يعكس قرار رئيس
السلطة الفلسطينية محمود عباس؛ وقف
التنسيق الأمني مع حكومة
الاحتلال الإسرائيلي عقب المجزرة البشعة التي ارتكبها جيش الاحتلال في مخيم جنين فجر الخميس، إلى أي درجة باتت صعوبة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمستقبل المجهول الذي ينتظرها.
وأدى اقتحام قوات كبيرة من جيش الاحتلال لمخيم جنين، إلى استشهاد تسعة فلسطينيين بينهم سيدة مسنة برصاص قناصة جيش الاحتلال وأصيب العشرات، ما تسبب في حالة غضب شعبي، واستنكار عربي ودولي للمجزرة الإسرائيلية.
رؤية فلسطينية.. خطوة مهمة ولكن؟
وفي قراءته لأهمية خطوة السلطة وقف التنسيق الأمني، قال رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية التابع لجامعة القدس، أحمد عوض: "هذه خطوة ضرورية، تأتي في زمانها، فحكومة الاحتلال الفاشية الحالية لا تضرب فقط بعرض الحائط بكل ما تم الاتفاق عليه من قبل، بل تعمل هذه الحكومة على إضعاف السلطة وإفقارها وإحراجها وصولا إلى تفكيكها".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "السلطة تستبق خطة هذه الحكومة الفاشية، بأنها تصلب موقفها وتستعيد المبادرة والفعل أمام تلك الحكومة الإسرائيلية التي لا تريد فقط تفكيك السلطة وإنما تسعى لتفكيك المجتمع الفلسطيني، وهي لا تعترف للفلسطينيين بمطلب قومي، فهي ربما تعترف بنا كأفراد وليس كجماعة".
وذكر عوض، أن "السلطة بقرارها تستبق خطة حكومة الاحتلال بأنها أيضا تستعيد جمهورها ومحاولة تحقيق الوحدة الفلسطينية بكافة أشكالها؛ السياسية والميدانية مع كافة الفصائل، وهذا أيضا يؤدي بنا إلى أن نذهب نحو المظلة الكبيرة والوطن المعنوي المتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية".
ورأى أن "وقف التنسيق الأمني خطوة أولى، يجب أن تتبعها خطوات حقيقية كثيرة، ولكنها خطوة مهمة تستعيد بها السلطة المبادرة بشكل أو آخر، وهي لا تكفي، ولكي تكون خطوة حقيقية، فلا بد من برنامج وطني واتفاق فصائلي وتنظيم المقاومة الشعبية؛ أي الوصول إلى برنامج وطني كبير ومتكامل".
من جانبه، رأى المختص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي مأمون أبو عامر، أن "القرار جيد ومهم جدا من ناحية المصلحة الفلسطينية، ولكن السؤال: إلى أي مدى يمكن للسلطة أن تستمر وتلتزم بهذا القرار؟ لأن السلطة وأجهزتها الأمنية مبنية من الناحية النظرية على الارتباط بالطرف الإسرائيلي".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "هل التنسيق - حال عودته - سيرتبط بالمصالح الفلسطينية أم بالضغوطات الإسرائيلية وحاجة الاحتلال له؟"، مشككا في "قدرة السلطة على إدارة هذا الملف وأن تلتزم بشكل مطلق بوقف التنسيق الأمني، خاصة في ظل الضغط السياسي الإقليمي الذي تعيشه السلطة، مع استبعاد إمكانية أن تقف الدول العربية إلى جانب السلطة، إلا بالشيء القليل".
ودلل أبو عامر على رأيه، بأن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عندما حاصره الاحتلال في المقاطعة في رام الله، لم يتصل به إلا أمير قطر، منوها إلى أن "السلطة يمكن لها التحرك في الجانب الذي يحقق المصلحة الفلسطينية، أو أن تخفض الجوانب التي تعود بالمنفعة على الاحتلال، لأن وقف التنسيق بشكل مطلق إجراء صعب على السلطة، لأن بنيتها لا تخولها التحرك بشكل مستقل".
ونبه إلى أن "التنسيق الأمني بصورته الحالية لا يخدم إلا الاحتلال ولا يخدم الطرف الفلسطيني"، موضحا أن "وقف التنسيق الأمني هو مطلب شعبي، وقرار وقف السلطة للتنسيق الأمني، هو ليس قرارا سياسيا لكنه عاطفي تحت تأثير ضغط المجتمع، وعندما تبرد الأزمة، فستعود الأمور إلى ما كانت عليه"، وفق تقديره.
رؤية إسرائيلية.. تقربنا من التصعيد
وتناولت الصحف العبرية بتوسع قرار عباس وقف التنسيق الأمني مع الحكومة اليمينية الحالية التي يتزعمها بنيامين نتنياهو، وتشارك فيها العديد من الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة.
"يديعوت"
وأوضحت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في افتتاحيتها التي كتبها الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية آفي يسسخروف، أن "وتيرة الأحداث والصدامات والمعارك ترتفع في الأرضي المحتلة، كما أن دوافع الشباب الفلسطيني للقتال ضد الجيش الإسرائيلي ترتفع، ولا يبدو أن شيئا ما في الأفق السياسي أو الأمني يمكنه أن يغير هذا الميل".
وقالت: "كل العناصر التي من شأنها أن تبشر باستمرار التصعيد موجودة، بين الفلسطينيين والمستوطنين في أرجاء الضفة الغربية، والدم وعدد المصابين، كل هذا تشكل برميل متفجر نجلس عليه نحن هذه الأيام دون أفق تهدئة، كما أن تركيبة حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، لا تساعد في تهدئة الخواطر".
وذكرت الصحيفة، أنه "بشكل متوقع، قررت السلطة وقف التنسيق الأمني "بكل أشكاله" في أعقاب العملية في جنين، ويمكن الاستخفاف بخطوة كهذه، لكن واضح أن لها أثمانا، ولا يدور الحديث فقط عن مسائل أمنية تجاه إسرائيل، بل حتى في مواضيع أبسط، مثل المواصلات وكل مظهر آخر للقانون والنظام".
"إسرائيل اليوم"
أما صحيفة "إسرائيل اليوم" وفي مقال للخبير العسكري يوآف ليمور بعنوان "تجميد التنسيق الأمني قد ينتهي بالتصعيد"، أكدت أن "تجميد التنسيق الأمني، هو بشرى سيئة لإسرائيل، فمن شأنه أن يجد تعبيره بارتفاع نطاق العمليات وإلزام الجيش بأن يخصص في الفترة القريبة القادمة قوات أكبر في المناطق".
وأضافت: "ما انتقل وقف التنسيق من الأقوال إلى الأفعال، ستكون حاجة إلى أعمال مكثفة أكثر في الميدان لأجل التغطية على أعمال مختلفة، كانت تنفذها حتى الآن أجهزة أمن السلطة؛ من اعتقال مطلوبين في مستوى متدن وحتى منع أعمال مدنية مختلفة مثل المظاهرات التي من شأنها أن تتطور لمواجهات مع قوات الجيش الإسرائيلي".
وقدرت أن السلطة من الممكن أن تتراجع عن وقف التنسيق الأمني مثلما فعلت زمن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد الإعلان عن "صفقة القرن"، وذلك خوفا من أن "تستغل حماس الفراغ الناشئ فتتعاظم في المناطق، وأيضا، انطلاقا من الفهم أن التنسيق يخدم أمن ومصالح الطرفين".
ورأت "إسرائيل اليوم"، أن "خطوة عباس تنبع من أن السلطة تتعرض لانتقاد داخلي قاسٍ في ضوء العمليات الإسرائيلية التي قتل فيها نحو 30 فلسطينيا منذ بداية 2023"، مؤكدا أن الواقع بعد مجزرة جيش الاحتلال في جنين "لا يبشر بخير، ففي السنة الأخيرة، يوجد ارتفاع في عدد العمليات في الضفة، وهذا من شأنه أن يحتدم مع حلول رمضان، ما يستدعي من إسرائيل تشديد الأعمال الأمنية – السياسية حيال عموم الجهات في الساحة الفلسطينية، وهي مهمة غير بسيطة إذا ما أخذنا بالاعتبار تركيبة وخطط الحكومة الجديدة".
"هآرتس"
صحيفة "هآرتس" في مقال للخبير جاكي خوري بعنوان "الفلسطينيون يقررون إذا كان إعلان السلطة وقف التنسيق سيكون ناجعا"، أكدت أن "خطوة وق التنسيق الأمني من قبل عباس متوقعة، وستؤدي إلى تأثير على الأرض أو تستدعي ردودا دولية".
وقالت: "وقف التنسيق الأمني، كان الخطوة الأكثر توقعا من جانب القيادة الفلسطينية في رام الله، وهي من بين الخطوات التي كانت بحوزتهم، وفي القيادة الفلسطينية يطالبون منذ سنوات بتدخل مؤسسات دولية، خاصة محكمة العدل الدولية في "لاهاي".
ونوهت إلى أن "قضية التنسيق الأمني بالنسبة للشعب الفلسطيني، اعتبرت دائما سكينا في ظهره، فالدعوات للتوقف عن التنسيق تظهر في الميدان في كل مناسبة، وتواجه في الغالب برفض عباس الذي يؤيد عملية التنسيق، وحتى إنه وصفها بأنها "مقدسة" في لقاء للقيادة الفلسطينية قبل بضع سنوات، ومع ذلك فإنهم في السلطة أعلنوا في السابق عن وقف التنسيق عندما اندلعت أزمات بين إسرائيل والفلسطينيين وتم وقف التنسيق لفترة محدودة".
وأضافت: "أمام الضغط غير المنقطع لوقف التنسيق، في القيادة الفلسطينية يعرفون أن هذه الخطوة ستؤثر على كل مجالات حياة السكان، وفي رام الله وفي إسرائيل يعرفون جيدا أن الحديث لا يدور عن تنسيق بين كيانين متساويين وأن الأجهزة ليست موازية من ناحية قدرتها ومواردها".
وزعمت الصحيفة أن "إسرائيل لا تهتم دائما بالتنسيق، وهي تقتحم المدن الفلسطينية دون أن تهتم بالشركاء في آلية التنسيق، لأن قدرتها التكنولوجية تسمح لها بالقيام بخطوات واسعة دون إعلان مسبق، في حين أنهم في الجانب الفلسطيني يحتاجون إلى التنسيق في أمور صغيرة جدا مثل سفر رئيس السلطة، وهم بالتأكيد يقدرون أن إعلان السلطة وقف التنسيق لن يصمد لفترة طويلة".
ورأت أن "وقف التنسيق هو رد عباس ورجاله على المناخ السائد على الأرض والذي يملي بالفعل سلوكهم، فعدد القتلى الفلسطينيين لم يترك للرئيس الفلسطيني أي خيار، والأيام القريبة القادمة ستحدد مصير العملية؛ إذا كان هناك تصعيد فسيتحول الإعلان إلى كليشيه متآكل، وإذا وجد من سيوقف التدهور فإنه سيعتبر خطوة هامة".
وتابعت: "الاختبار الأول لذلك سيكون اليوم بعد انتهاء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، والدعوات لمسيرات ومظاهرات في أرجاء الضفة، ومسألة الرد المحتمل من قبل التنظيمات في قطاع غزة، كل ذلك حيث في الخلفية يوجد أيضا الاحتكاك المتوقع في الأشهر القادمة، حيث رمضان وعيد الفصح".
وذكرت "هآرتس"، أن قرار وقف التنسيق الأمني "لم يستهدف فقط إسرائيل، فقد أرسل أيضا للمجتمع الدولي، وبشكل خاص للإدارة الأمريكية، والأمر بالنسبة لعباس، الحديث يدور عن فرصة لوضع القضية الفلسطينية على جدول أعمال كل هؤلاء واختبار إلى أي درجة في الإدارة الأمريكية مستعدون للتدخل لصالحها".