قضايا وآراء

منتدى كوالالمبور السادس وانتقاد الإخوان

لا بد إذن من وضع معيار منهجي منضبط للنقد، وبخاصة لحركة كبيرة مثل الإخوان، إذا أردنا الحديث عنها بشكل منهجي (فيسبوك)
على مدار ثلاثة أيام متتالية انعقد منتدى كوالالمبور السادس، (11- 13 كانون أول/ ديسمبر الجاري)، وقد انعقدت خمس مؤتمرات من قبل للمنتدى، ونال المنتدى اهتماما كبيرا من خلال مؤتمره السابق، حيث حضرته وتبنته عدة دول إسلامية، وقد عقد مؤتمره السادس في إسطنبول، وهذه الدورة للمنتدى كان عنوانها "الاستئناف الحضاري ومشاريع الإحياء في الأمة الإسلامية".

وعقدت جلسات معظمها مكتوب لها ورقات في موضوع الجلسة، وقد كان التركيز في مشاريع الإحياء على الحركات الإسلامية، وطبيعي أن يكون نصيب الأسد فيها لجماعة الإخوان المسلمين،. حيث إن الأذهان والعقول تذهب في الغالب عند ذكر الحركة الإسلامية لها، رغم أن المصطلح أوسع من ذلك، لكن لاشتهاره فقد بدا يغلب عليها أكثر، وهو شأن مفردات كثيرة في المجال العلمي، فمثلا لفظة "الأقباط" كانت تعني في الأصل "المصري القديم"، ثم أصبح المصطلح يغلب على مسيحيي مصر عند إطلاقه، ولفظة "الشام" كانت تعني منطقة واسعة تشمل عدة دول، وأصبح المصطلح يطلق على منطقة جغرافية في سوريا.

دارت معظم كلمات المنتدى في حديثها عن الإخوان في انتقاد تجربتها، وبخاصة مصر، ثم بعض التجارب القريبة منها، وهو كلام منطقي في سياقه، لكنه كشأن كل حديث عن الانتقاد، إما أن يكون مبالغا بعض الشيء، أو يكون مسرفا في التفاؤل، ورفض النقد بالأساس، وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.

لاحظت في الكلمات والأوراق التي تمت حول الانتقاد للإخوان وتجربتها في كثير من الدول، ما يأتي: أن معظم من رفضوا النقد هم من كانوا في سدة المسؤولية وقت وقوع هذه الأخطاء، وإن لم يتم ذكرهم أو ذكر مرحلتهم، لكنه الدفاع بالنيابة حتى لا تطالهم ألسنة وأقلام الانتقاد.

ولاحظت أيضا أن بعض من انتقدوا الإخوان، كانوا في مواقع مسؤولية في الحركة، أي إنهم مسؤولون سابقون في الإخوان، ولكنهم فترة وجودهم لم يكونوا من أصحاب الأقلام والأصوات الناقدة، بل كانوا من الصامتين، والمطالبين بتجنب النقد للقيادات، ثم انتقلوا إلى مربع المنتقدين.

أحد من انتقد الإخوان، كان من قبل ممن تبناهم التنظيم، وقدمه في مجالات، وذهب إليها بتوصية أو تزكية من الحركة، لكن عندما أفلت شمس الإخوان، أو أصابها بعض الكسوف، ولى وجهه شطر جهة أخرى، وإن كان ولا يزال يعيش معهم في نفس الأقطار التي تحسب على المعارضة للانقلاب العسكري، لكنه منذ سنوات وكتاباته كلها تنضح بالتجميل لنظام الانقلاب، لدرجة أنه لو كتب أو تكلم بمواقفه من خلال منصات الإعلام في مصر، ولن يكون هناك أي مشكلة في كلامه، بل ربما تم الترحيب به، إن لم يكن مرحبا به بالأساس.

ليست الأزمة هنا في انتقاد الإخوان، أو الدفاع عنهم، فقد أسفرت الأوراق والكلمات عن أزمة كبيرة في تقبل النقد، وفي موضوعيته، فقد غاب أهم معيار في المسألة، وهو المسطرة، أو المعيار الذي يوضع لينتقد به التجارب السياسية والدعوية للإخوان، في معيار الفشل، لمن يصفهم بالفشل، وما معيار عدم الفشل لمن ينف الفشل عن التجربة؟!

من أكبر آفات الحركة الإسلامية هو المشافهة، فجل أعمالها وتاريخها وتجاربها تنقل شفاهة، ومن باب المناقب والتقديس، ولا تكتب وتوثق، هذا إذا أرادت الإخوان والحركات الإسلامية أن ينتهي النقد اللاذع لها، أو ما أسماه بعضهم: جلد الذات، فلو أنك قمت بنقد ذاتك نقدا منصفا، لما فتح باب لأي نقد يبتعد عن الحقائق، والإنصاف.
لست من الرافضين لنقد الإخوان، ولا لأي كيان فكري أو سياسي أو غيره، فقد مارسته ومارسه غيري، وسيظل يمارس، لكن الذي أنتقده هنا هو غياب المعيار الحاكم هنا، فما معيار الانتقاد أو الرفض للسلوك السياسي والدعوي والتنظيمي للإخوان؟ فالملاحظ في كثير من الانتقادات التي توجه للإخوان، افتقاد معيار ثابت ومنضبط للانتقاد.

فقد تجد انتقادا للإخوان في مصر، ويرفض بشدة، وينتقد بحدة، بينما لو مارسه فرع آخر للإخوان فقد تجد نفس الناقد يدافع عنه، أو نقده بصوت أقل، يكاد يكون همسا، ومغلفا بأشكال كثيرة من التخفيف والمدافعة، وهو ما رأيته كثيرا في مواقف نقدية كثيرة، لا أريد ذكر نماذج لها.

بل قد تجد من ينتقد جماعة الإخوان، أو فرع لها، كالإخوان في فلسطين مثلا، فيتم الانتقاد بشدة لبعض ممارساتها، وهو حق مشروع لا ينكره أحد، لكن لو قامت دولة حليفة للحركات الإسلامية بالقيام بنفس الفعل، وربما أكثر، فإن موقف الناقد هناك هو الصمت التام هنا، إن لم تجد تبريرات من بعض المنتقدين بشكل فج وواضح.

فلا بد إذن من وضع معيار منهجي منضبط للنقد، وبخاصة لحركة كبيرة مثل الإخوان، إذا أردنا الحديث عنها بشكل منهجي، إلا لو كان الحديث خاصا بقطر معين، وبمعايير تتوافق مع خصوصية هذا القطر، أما النقد من خلال المقارنة في بعض الانتقادات مع وجود فروق كبيرة بين المناخات والمساحات والإمكانات، فسيكون بعيدا عن الإنصاف، والإفادة للحركة وللمتابعين.

بلا شك أن ما أسهم في غياب هذه المعايير المنضبطة في النقد للإخوان والحركات الإسلامية، هو ضعف النقد الذاتي في هذه الحركات، وبخاصة النقد الذاتي المكتوب، وهو ما نصحت به أحد أصحاب الورقات، وقد كان مسؤولا من قبل، أن يكتب تجربته، ولو بدون نقد، فليكتبها (مادة خاما)، ولكن بتفاصيل كاملة، وليترك لأهل النقد الموضوع هذه المهمة.

لكن للأسف من أكبر آفات الحركة الإسلامية هو المشافهة، فجل أعمالها وتاريخها وتجاربها تنقل شفاهة، ومن باب المناقب والتقديس، ولا تكتب وتوثق، هذا إذا أرادت جماعة الإخوان والحركات الإسلامية أن ينتهي النقد اللاذع لها، أو ما أسماه بعضهم: جلد الذات،. فلو أنك قمت بنقد ذاتك نقدا منصفا، لما فتح باب لأي نقد يبتعد عن الحقائق، والإنصاف.

Essamt74@hotmail.com