تعيش
فرنسا الخميس على وقع
إضراب عام من المنتظر أن يشمل عدة قطاعات رئيسية، في مقدمتها النقل والتعليم والطاقة، احتجاجا على خطة الحكومة لإصلاح
نظام التقاعد، في أول تحرك نقابي وطني منذ إعادة انتخاب الرئيس إيمانويل
ماكرون في نيسان/ أبريل من العام الماضي.
ودعت النقابات العمالية إلى التظاهر بكثافة الخميس 19 كانون الثاني/ يناير الجاري، والنزول إلى الشوارع في جميع أنحاء فرنسا، بمساندة أحزاب اليسار في الجمعية الوطنية (البرلمان)، احتجاجا على مشروع قانون جديد قدمته حكومة إليزابيث بورن لإصلاح المعاشات التقاعدية.
وأظهرت أحدث استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من الفرنسيين يعارضون مشروع الحكومة بشأن الإصلاح التقاعدي المخطط له، والذي سيرفع سن التقاعد من 62 عاما إلى 64، فيما قالت الحكومة إنها ستشدد على موقفها داعية العمال إلى عدم شل البلاد.
إضراب النقل البري
وسيحظى إضراب الخميس، وهو اليوم الأول من التعبئة ضد إصلاح نظام التقاعد، بشعبية كبيرة في قطاع النقل حيث سيشل الإضراب حركة قطارات المحافظات، وعدد قليل جدًا من عربات القطار السريع "تي جي في"، ومترو واحد في باريس سيسير ببطء، بحسب ترتيبات التحرك الاحتجاجي.
وفي باريس، سيتم إغلاق ثلاثة خطوط مترو بالكامل (8 و 10 و 11) وستعمل عشرة خطوط أخرى جزئيًا فقط في أوقات الذروة أو في أقسام معينة، على أن يعمل الخطان 1 و 14، بشكل طبيعي، مقابل إغلاق سبعة خطوط مترو بالكامل في إضراب آخر تم تنفيذه في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
ومن المقرر أن تكون حركة المرور الدولية على خطوط "يوروستار" Eurostar و"تاليز" Thalys طبيعية تقريبا، في حين أن خط "ليريا" Lyria مع سويسرا سيتم تعطيله وسيتم إلغاء خطوط القطارات الدولية الأخرى تماما.
إضراب الطيران المدني
وفي السياق ذاته، طلبت المديرية العامة للطيران المدني (DGAC) من شركات الطيران إلغاء رحلة واحدة من كل خمس رحلات في مطار أورلي الدولي بشكل وقائي، بسبب إضراب مراقبي الحركة الجوية كجزء من اليوم الأول من التعبئة ضد إصلاح نظام التقاعد.
وقالت المديرية في بيان: "يجب على شركات الطيران أن تخفض بنسبة 20 بالمئة برنامج رحلاتها الداخلية المخطط لها مبدئيًا في مطار باريس-أورلي من الساعة الـ05:00 صباحًا إلى الـ10:30 مساءً في 19 كانون الثاني/ يناير".
وجاء في "إشعار المهام الجوية" الذي نشرته مديرية الطيران المدني أن "إشعار إضراب وطني بين المهنيين في الخدمة العامة والقطاع الخاص بأكمله تم تقديمه من قبل العديد من المنظمات النقابية ليوم الخميس 19 كانون الثاني/ يناير 2023، في البر الرئيسي لفرنسا. وفي الخارج. وقد تم نقل هذا الإشعار من قبل عدة نقابات تمثل مراقبي الحركة الجوية ".
في المقابل، فإنها لن تتأثر الرحلات الجوية إلى الخارج، التي يغادر العديد منها فرنسا من أورلي، بالإلغاء، باسم الاستمرارية الإقليمية، فيما قالت المديرية إنه "على الرغم من هذه الإجراءات الوقائية، إلا أنه من المتوقع حدوث اضطرابات وتأخيرات".
ووفقًا لمدير مطار أورلي، فقد استضافت منصة المطار الشهر الماضي حوالي 530 رحلة في المتوسط يوميًا، سواء المغادرة أو القادمة، متوقعا أن يتم إلغاء ما يزيد قليلاً على الـ100 رحلة الخميس.
الاضطرابات في قطاع الطاقة والمصافي
سيشمل إضراب الخميس قطاعي الطاقة والطاقة المتجددة، حيث من المتوقع حدوث انخفاضات في إنتاج الكهرباء، فيما أشار زعيم الاتحاد الوطني للمناجم والطاقة (نقابة) سيباستيان مينيسبلييه إلى "التخفيضات" المحتملة تستهدف المنتخبين "الذين يدعمون الإصلاح".
وقال سيباستيان إن النقابة تدعو إلى إضراب قابل للتجديد اعتبارًا من 19 كانون الثاني/ يناير، مشددا على أن الإضراب قد يتسبب أيضا تأثير على إعادة تشغيل بعض المفاعلات النووية، شأنها شأن المصافي ومنشآت الطاقة المتجددة.
وأوضح: "إذا كانت هناك ضربات، فلن يكون هناك إعادة تشغيل للمفاعلات. إذا لن يكون هناك إعادة تشغيل للمفاعلات، فقد يكون هناك نقص في القدرة الإنتاجية. (...) سنفترض تمامًا كما فعلنا هذا الخريف".
وتوجد مخاوف بشأن إضراب محطات الوقود في كامل البلاد، حيث بدأ الفرنسيون منذ مساء الثلاثاء بالتوافد على المحطات من أجل ملء خزانات سياراتهم، خشية فقدان المحروقات يوم الإضراب.
قطاع التعليم
بدأت بعض المؤسسات التعليمية في فرنسا بإغلاق أبوابها تحسبا لإضراب الخميس، حيث شهدت مدينة مارسيليا جنوبي البلاد إغلاق بعض المدارس منذ منتصف نهار الثلاثاء، فيما تم تعليق دعوات الإضراب على جدران العديد من المدارس في مختلف المناطق.
توقع اتحاد التعليم الابتدائي، أن يشارك 70 بالمئة من معلمي المدارس الابتدائية في إضراب الخميس، كجزء من التعبئة الوطنية ضد إصلاح نظام التقاعد. وأوضحت جيسلين ديفيد ، الأمينة العامة لهذه النقابة، أن "مسألة التقاعد هي مصدر قلق كبير للمعلمين".
وبحسب النقابية، فإنها " تقريبًا نفس أرقام 5 كانون الأول/ ديسمبر 2019"، خلال التعبئة الكبرى الأخيرة ضد إصلاح نظام التقاعد منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث تم حشد قطاع التعليم بقوة، ووصل معدل المضربين إلى 70 بالمئة في المرحلة الابتدائية وفقا للاتحاد، فيما قدّرت الوزارة نسبة الإضراب بـ55 بالمئة.
وحذرت جيسلين ديفيد قائلة: "إنهم (المعلمون) لا يريدون إصلاح نظام التقاعد هذا، لذا سيقولون له لا على نطاق واسع يوم الخميس في الشارع، وسيواصلون قول ذلك".
ووفقًا لها، "يمكننا أن نسأل أنفسنا سؤال المشقة في مهنة التدريس. لأننا إذا عملنا حتى سن الـ64 أو الـ65 أو حتى الـ67، فيمكننا أن نتساءل ما هي الحالة التي سنكون فيها".
قطاع الشرطة
سيشمل الإضراب جزءا من مؤسسة الشرطة الفرنسية، بحسب ما أعلنت عنه النقابات التابعة لاتحاد المشترك للشرطة الوطنية، حيث يستفيد هؤلاء الموظفون من نظام خاص يسمح لهم بالتقاعد لمدة تصل إلى خمس سنوات قبل السن القانونية المحددة جاليا بـ 62 عامًا.
وإذا تم التصويت على النص كما هو، فسيتم تأجيل التقاعد، للحصول على معاش تقاعدي كامل، لمدة عامين، فيما لا يزال بإمكان الوكيل المغادرة في سن الـ57، ولكن بخصم 5 بالمئة سنويًا قبل سن الـ59، بحسب القانون الفرنسي، فإن "الوضع لا يمكن تصوره"، وفقا للنقابات التي أعلنت حشدها ضد هذا المشروع.
بالنسبة إلى تييري كلير، نائب الأمين العام لشرطة أونسا، "إذا غادرت الشرطة في وقت مبكر، فذلك لأن العنف الذي تعرضوا له خلال حياتهم المهنية منهك"، قائلا: "لا ينبغي معاقبة الذين يغادرون في سن 57 مقارنة بزملائهم من الأجيال السابقة، في حين أن الوظيفة أصبحت أصعب وأصعب".
التكلفة المالية
ورغم غياب المعطيات الرسمية بشأن مداخيل بعض القطاعات الهامة للاقتصاد الفرنسي الخاصة بالعام الماضي 2022، فإنه من الممكن تقدير تكلفة الإضراب المزمع تنفيذه الخميس بالاعتماد على أرقام السنوات الماضية، ومن خلال الناتج الإجمالي المحلي لفرنسا.
فمثلا، وبحسب آخر أرقام وزارة النقل، قُدرت المداخيل الصافية لقطاع النقل عام 2020، بـ 48.8 مليار يورو، بما في ذلك 9.1 مليار يورو متأتية من شراء تذاكر السفر، و1.4 مليار يورو كمرابيح صافية من خدمات القطاع الجوي.
ومن المتوقع أن يسخر قطاع النقل لوحده فقط، 133 مليون يورو على الأقل، إذا استمر الإضراب يوما واحدا، وذلك من خلال اعتماد قاعدة علمية بسيطة، وهي قسمة مداخيل قطاع النقل على عدد أيام السنة، (365 يوما)، علما بأن العام 2020 عرف فرض إغلاق عام بسبب جائحة كورونا.
وتمثل هذه القيمة فقط جزءا من الإيرادات الحكومية العامة المتعلقة بقطاع النقل، إذ إنها لا تشمل الضرائب والرسوم المتعلقة بإنتاج النقل (ضريبة الشركات، والضرائب المهنية، ومساهمات الضمان الاجتماعي، وضريبة القيمة المضافة، وما إلى ذلك)، التي تذهب إلى خزائن الدولة.
وإلى حدود 31 كانون الثاني/ ديسمبر 2020، بلغ عدد العاملين في قطاع النقل بفرنسا، مليونا و413 ألفا و700 موظف، فضلا عن 115 ألفا و300 عامل مؤقت. ويوظف نقل الركاب ونقل البضائع حوالي ثلث الموظفين في القطاع ، بينما يقع الموظفون الآخرون بشكل أساسي في أنشطة البريد والبريد السريع.
أما بشأن قطاع الطاقة المتجددة، فإنه من المتوقع أن تحقق الدولة مرابيح صافية تقدر قيمتها بـ31 مليار يورو، بحسب ما أعلنت عنه هيئة تنظيم الطاقة الحكومية نهاية العام الماضي، ما يعني حسابيا أن إضرابا بيوم واحد في هذا القطاع سيكلف فرنسا 85 مليون يورو.
وباعتماد العملية الحسابية ذاتها من خلال قسمة قسمة الناتج الإجمالي المحلي لفرنسا الذي يقدر بـ2.7 تريليون يورو على عدد أيام السنة، فإن إضراب الخميس سيكلف فرنسا أكثر من سبعة مليارات يورو، في حال شمل الإضراب جميع القطاعات الحيوية.