قضايا وآراء

التجارة العربية الخاسرة: الانفتاح على الأسد

وفود عربية ووزراء خارجية زاروا دمشق بحجة الزلزال- سانا
تؤشر مسارعة الأنظمة العربية للانفتاح على نظام الأسد، بعد وقوع كارثة الزلزال، إلى اعتبار هذه الأنظمة أنها أمام فرصة لتصحيح ما اعتبرته انحرافا لمجريات التاريخ السياسي في المنطقة؛ أنتجه حراك الشعوب العربية في مرحلة الربيع العربي، وأنه آن الأوان لتجاوز تلك المرحلة الثقيلة وإعادة التاريخ إلى مساره، حيث لا تنغّص هناء النخب الحاكمة ثورات ولا مطالب أو حقوق.

ما يثبت هذه النظرية، أن استجابة الأنظمة العربية لتداعيات الزلزال لم يكن الهدف منها مساعدة الشعب السوري، بل مساعدة بشار الأسد بوصفه لاعبا أساسيا في المنظومة السياسية العربية وأحد مكوناتها. ووفرت كارثة الزلزال الذريعة التي من خلالها تتم تغذية نظام الأسد بمقومات الحياة وإعادة بعث الروح فيه، بعد فقدانه للفعالية نتيجة عجزه التام عن تلبية طلبات محكوميه الأساسية، حيث منحته المساعدات فرصة للظهور بمظهر السلطة القادرة على تأمين الموارد، التي يتطلب حصول المجتمع عليها الانصياع لأوامرها والرضوخ لسلطتها.

المساعدات العربية، بالطريقة التي تم إيصالها، كان واضحا أنها مقدمة لإعادة تأهيل الأسد من خلال اعتباره الممثل الوحيد للشعب السوري والقناة التي يجب أن يتم خلالها إيصال المساعدات والمواساة للشعب السوري

لكن عصابة الأسد، التي تسيطر بالنار والحديد على ما تبقى من السوريين، يبدو أنها تجاوزت الرغبة في استخدام الموارد حتى لإخضاع المجتمع المحكوم، على اعتبار أنه خاضع بكل الأحوال ولا يوجد أي داع لإغرائه بالمساعدات. وبناء عليه، وحسب ما أفادت شهادات، أو صرخات، الكثير من المنكوبين، فقد تم توزيع المساعدات على المقربين من العصابة والتابعين لها، وجزء كبير ذهب إلى مستودعات جيش الأسد، فيما احتكرت الجزء الأكبر مؤسسات أسماء الأسد ليجري توزيعها على المقربين. وأكدت شهادات أهل اللاذقية أن مساعدات حزب الله مثلا ممنوعة منعا مطلقا على أبناء الأحياء السنية في اللاذقية، وفي حلب رفضت مليشيات إيران التي تتحكم بتوزيع المساعدات منحها لغير أتباعها وقالوا بالحرف الواحد لهم: "خلي معاوية يفيدكم"!

من المؤكد أن هذا السلوك لا يرضي الدول العربية التي أرسلت مساعداتها، لكن بعيدا عن الجانب المادي رغم أهميته في هذه الظروف، إلا أن المساعدات العربية، بالطريقة التي تم إيصالها، كان واضحا أنها مقدمة لإعادة تأهيل الأسد من خلال اعتباره الممثل الوحيد للشعب السوري والقناة التي يجب أن يتم خلالها إيصال المساعدات والمواساة للشعب السوري.

من الواضح أن تقدير الأنظمة العربية للفرصة ينسحب على الواقع الدولي في ظل انشغال الفاعلين، وخاصة الأمريكي، بالحرب الأوكرانية وما نتح عنها من تداعيات جيوسياسية ومعطيات س
تقدير الأنظمة العربية للفرصة ينسحب على الواقع الدولي في ظل انشغال الفاعلين، وخاصة الأمريكي، بالحرب الأوكرانية وما نتح عنها من تداعيات جيوسياسية ومعطيات سياسية وضعت العرب في موقف تفاوضي جيد بسبب الحاجة العالمية لمنتجات الطاقة، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية ستكون مضطرة للتعامل بمرونة تجاه أي محاولة لإعادة نظام الأسد إلى الحاضنة العربية
ياسية وضعت العرب في موقف تفاوضي جيد بسبب الحاجة العالمية لمنتجات الطاقة، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية ستكون مضطرة للتعامل بمرونة تجاه أي محاولة لإعادة نظام الأسد إلى الحاضنة العربية في هذه المرحلة.


لكن التوجه العربي الجديد صوب الأسد يطرح العديد من الأسئلة التي قد تعكر مزاج أولئك الساعين إلى خلق مسار جديد للعلاقة معه، من منطلق أن الحصائل لن تكون بحجم ما يطمحون اليه:

السؤال الأول: ما هو الهدف من هذا الانفتاح غير المشروط، هل هو إغلاق الباب نهائيا على مرحلة الربيع العربي والاطمئنان إلى عدم عودتها على الأقل في السنوات القادمة؟ في الواقع أن نظام الأسد وعند تاريخ اشتعال الثورة ضده كان يتمتع بشبكة علاقات قوية على المستويين الإقليمي والدولي، ولم تمنع هذه الشبكة السوريين من الثورة عليه، كما أن الثورة ليست حكرا على السوريين، بالأصل السوريون كانوا جزءا من ربيع عربي عام، ولا شك أن استمرار المناخ السياسي السلبي على المستوى العربي سيعيد للربيع العربي سيرته الأولى، وسيكون السوريون جزءا من هذا الربيع.

السؤال الثاني: هل هو البحث عن مخرج للأزمة السورية؟ ثمّة من يقول إن العودة العربية لنظام الأسد ستنتج مسارا جديدا للحل عبر احتضان النظام ودفعه للقبول بالتفاوض مع المعارضة لإنتاج حل يرضي السوريين. هذا الاعتقاد ليس فقط مشكوكا بصحته، بل إن جميع المؤشرات تدل على استحالة تحقّقه مع نظام الأسد الذي يعتقد أن أي تنازل ولو بسيط سيشكل بداية النهاية لحكمه إن لم يوصله إلى محاكم الجنايات.

هذا الانفتاح لن يحل أزمة السوريين ولن ينتج حلا سياسيا، وما لم تتم مواجهة إيران وهزيمتها، فليس ثمة ما يمنعها عن محق السوريين والتنكيل بهم وتهجيرهم من أرضهم

السؤال الثالث: هل بهدف اخراج النفوذ الإيراني من سوريا؟ حسنا هذا الأمر يستحق بالفعل موقفا عربيا جادا؛ لأن أفعال إيران في سوريا باتت تهدد الوطنية لهذا البلد، لكن هل يمكن تصديق أن الانفتاح على الأسد، الذي ساهم بالأصل في دعم النفوذ الإيراني ويهمه استمرار هذا النفوذ لتأمين توريث السلطة لنجله، سيكون الخيار المناسب لمواجهة النفوذ الإيراني؟

إذا ما البدائل؟ طالما أن الانفتاح على نظام الأسد ودعمه لن يؤدي إلى موت حراكات الشعوب العربية، سواء كان اسمها الربيع العربي أو أي مسمى آخر ما دامت الأنظمة التي تحكم الشعوب العربية أنظمة فاسدة وقمعية، كما أن هذا الانفتاح لن يحل أزمة السوريين ولن ينتج حلا سياسيا، وما لم تتم مواجهة إيران وهزيمتها، فليس ثمة ما يمنعها عن محق السوريين والتنكيل بهم وتهجيرهم من أرضهم.

والواقع أن النظام السوري لم يستهلك فقط ثلاثة أرباع عمر الدولة السورية بالتنكيل بالسوريين، بل ويكاد يستنزف طاقات العرب في صراعات ومهاترات لا يستفيد منها سوى خصومهم، في حين أثبتت التجارب أن هذا النظام يصبح وديعا وأنيسا عند هز العصا. وكلنا يذكر انصياعه في تسعينيات القرن الماضي لتركيا بعد تصويب أول مدفع دبابة باتجاهه، كما أن إسرائيل تضربه ليل نهار ولا ينقصه سوى شكرها والتسبيح بحمدها لأنها تتركه على قيد الحياة، فلماذا لا يجرب العرب هذا الطريق علّهم ينتهون من هذا الوجع إلى الأبد؟

twitter.com/ghazidahman1