سياسة عربية

خطة السوداني الجديدة لإعادة أموال العراق.. لماذا أثارت الجدل؟

خبير قانوني: ما يقوم به السوداني يعتبر سياسة جنائية جديدة - مكتب رئيس الوزراء
أثار إعلان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، استرداد جزء من الأموال المسروقة ضمن ما بات يعرف إعلاميا بـ"سرقة القرن" والبالغة 2.5 مليار دولار، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والشعبية بالعراق، ولا سيما بعد الإفراج عن أبرز المتهمين بكفالة مالية.

وقال السوداني خلال مؤتمر صحفي، الأحد، إن حكومته استعادت مبلغ 182.7 مليار دينار عراقي (أكثر من 125 مليون دولار) كدفعة أولى من أصل تريليون و681 مليارا و270 مليون دينار (الدولار يقابل ألفا و480 دينارا) ستتم استعادته خلال أسبوعين، ضمن "سرقة القرن" المتعلقة بأمانات الضرائب.

وأوضح أن "التحقيقات توصلت إلى أنّ المبلغ الإجمالي المذكور صُرف إلى المتهم، نور زهير جاسم، وستُجرى استعادته، والحجز على الأملاك التي بحوزته، وهي تفوق هذا المبلغ"، مؤكدا أن "استراتيجية حكومته في هذا الملف تعطي أهمية لاسترداد الأموال أكثر من اعتقال السرّاق".

"سياسة جديدة"


وتعليقا على ذلك، رأى الخبير القانوني علي التميمي أن "ما يقوم به السوداني يعتبر سياسة جنائية جديدة، تقوم على أساس المال أولا ثم بعد ذلك محاكمة المتهمين، وهذه السياسة الجديدة الهدف منها استرداد الأموال حتى لا يتم تهريبها للخارج، أو استخدامها في الجريمة".

وأضاف التميمي في حديث لـ"عربي21" أن "خطة السوداني توافق القانون وتنسجم مع قانون أصول المحاكمات الجزائية، وأعتقد أنها ستسهم في استعادة الكثير من الأموال المسروقة إذا استمرت على هذه الوتيرة".

وأشار إلى أن "إطلاق سراح المتهم بكفالة يعد أمرا ممكنا وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية وهو صلاحية قاضي التحقيق وفق المواد ١٠٩ و١١٠ من قانون الأصول الجزائية، إذ أن المادة القانونية الموقوف بها المتهم تقبل الكفالة وبالتأكيد أن الكفالة مشروطة بتسليم المبالغ موضوع الدعوى".



وأوضح التميمي أن "هذا لا يعني سقوط الإجراءات القانونية بحق المتهم، بل ستحال الدعوى إلى المحكمة المختصة وفقا لمادة الاتهام بعد استكمال الإجراءات التحقيقية، وأن هذا الإجراء ينطبق مع السياسة الجنائية التي تروم تحقيق المصلحة العامة وفق قاعدة: إذا تضاربت مصلحتان تفضل المصلحة العامة على الخاصة".

ونوه الخبير القانوني إلى أنه "من الممكن النص في شروط الكفالة الصادرة من محكمة التحقيق أنها تكون معلقة على شرط واقف وهو بعد تسديد المبلغ، بمعنى يبقى المتهم رهن التوقيف حتى تستكمل كل إجراءات الاسترداد للأموال ثم بعد ذلك يطلق سراحه وتنفذ الكفالة. وهو إجراء صحيح وموافق للقانون".

محاولة للتعمية


وفي المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، رعد هاشم لـ"عربي21" إن "عملية الاستعراض التي جرت بخصوص الكشف عن الأموال المسروقة وتخيير السارق بتخفيف العقاب مقابل تسليم الأموال، محاولة للتعمية على الجهة السياسية التي تقف وراء هذه السرقة الكبيرة والمفضوحة".

وأوضح هاشم: "يعلم الجميع أنه لا تنفذ في العراق عملية فساد أو سرقة بدون إرادات سياسية كبيرة متنفذة، هي من تقوم بها، وهناك الكثير من الشواهد على ذلك، منها سرقة مصفى بيجي، أو سرقة المليارات في عهد نوري المالكي (رئيس الوزراء السابق)، لذلك الأموال التي تسرق وتهرّب تجري برعاية سياسية حزبية، وبالذات المتنفذة منها والموالية لإيران".

ولفت الخبير العراقي إلى أن "محاولة التعمية والتمويه والابتعاد عن كشف الحقيقة كما هي، لاحظناها عند رؤساء الحكومات السابقة الذين ادعوا أيضا بأنهم سيقضون على الفساد، وشكلوا هيئات مكافحة الفساد، وأن السوداني اليوم يلحق بركب من سبقه كونه يسير على نفس النسق والخطوات، ولكن باستعراضات إعلامية مختلفة".

وأعرب هاشم عن أمله في "ألا تحبط تطلعات الشعب، والذي سيكتشف فيما بعد أن ما يحصل هو مجرد عمليات للتغطية على السارق الكبير، لأنه إذا لم يعمل السوداني على استهداف كبار السراق أمام الرأي العام، فإن كل هذه الفعاليات الهامشية لا تعد إنجازا، لأن ما حصل هو كشف 5 بالمئة من السرقات".



وأردف: "ننتظر ما ستسفر عنه إجراءات حكومة السوداني، ونتمنى ألا تعول على صفة النسيان التي غالبا ما يتوقعون أن الشعب العراقي يتصف بها، لأن الكثير من القوى الخيرة لديها ذاكرة قوية والقدرة على كشف الكثير من أعمال الفساد والقتل في البلاد".

وشكك هاشم في قدرة السوداني على "كشف فساد المتورطين في السرقات من المتحزبين والمليشياويين، رغم كل التصريحات البراقة التي يطلقها. لكن مع ذلك الكل يتابع ويراقب حسم هذه القضايا المتعلقة بالفساد، وإذا لم يحصل شيء، فربما يحصل ضغط جماهيري يحرج السوداني وحكومته، والإطار الشيعي الذي جلبه للسلطة".

وكانت صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية، قد كشفت خلال تقرير لها في 20 من الشهر الجاري، عن تورط مليشيا "بدر" بزعامة هادي العامري في "سرقة القرن"، الأمر الذي لم يعلق عليه الأخير، ولا الحكومة العراقية.

وقالت الصحيفة إن خطة السرقة أشرف عليها رجل أعمال له صلات قوية، ونفذها موظفون في مصلحة الضريبة، والذين يحظون بدعم من فصيل مرتبط بإيران، هو "منظمة بدر". إلا أن سرقة بهذا المستوى لم تكن لتتم بدون مشاركة أو معرفة كم واسع من المؤسسات الحكومية، بما فيها مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.



وفي السياق ذاته، قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 21 من الشهر الجاري، أنها توصلت إلى أن هذا المخطط (سرقة القرن) أعد من جانب رجال أعمال يتمتعون بصلات نفوذ، وجرى تنفيذه من جانب موظفين في لجنة الضرائب يتمتعون بدعم منظمة "بدر" المتحالفة مع إيران.

وأشارت إلى أن "الاستيلاء على الدولة قد تعمق في عهد الكاظمي، الذي كان يفضله الغرب لأنه تعهد بكبح جماح الفصائل العسكرية للجماعات المتحالفة مع إيران مثل بدر، إلا أن الكاظمي كان يفتقر إلى قاعدة سياسية وأصبح تحت ضغوط الأحزاب وأجنحتها العسكرية التي حاولت إحكام قبضتها على المناصب الحكومية المربحة".

ونقل تقرير الصحيفة البريطانية عن موظف في هيئة الضرائب العراقية قوله إن "تقاسم المناصب خلال عهد الكاظمي تعزز بدرجة كبيرة.. إنها كانت الوسيلة الوحيدة التي بإمكانه من خلالها البقاء في السلطة. إلا أن مكتب الكاظمي نفى مثل هذه الادعاءات".