية تقف وراء ذلك، لأن السوداني سبق أن وعد في برنامجه الحكومي بإجراء
انتخابات مبكرة خلال مدة عام واحد.
إنهاء التأخير
وتعليقا على ذلك، قال عامر الفايز رئيس كتلة
"تصميم" في البرلمان العراقي، إن "إقرار الموازنة لمدة ثلاث سنوات يعد خطوة إيجابية، لأن تنهي التأخير الذي يحصل نهاية كل عام، وبالتالي يتوقف كل
شيء في البلد بسبب الموازنة السنوية، بينما هناك دول تعمل وفق خطط خمسية وعشرية".
ورأى الفايز في حديث لـ"عربي21" أن
"إقرار موازنة ثلاث سنوات من شأنه أن يدفع عجلة الاقتصاد والتنمية والخدمات
إلى الأمام"، مؤكدا أن "البرلمان سيمرر موازنة الثلاث سنوات، لأن الكل
متفق على ذلك، وجرت خلال الأيام الماضية محادثات واتفاقات بين القوى السياسية في
هذا الإطار".
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، غالب
الدعمي، إن "قانون إدارة الدولة يقول إن الموازنة سنوية، بمعنى أن البرلمان
مطالب بإقرار ما يتعلق بعام 2023، وأن العامين بحاجة إلى تصويت في وقتها، لكن
بياناتها ووظائفها واستثماراتها، تبقى كما هي كأنها أعدت للتصويت، وهذا شيء إيجابي".
وأوضح الدعمي في حديث لـ"عربي21" أن
"الموازنة يجب أن تقر لمدة ثلاث سنوات وحتى أكثر من ذلك، لأننا لاحظنا كيف
عانت الحكومات السابقة من فترات لا توجد فيها موازنة، وبالتالي تنتقل للمواطن
بتوقف الخدمات والتنمية وغيرها، وتوقفت لمدة عام ونص العام بحكومة مصطفى الكاظمي".
ورأى الخبير العراقي أنه "من المهم إقرار
قانون يعطي الحق للحكومة في مرحلة تصريف الأعمال في المضي في المشاريع والتخصيصات
المالية حتى ننتهي من هذه الأزمة التي تواجه الحكومات مع بداية ونهاية كل عام".
وتوقع الدعمي أن "يمرر البرلمان الموازنة
الحالية سريعا، لأنه سبق الاتفاق عليها سياسيا بين الإطار التنسيقي والقوى السنية
والكردية على ذلك، وبالتالي فإنها لن تتأخر وتدخل ضمن المزايدات السياسية".
الانتخابات المبكرة
بخصوص مصير الانتخابات المبكرة التي وعد بها السوداني خلال العام
الأول من عمر حكومته، قال الفايز: "إذا كانت الأوضاع مستقرة في البلاد،
والحكومة ماضية في مكافحة الفساد في ظل استتباب سياسي وتقدم اقتصادي وأمني، فلا
توجد حاجة حقيقية لإجراء انتخابات مبكرة".
ولفت البرلماني العراقي إلى أن
"الانتخابات المبكرة وضرورة إجرائها تدل على مؤشر عدم استقرار في البلد، فإذا
كان الوضع السياسي والاقتصادي مستقرين وتحارب الحكومة الحالية الفساد، فلا
أعتقد بأن ثمة جدوى في الوقت الحالي من الذهاب إلى هذا الخيار".
وفي السياق ذاته، رأى الدعمي أن "موضوع
الانتخابات المبكرة بدأ يذوب في برنامج الحكومة الحالية، رغم أننا نسمع من دول
إقليمية وحتى الأمم المتحدة بضرورة إجرائها حتى يعود التيار الصدري إلى المشهد
السياسي، لأنه لا يمكن عودتهم دون الانتخابات".
وأشار الدعمي إلى "احتمالية حصول ضغوطات في
الوقت الحالي لإجراء انتخابات مبكرة، خصوصا أنه ثمة معلومات بخصوص دعم من الجارة
إيران للمضي في هذه
الانتخابات العراقية خلال العام 2024".
وفي حزيران/ يونيو 2022، وجه زعيم التيار
الصدري مقتدى الصدر، نواب كتلته البرلمانية (73 نائبا) بتقديم استقالاتهم من البرلمان
رغم تصدرهم الانتخابات الأخيرة، وذلك بعدما لم يتمكن من تشكيل حكومة أغلبية سياسية
تستثني القوى الشيعية القريبة من إيران.
سند قانوني
وبخصوص الجانب القانوني الذي استندت عليه
الحكومة في التصويت على ثلاث موازنات مالية، رأى القاضي العراقي علي التميمي، أن دمج
موازنات لثلاث سنوات قادمة أمر ممكن دستوريا وقانونيا وفق المادة 78 من الدستور
والمادة 4 من قانون الإدارة المالية والدين العام للعام 2019".
وأكد الخبير القانوني خلال بيان صحفي له،
الاثنين، أن "هذه المواد القانونية أجازت الدمج بين الموازنات المالية، وأن ما
جرى التصويت عليه حاليا يعد من الموازنات متوسطة الأجل وتشمل ثلاث سنوات قادمة،
وتكون السنة الأولى واجبة التطبيق كما هي".
وأردف: "الموازنتان اللاحقتان قابلتان
للتعديل من البرلمان وحسب الظروف، وهو أمر يلائم فلسفة تشريع الموازنات التي هي
خطة مالية مستقبلية تحول دون تأخر التشريع، ويمكن أن تقدر قيمة النفط وسعر
الدولار ويحدد فيها التعيينات والوظائف بثبات تام يضمن تطبيقها ويمنع التغييرات".
بدوره، استغرب مستشار السوداني المالي، مظهر
محمد صالح، من إقرار مجلس الوزراء لمشروع قانون الموازنة للسنوات المالية 2023 و2024
و2025، واصفا إياه بأنه "إجراء غير صحيح".
ونقلت وكالة "شفق نيوز" عن صالح قوله
إن "قانون الإدارة المالية يؤكد على سنوية الموازنة (سنة بسنتها). ومن الممكن
أن يقدم مجلس الوزراء خطة مالية لثلاث سنوات، وليس لثلاث موازنات سنوية".
وبخصوص إقرار مشروع قانون الموازنة الثلاثية،
قال صالح "لا تتغير عندما تقر بقانون ولكن الخطط المالية هي تقديرات قابلة
للتعديل، وأن ما جاء به هو خطة مالية للسنوات القادمة وهي تبقى تقديرا ليس بها
التزام، وهي تتحدث عن مستقبل مالي".
وبحسب تصريحات رئيس الحكومة العراقي، محمد شياع
السوداني، فإن إجمالي الموازنة يبلغ 197.828 تريليون دينار عراقي (140 مليار دولار أمريكي) وأنها ستتكرر في ضوء الأرقام
والمتغيرات، مشيرا إلى أن" العجز في
الموازنة الحالية يبلغ 63 تريليون دينار".
ولفت السوداني إلى أن إجمالي إيرادات الموازنة
المالية للسنة الواحدة يبلغ أكثر من 134 تريليون دينار، منها 117 تريليون دينار
إيرادات نفطية، والباقي إيرادات غير نفطية، مشيرا إلى أن الحكومات السابقة كان لديها
ضعف بين برنامجها، والموازنات التي تُقر، لذلك تأخرنا من أجل تلافي هذا الخلل.