منذ أن تولى عضو الكنيست
الإسرائيلي المتطرف
"ايتمار
بن غفير" منصب وزير الأمن القومي في حكومة "بنيامين
نتنياهو"؛ تصاعدت الانتهاكات الإسرائيلية لتطال كافة أشكال حياة
الفلسطينيين.
ومن ضمن هذه الممارسات كانت الهجمة المتصاعدة
ضد الأسرى الفلسطينيين، حيث أعلن الوزير جملة من القرارات التي تضيق حياتهم
المنقوصة أصلا داخل السجون، وقام بزيارة بعض الأقسام والزنازين ليقرر مزيدا من
التضييق عليهم، وشمل ذلك تقليص فترة الاستحمام ومصادرة بعض المقتنيات الخاصة بهم
وتكثيف عمليات المداهمة والقمع لغرفهم وأقسامهم علاوة على الاعتداء عليهم دون أدنى
مبرر.
ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالهجمة
طالت كذلك الأسرى والمحررين من مدينة القدس المحتلة، بعد أيام فقط من مصادقة
الكنيست بصورة نهائية على قانون يقضي بسحب الجنسية والإقامة من الأسرى الفلسطينيين
من الداخل المحتل عام ١٩٤٨ والقدس المحتلة ممن يتهمهم الاحتلال بتنفيذ عمليات ضد
مستوطنين وتتلقى عائلاتهم مقابلا ماليا من السلطة الفلسطينية.
وبشكل مفاجئ نفذت شرطة الاحتلال حملة مداهمات
لمنازل عشرات الأسرى والمحررين المقدسيين، حيث قامت بمصادرة أموال من عائلاتهم
وسحب مركباتهم والحجز على حساباتهم البنكية.
تعب العمر
عائلة الأسير المريض أحمد مناصرة كانت واحدة من
هذه العائلات، حيث اقتحمت شرطة الاحتلال منزلها في بلدة بيت حنينا شمال غربي القدس،
وشرعت بمصادرة كل ما وجدته من أموال ومركبتين واحدة لوالدته والأخرى يستخدمها
والده في عمله رغم أنها ليست مسجلة باسمه.
وتقول والدة الأسير لـ"عربي21" إن
أفراد شرطة ومخابرات الاحتلال اقتحموا البيت باللباس المدني والأسلحة وشرعوا بحملة
تفتيش فيه ومصادرة كل ما وجدوه.
حتى المصاغ الذهبي لأم أحمد لم يسلم من
المصادرة، لدرجة أن أحد الجنود حاول سحب خاتم زواجها من يدها ولكنها رفضت بشكل
قاطع وصرخت عليه فابتعد عنها وأكمل مهمة المصادرة في المنزل.
وأضافت: "لم يكفِ دولة الاحتلال أنها
اعتقلت ابني وهو صغير واعتدت عليه وسببت له مشاكل صحية ونفسية، بل قاموا بمداهمة
البيت وسرقة كل ما رأوه أمامهم، كما أنهم اعتدوا على ابني عبد الرحمن الذي يبلغ من
العمر ١٥ عاما، كان يوما صعباً علينا".
أما الأسير المحرر عبادة دنديس فكان واحدا من
ضحايا هذه السياسة بطريقة أخرى، حيث توجه والده إلى الصراف الآلي في محاولة لسحب
مبلغ مالي فتفاجأ بأنه مجمد.
ويقول الوالد لـ"عربي21" إن موظفة
البنك نفت علمها بما جرى للحساب بعد سؤالها، وبعد عدة استفسارات عبر المحامي أبلغه
بأن حساب نجله الأسير المحرر تم تجميده، ولكن الأمر طال كذلك حسابات والديه
وأشقائه كي لا يتمكن من الحصول على أي إيداع مالي بأي طريقة.
دنديس تحرر من سجون الاحتلال في عام 2020 بعد
أن أمضى فيها 50 شهرا، وخلال ذلك حاولت عائلته إبقاء حسابه البنكي محفوظا كي يجد
مبلغا من المال يبدأ به حياته بعد الاعتقال، وقدم والده استقالته من عمله في
أحد المخابز بعد 30 عاما من العمل ليستخدم مستحقاته المحفوظة في حسابه الخاص.
ولكن القرار الجديد بالحجز على أموال الأسرى
والمحررين وحساباتهم البنكية وتلك الخاصة بأفراد عائلاتهم؛ جاء ليبدد تلك الأحلام
ويدفنها.
ويضيف الوالد: "لم يتم الحجز على حساب
نجلي الأسير المحرر فقط بل على حسابي أنا وحساب شقيقتي المريضة التي أقوم برعايتها
في بيتي، وقبل شهر استقلت من عملي لأنني أعاني من عدة أمراض وأردت العيش والاعتماد
على ما جمعته طيلة هذه السنوات، ولكنهم حجزوا على حساباتنا جميعا ليضيع تعب العمر
في لحظات".
قوانين متصاعدة
سلطات الاحتلال استهدفت في هذه الحملة 24 أسيرا
مقدسيا و56 أسيرا محررا من المدينة وعائلاتهم، حيث إن وزير جيش الاحتلال
"يوآف غالانت" أصدر قرارًا بالحجز على أموال أولئك المقدسيين وحدد مبالغ
مالية طائلة للحجز عليها تقدر بمئات آلاف الشواكل بحجة أنهم تلقوا أموالا من
السلطة الفلسطينية على شكل مكافآت وأن هذا يصنف ضمن "تمويل الإرهاب"، في
إشارة إلى مخصصات الأسرى التي تصرفها السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى أثناء
اعتقالهم.
وبحسب نشطاء ومتابعين في المدينة، فإن الاحتلال
سبق وقام بحملة مماثلة ضد الأسرى والمحررين المقدسيين ولكنها لم تكن واسعة بهذه
الصورة.
وتوضح المتحدثة باسم جمعية نادي الأسير
الفلسطيني أماني السراحنة لـ"عربي21" أن قرار وزير الجيش الإسرائيلي صدر
من خلال لجنة تضم أطرافا من "الشاباك" وإدارة السجون والضريبة والجيش
والشرطة تحمل اسم "لجنة محاربة الإرهاب الاقتصادي الفلسطيني"، حيث وقع
غالانت على هذا القرار الإداري العسكري لمصادرة الأموال.
وتقول إنه على مدار السنوات الماضية فرضت
حكومات الاحتلال قوانين عنصرية كثيرة تتعلق بالأسرى، وتصاعد منحاها بعد الهبة
الشعبية عام 2015، وكانت في بداية الأمر لبعض القضايا العامة وأصبحت تذهب لتشريع
قوانين لتفاصيل متعلقة بقوانين مشرعة سابقا.
وتم سن العديد من القوانين العنصرية
الإسرائيلية، على رأسها قانون إعدام الأسرى الذي على الرغم من أنه لم يقر فعليا، إلا
أنه من الواضح أنه إذا استمرت هذه الحكومة الحالية فليس مستبعدا أن يكون هناك
إقرار فعلي عبر المصادقة على القانون وهو الأخطر بين كل القوانين والتشريعات
وسيكون التوصيف لذروة ما نشهده من تطرف حاصل من الحكومة الحالية تجاه الاسرى، بحسب
السراحنة.
وأضافت: "القانون الأخير وهو سحب الجنسية
والإقامة من أسرى القدس والداخل لوحت فيه سلطات الاحتلال سابقا، وكان هناك تنفيذ
له قبل أن يصبح قانونا فعليا وذلك بحق الأسير المقدسي صلاح الحموري الذي تم سحب
هويته المقدسية وإبعاده إلى خارج فلسطين قسرا، هذا القانون أبعاده لا تقف على
الأسرى وعائلاتهم وإنما على الوجود الفلسطيني في القدس والداخل، ونعتبره قانون
تهجير أكثر من كونه للانتقام من الأسرى، ومخاطره تمس الوجود الفلسطيني في تلك
المناطق".
ولفتت إلى أن قضية الأسرى كانت أكثر الملفات
التي استخدمتها حكومة الاحتلال الراهنة "لإرضاء شهوة المتطرفين والشارع
الإسرائيلي، وإن لم تكن هناك خطة وطنية واضحة لمواجهة الإجراءات المتصاعدة بحق
الأسرى عموما، فإن ذلك يعتبر مؤشرا على أن تكون هناك قوانين جديدة عنصرية بحق الأسرى
وعائلاتهم".
وتابعت: "ما يحدث بحق الأسرى المقدسيين
مرعب ووصفناه بالنكبة الجديدة بالقدس، هناك عائلات سلبت منها كل مقتنياتها، وما
يحدث يتم بالتزامن مع حلقات التضييق على المقدسيين بشكل عام وهو وليس وليد هذه
اللحظة، ولكنها مرحلة جديدة من التطرف من حيث حجم وكثافة الإجراءات".