في أول تصريح يصدر من مسؤول كبير في الدولة
العراقية بخصوص ملف المغيبين،
أعلن رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، عن مصير الآلاف من أبناء المحافظات السنية
الذين اختطفتهم المليشيات الموالية لإيران إبان الحرب ضد
تنظيم الدولة في نينوى
وصلاح الدين وديالى.
وقال الحلبوسي خلال مقابلة تلفزيونية، الأربعاء، إن "المغيبين
يمكن تسميتهم بالمغدورين"، في إشارة منه إلى مقتلهم جميعا على يد الجهات التي
اقتادتهم إلى جهة مجهولة منذ خمس سنوات، مؤكدا أنه "لا حل لموضوع المغيبين
إلا بتعويض ذويهم وإنصافهم".
وعلى ضوء تصريحات رئيس البرلمان العراقي، أثيرت تساؤلات عن كيفية
تعامل حكومة محمد شياع السوداني مع هذا الملف، وإلى أي مدى يمكن للقوى السياسية
السنية تدويل القضية، ورفع دعاوى قضائية ضد الجهات التي اختطفتهم وقتلتهم؟
"قنبلة موقوتة"
تعليقا على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، جاسم الشمري
لـ"عربي21" إن "القنبلة الموقوتة منذ 5 سنوات فجرها رئيس البرلمان
بهذا التصريح المهم والغريب، كونه بيّن حقيقة هذه القضية، وأنه جاء من رئيس السلطة
التشريعية، وفي ذات الوقت لا يوجد أي تحرك رسمي حيال الملف".
وأوضح الشمري أن "كل ما قاله رئيس البرلمان هو ضرورة تعويض ذوي
الضحايا، وكأننا نتحدث عن بساتين أو سيارات محروقة، ولا نتحدث عن إنسان له كيان
ووجود وأحلام وطموحات، لذلك هذا الأمر هو الأكبر والأهم والأشد مأساة في هذه
القضية".
وواصل، قائلا: "لم نسمع حتى الآن عن وجود تحركات من حكومة محمد شياع
السوداني لتحريك هذا الملف، ولا سيما أنه يتعلق بقوة مليشياوية مسلحة متنفذة في
المشهد العراقي، وبالتالي هناك شهادات من أهالي الضحايا أنه في أعوان 2014 إلى
2016، حيث جرى اعتقالهم على أن تجري معهم تحقيقات بسيطة، ويمكن أن يعودوا إلى
بيوتهم خلال ساعات، لكن هذا الأمر لم يحصل وغابوا منذ تلك اللحظات".
وأكد الخبير العراقي: "نحن نتحدث عن جريمة مركبة، ولا يمكن أن
تحل ضمن الحالة العراقية الداخلية، لذلك أعتقد أننا بحاجة إلى تحرك دولي من أجل
إنهاء هذه المأساة العراقية الكبرى".
حكومة عاجزة
من جهته، قال الباحث والمحلل السياسي العراقي شاهو القره داغي
لـ"عربي21" إن "قضية المغيبين من أبرز القضايا التي تُجسد ضعف
الدولة والمؤسسات الرسمية العراقية في مقابل قوة الميليشيات والفصائل
المسلحة".
وأضاف: "بعد الاعتراف الرسمي بتحول قضية المغيبين إلى مغدورين لم
نسمع حتى الآن أي رد فعل أو موقف حكومي بخصوص هذه القضية التي تتعلق بمصير وحياة
آلاف العراقيين الأبرياء، ويبدو أن الحكومة العراقية الحالية عاجزة عن الاستجابة
لمطالب عوائل المغيبين ولا تتجاوز الخطوط الحمراء فيما يتعلق بمصالح الفصائل
المسلحة".
وأشار القره داغي إلى أن "المليشيات تمتلك نفوذا واسعا داخل
الحكومة الحالية، وبالتالي تُعرقل أي جهود حكومية أو رسمية لإدانة المليشيات التي
بدأت تُشغل الماكينة الإعلامية الخاصة بها لوصف المغيبين بالإرهابيين حتى تفلت من
العقاب وتمنع تعويض أهالي المغيبين".
وأكد الباحث أن "قضية المغيبين تحولت من قضية إنسانية إلى متاجرة
سياسية، وخاصة للأطراف السنية التي عملت على إثارة هذه القضية خلال الدعاية
الانتخابية لكسب الأصوات أو أثناء الخلافات بينها وبين الأطراف الشيعية، وبعدها تم
نسيان هذه القضية".
ولفت القره داغي إلى أنه "لم نر حتى الآن جهودا جدية لتحريك هذا
الملف على المستوى الدولي لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب نتيجة للاتفاقيات
السياسية وانخراط الأطراف السنية في المصالح والنفوذ وعدم استعدادهم للعمل على هذا
الملف لحماية تواجدهم داخل الدولة وعدم خسارة مصالحهم".
وفي ذكرى النصر على تنظيم الدولة، عاد الحلبوسي وتطرق إلى الموضوع
ذاته عبر تغريدة على "تويتر" السبت قال فيها إنه "في العاشر من
كانون الأول تتزامن ذكرى النصر العراقي الكبير على عصابات داعش الإرهابية مع اليوم
العالمي لحقوق الإنسان".
وطالب الحلبوسي بضرورة استكمال هذا النصر الذي حققه العراقيون، وذلك
من خلال "ترميم آثار الحرب على الإرهاب بعودة النازحين وإعمار المناطق
المتضررة، وضمان حقوق الشهداء والجرحى وإنصاف ذوي المغدورين المغيبين وتحقيق
العدالة".
وفي السياق ذاته، طالبت عشيرة المحامدة في مدينة الفلوجة رئيسي
الوزراء والبرلمان بكشف المتورطين من المليشيات الذين خطفوا أبناءهم الـ672
(المغدورين) في ناحية الصقلاوية عام 2016 ورفع دعاوى قضائية ضدهم، داعية قبائل وسط
وجنوب العراق لإظهار اللحمة الوطنية في هذا الجانب.
وعلى الوتيرة ذاتها، انتقد المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق
الإنسان، الاثنين، صمت الحكومة العراقية، على تصريحات رئيس البرلمان، محمد
الحلبوسي، الأخيرة بشأن المغيّبين الذين وصفهم بـ"المغدورين" داعيا في
الوقت عينه إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الأشخاص الذين فقدوا واختفوا قسرا خلال
العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة قبل أعوام.
ويقدر عدد المغيبين السنة المسجلين لدى مفوضية حقوق الإنسان بنحو 12
ألف مغيب، منهم 1800 شخص اختطفوا من الرزازة، و673 من الصقلاوية بالأنبار، و500 من
جرف الصخر في بابل، و400 من سامراء، و400 من مناطق حزام
بغداد، إضافة إلى أعداد
أخرى.
وفي أيار/ مايو 2020، أعاد رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، فتح
ملف آلاف المغيبين والمختفين قسريا إلى الواجهة من خلال توجيهات أصدرها إلى وزارة
الداخلية بالإسراع في الكشف عن مصيرهم، لكن شيئا لم يحصل منذ ذلك الحين.