فارق
كبير بين أخلاق رجال
الشرطة وتعاملاتهم في الدول المتقدمة والدول النامية -وغالبية
الدول العربية والإسلامية منها- ففي الأولى يسود حكم القانون، ويطبق على الجميع
بدءا من رأس الدولة حال وقوعه في خطأ ولو كان مخالفة مرورية، وانتهاء بأبسط مواطن،
وينطبق الأمر على رجال الشرطة الذين هم مكلفون بالأساس بإنفاذ القانون، ويخضعون له
إذا أخطأوا، ولا تشفع لهم وظيفتهم، ولا النجوم والنياشين التي يعلقونها، بينما في
بلادنا يعتبر رجال الشرطة أنفسهم فوق القانون، بل يعتبرون أنفسهم هم القانون، لقد
استنكف رجال الشرطة المصرية أن يكون شعارهم هو الشرطة في خدمة القانون، بعد
استكبارهم على شعار سابق هو الشرطة في خدمة الشعب، ليصبح الشعار الجديد هو الشرطة
والشعب في خدمة القانون، في تلبيس واضح، فالقانون والشرطة كلاهما لخدمة الشعب.
في
الدول الاستبدادية تعتمد حكوماتها على قبضتها الأمنية التي تتجسد في جهاز الشرطة
بشكل أساسي، وباختلاف مسمياته، ورغم أن الدساتير والقوانين تحدد مهام الشرطة، وطرق
عملها بما يحقق الأمن من ناحية ويحفظ كرامة المواطنين من ناحية أخرى، إلا أن
الحكومات الاستبدادية تمنح أجهزتها الشرطية سلطات واسعة، متجاوزة النصوص الدستورية
والقانونية، وهذا ما يفتح الباب لسوء استخدام تلك السلطات، فتعذب الشرطة وتقتل
متهمين بهذا التعذيب، ثم تلقي باللائمة على المتهم نفسه، ولا تجد في النهاية من
يحاسبها.
الحكومات الاستبدادية تمنح أجهزتها الشرطية سلطات واسعة، متجاوزة النصوص الدستورية والقانونية، وهذا ما يفتح الباب لسوء استخدام تلك السلطات، فتعذب الشرطة وتقتل متهمين بهذا التعذيب، ثم تلقي باللائمة على المتهم نفسه، ولا تجد في النهاية من يحاسبها
وفي
الدول المحافظة عموما هناك قسم في الشرطة للحفاظ على القيم والأخلاق والآداب
العامة، يسمى في بعضها بوليس الآداب، وفي بعضها شرطة
الأخلاق، وفي بعضها هيئة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. الخ من التسميات، وتقوم هذه الشرطة في المجمل
بمهامها في حماية الآداب العامة، ومواجهة الجرائم الأخلاقية، لكن السلطات المفتوحة
لها تغري بعض رجالها بتجاوز القانون، والتعامل مع المواطنين بطريقة ثأرية انتقامية.
وهذا ما حدث مؤخر مع الفتاة
الإيرانية مهسا أميني التي ماتت في 16 أيلول/ سبتمبر الماضي
تحت التعذيب في أحد مقار شرطة الأخلاق الإيرانية، وتسببت وفاتها في انتفاضة شعبية
لا تزال مستمرة حتى الآن، بل إنها تتسع يوما بعد يوم أفقيا بالانتشار في مدن جديدة،
ووسط قطاعات شعبية جديدة، ورأسيا بارتفاع سقف مطالبها والذي لم يعد يقتصر على
معاقبة قتلة مهسا، او حتى إلغاء قانون الحجاب، بل وصلت إلى حد المطالبة برحيل
النظام كاملا.
تأسست
شرطة الأخلاق أو دوريات التوجيه (كشت ارشاد) في العام 2006، في عهد الرئيس أحمدي
نجاد، لمتابعة الالتزام بالحجاب والأخلاق الإسلامية عموما، وقد ألقت القبض يوم 13 أيلول/
سبتمبر على الفتاة مهسا بحجة أنها لا تلتزم بشكل كامل بالحجاب، وظلت محتجزة لمدة ثلاثة
أيام خرجت بعدها جثة هامدة. واتهمت أسرتها وصديقاتها الشرطة بتعذيبها حتى الموت،
فيما نفت الشرطة ذلك، مستندة على تقرير طبي عن وفاتها بشكل طبيعي!! وهو ما لم يقنع
أحدا من النشطاء الغاضبين الذين كانوا في انتظار شرارة لتفجير
احتجاجات واسعة تتسع
يوما بعد يوم، حتى اضطرت السلطات الإيرانية إلى إخلاء الشوارع من شرطة الأخلاق، بل
صدرت تصريحات من المدعي العام محمد جعفر منتظري حول
تعليق عمل تلك الشرطة في
محاولة لتهدئة الشارع.
من
واجب السلطات في الدول الإسلامية حماية القيم والأخلاق العامة، فإن الله يزع
بالسلطان ما لا يزع بالقران، لكن تنفيذ هذا الواجب ينبغي أن يكون بالتي هي أحسن،
فما دخل الرفق في شيء إلا زانه وما انتزع من شيء إلا شانه. والتجارب العملية تؤكد
أن
التدخل الخشن للسلطات لفرض الحجاب أو منعه يأتي بنتيجة عكسية، وهو ما حدث في
إيران نفسها في عهد الشاه رضا بهلوي الذي سن قانونا لمنع الحجاب تأثرا بصديقه
الزعيم التركي كمال أتاتورك، فكانت النتيجة انتشار الحجاب في تحد واضح للنظام،
وحين شرّعت السلطات الإيرانية قانون الحجاب في العام 1983، واستخدمت القوة في فرضه
من العام 2006، مع فرض المزيد من القيود في آب/ أغسطس الماضي، كانت النتيجة تمردا
ليس فقط على الحجاب بل على السلطة نفسها، ومطالبة برحيلها، وهو ما أجبر هذه السلطة
على تقديم بعض التنازلات التي كانت في غنى عنها لو تعاملت مع الأمر بحكمة من
البداية.
الشرطة جزء أساسي من مكونات السلطة في أي دولة، ووظيفتها حفظ الأمن وإنفاذ القانون، لكن ذلك ينبغي أن يكون وفقا للقانون أيضا وليس وفقا لأهواء وأمزجة بعض منسبيها، الذين يفتقدون لأخلاقيات العمل الشرطي الصحيح
وبمناسبة
تجريم الحجاب بقوة القانون والسلطة، يجدر بنا أن نشير إلى نموذجين آخرين، هما مصر
وتركيا. فحين أصدر وزير التعليم المصري الأسبق حسين كامل بهاء الدين (1991-2004) قرارا
بمنع الحجاب في المدارس الإعدادية والثانوية كانت النتيجة عكسية تماما بانتشار
الحجاب كنوع من التمرد عليه، ما اضطر الحكومة المصرية للتراجع عن ذاك القرار. وفي تركيا
منع مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك الحجاب بالقانون، وسهرت الشرطة التركية على
تنفيذ هذا الحظر، واستخدمت القوة لمنع المحجبات من دخول الجامعات والمدارس وأماكن
العمل، لكن ذلك لم يمنع انتشار الحجاب في تركيا، ووصل الأمر مؤخرا أن يكون الحجاب
مادة للمزايدة الانتخابية، حيث طالب زعيم المعارضة العلمانية كمال كليتشدار أوغلو
بإصدار تشريع لتقنين الحجاب بشكل مستقر، بينما دعا رئيس الجمهورية لإحداث تعديل
دستوري للغرض ذاته ليكون أكثر استقرارا.
الشرطة جزء أساسي من مكونات السلطة في أي دولة، ووظيفتها
حفظ الأمن وإنفاذ القانون، لكن ذلك ينبغي أن يكون وفقا للقانون أيضا وليس وفقا
لأهواء وأمزجة بعض منسبيها، الذين يفتقدون لأخلاقيات العمل الشرطي
الصحيح. ومن واجب هيئات الشرطة أن تضبط أداء منتسبيها وفقا لتلك الأخلاقيات، حتى
تنال رضا شعوبها، بدلا من تلقي لعناتها، ودفعها للانفجار الذي تكون الشرطة ذاتها
أول أهدافه.
twitter.com/kotbelaraby