مقالات مختارة

على خطى خط الحرير

ابن سلمان رئيس الصين - الإخبارية السعودية

بات اليوم واضحا أنَّ العالم قد تغيَّر وليس فقط قد بدأ في التحول نحو التغير. معادلة الشرق والغرب تعود بقوة، تماما مثل ما تقود معادلة “شمال جنوب”، وفي المحصلة عودة التنافس القطبي إن لم نقل الصراع بين الأقطاب.

الزيارة التي يقوم بها الرئيس الصيني للسعودية، تأتي في هذا الإطار: تعدد القطبية والتعامل مع الأقطاب وليس الاستقطاب الأحادي المركزي الأمريكي – الأوروبي.

 

زيارة الدولة للرئيس الصيني للمملكة، التي ينبثق عنها اجتماع عدة قمم في قمة واحدة: قمة ثنائية سعودية صينية، وقمة خليجية صينية، وقمة موسعة تضم الصين وعدة دول عربية ومنها الجزائر، هي زيارة فاصلة في العلاقات الدولية التي كانت تربط دول الخليج وعلى رأسها السعودية بعد التقارب المريح والكبير بين الشرق الأقصى والشرق المتوسط، بدءا من الصين ثم روسيا، حتى ولو أنها تبدو كأنها جاءت بناء على زيارة سابقة للمملكة للصين قبل نحو 6 سنوات.

 

غير أن السعودية أرادت بهذا أن تنوِّع علاقاتها الاقتصادية والتجارية وحتى الأمنية وأن تنسلخ من عباءة الحماية الأمريكية التي ترعاها منذ نحو 80 سنة. العلاقات السعودية الأمريكية كما هو الشأن بدول الخليج كلها، هي علاقاتٌ إستراتيجية وتاريخية، لكن هذا لا يعني ارتهان هذه الدول لمصالح ضيِّـقة أنانية يستفيد وينتفع منها الغرب إلى أقصى حدّ بدعاوى مختلفة أهمها: حماية مصالح دول الخليج وأمنها الاستراتيجي. لقد بدأت المملكة تقول بالفم الملآن وبشكل علاني، خاصة مع قدوم بايدن والديمقراطيين إلى السلطة في الولايات المتحدة قبل عامين، إن المملكة لم تعُد كما كانت وإنها أصبحت قوة محورية عسكرية واقتصادية ولا تريد الارتهان لأحد.

 

زيارة الدولة للرئيس الصيني للمملكة، سبقتها زيارة للرئيس بايدن، التي لم تكن على نفس ميزان الاستقبال ولا حتى المخرجات والتي لم ينفَّذ منها شيء، على العكس نُفذ العكس: القرار التاريخي لأوبك+ تقليص مليون برميل نفط عشية انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، أثار حافظة بايدن والديمقراطيين. قبل ذلك، كان الرئيس الروسي وقبله الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب، قد زار المملكة وعقد لقاء يحاكيه اليوم لقاء الرياض، وكأن الأمر يراد به إبراز استقلالية القرار السعودي وتنويع علاقاتها وتقويتها مع الشرق الأقصى الذي هو أقرب إلى المملكة من الولايات المتحدة ومن الغرب الأوربي: الصين وروسيا والهند…

 

نحو 30 مليار دولار من الاستثمارات الصينية الجديدة و32 من مشاريع الإنجازات تم الاتفاق عليها بين الطرفين السعودي والصيني، وهذا بعد قرار آخذ في التنامي: التعامل بين الطرفين بالعُملات المحلية وخاصة اليوان الصيني، مما يعني ضربة للتعامل الحصري مع الدولار.

 

حضور عدة دول خليجية وعربية قمّة الرياض الصينية السعودية، يمثل فتحا جديدا وجديا في العلاقات الدولية، خاصة مع رغبة الكثير من الأطراف الدولية “غير المنحازة” السير في “طريق الحرير” الكبير، والدخول في تكتل “بريكس”، إذ تمثل السعودية والجزائر أكبر المرشحين لتبوّإ عضوية هذا التكتل العالمي الناشئ الذي سيعيد حتما المنافسة الاقتصادية إلى جادتها بعد الهيمنة الغربية لعقود.

 

حضور الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن فعاليات هذه القمة، يؤكد جدية اللقاء ومخرجاته؛ فالجزائر منخرطة تماما في مشروع “خط الحرير”، كما أنها منخرطة تماما في رغبتها تنويع مصادر تعاملاتها الاقتصادية والتجارية وتوسيعها لتشمل دُوَلا في الشرق الأقصى وفي أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا: وتكتل “بريكس” الذي يضم البرازيل وجنوب إفريقيا والهند والصين وروسيا، مؤهلٌ لإعطاء الدول المنضمَّة مستقبلا مكانة في المكوّن الاقتصادي الناشئ.

(الشروق الجزائرية)